#من_وراء_البلايك.. جدل الجهويات يتصدر في تونس

#من_وراء_البلايك_وأفتخر هاشتاغ نشط في تونس للتنديد بتصريحات رئيسة بلدية في العاصمة التونسية ومطالبتها بالاستقالة.
تونس – أثارت رئيسة بلدية باردو، زينب بن حسين، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تداول مقطع فيديو ظهرت فيه رئيسة البلدية تتحدث إلى سكان المنطقة مستخدمة لفظا خارجا عن السياق “من وراء البلايك (اللافتات)”.
يذكر أن عبارات مثل “الجبورة” و“من وراء البلايك”، و“العريبة”، كلها مصطلحات استعلائية درج على استعمالها “أهل الحاضرة” (العاصمة تونس) ليصموا بها التونسيين القادمين من وراء لافتات المحافظات (المناطق الداخلية)، خاصة القادمين من المناطق المهمشة والمفقرة.
وطالب مستخدمو الشبكات الاجتماعية ضمن هاشتاغ #من_وراء_البلايك_وأفتخر باستقالة رئيسة البلدية التي فازت في الانتخابات البلدية الماضية على قائمة حزب حركة النهضة.
وقال الأستاذ الجامعي صلاح الدين الدريدي معلّقا على فيسبوك”:
Salaheddine Dridi
على حد علمي “من وراء البلايك” عبارة ظهرت في السبعينات (من القرن الماضي) ثم غابت وعوضتها عبارة “جاي من غادي (آتٍ من هناك)”. وهي من الثقافة التحتية sub-culture التي جاد بها التاريخ الاجتماعي التونسي الذي لا يزال قائما على ثنائية البلدي والبدوي والزرن والقعر وولد الربط.
وأضاف:
Salaheddine Dridi
ومن المصطلحات الشبيهة التي كانت رائجة “الآفاقيون” ويقصد بهم سكان الأماكن النائية، و“الطرورة” ويقصد بهم سكان الشمال الغربي. وفي التاريخ الوسيط كانت تونس منقسمة بين بلاد المخزن -الخاضعة للسلطة المركزية- وبلاد السيبة -المتمردة على السلطة المركزية-، وكانت تسكنها القبائل البربرية النوميدية الثائرة باستمرار ضد سلطة المركز. وقد تمعن الحبيب بورقيبة في هذا المعطى التاريخي والسوسيولوجي وكان يخشى على تونس من إعادة ظهور نزعة التمرد فاستعمل مصطلحه الشهير “أخشى على تونس إيقاظ شيطانها”، إذن فالحكاية كلها “حكاية شواطن توسوس من وراء البلايك”.
مستخدمو الشبكات الاجتماعية ضمن هاشتاغ #من_وراء_البلايك_وأفتخر يطالبون باستقالة رئيسة البلدية التي فازت في الانتخابات البلدية الماضية على قائمة حزب حركة النهضة
ويذكر مؤرخون أن الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة حاول وأد ظاهرة العروشية نسبة إلى العروش (القبائل) في تونس لكن الجهويات ظهرت مجددا.
وفي العقود الماضية، تكرست النزعة الجهوية والطبقية، فعُزلت جهات بأكملها، ونُفيت من المنوال التنموي الذي وضع للنهوض بالبلاد ذات الموارد المحدودة، وبدلا من أن يتم توزيع العناية الحكومية على كل المناطق، تركّز الاهتمام على النهوض بالمناطق الساحلية، التي صدرت منها نخبة الحكم على مر السنين.
وكتب مستشار بلدي:
Adel Zarati
من عادل الزراتي مستشار بلدي بمارث “من وراء البلايك” إلى السيدة زينب بن حسين رئيسة بلدية باردو… أقول سيدتي لكي أحفظ مقامك وليس شخصك من هم “وراء البلايك ” كما تزعمين، مرت عليهم كما مر على كامل تراب البلاد التونسية ألوان وأجناس، كان لهم الفضل في حال هذه الربوع المنتسبين إليها بإرث تاريخي عميق وحضارة تنصهر في الثقافة التونسية وتتميز بلونها الخاص أوجدها هؤلاء جميعا بكل أطيافهم وباختلافهم… كل ساهم بدوره وفضله في هذه الدولة التي احتضنتنا جميعا، وهو أصل الموضوع، أفلا تتواصل هذه الأمانة التي ورثناها عن الأجداد… تصريحك المستفز (…) أمام المواطنين “ماناش من وراء البلايك” والذي لا يمكن تفسيره إلا بطيش فكري وخصاصة فكرية تريدين من خلاله زرع فتنة لا أساس لها في أذهان العقلاء… نجدها فقط في أصحاب النفوس المريضة التي تريد بهذه الربوع شرا!!! من وراء البلايك وأفتخر.
من جانبه، قدم المجلس البلدي بباردو الاعتذار إضافة إلى لائحة لوم ضد رئيسته كما تبرأ من تصريحاتها، وفق تأكيد عضو المجلس البلدي جيهان بن عيسى في تصريحات إعلامية.
لكن رئيسة البلدية زينب بن حسين حاولت أن تعطي الموضوع منحى سياسيا وقالت “هذه الهرسلة التي أتعرض لها سببها أن هؤلاء الأشخاص لم يستوعبوا فوز النهضة في الانتخابات البلدية” التي انتُظمت يوم 06 مايو 2018. ونفت أن يكون المكتب المحلي لحركة النهضة قد طلب منها تقديم استقالتها على إثر تصريحاتها الأخيرة.
وعلّق القيادي في حركة النهضة لطفي زيتون في تدوينة قائلا:
لطفي زيتون
“السيدة رئيسة المجلس البلدي بباردو والمرشحة المستقلة عن حزب حركة النهضة مدينة هي وحزبها (وأنا عن نفسي باعتباري عضوا في هذا الحزب أعتذر لأهلنا في كل مناطق الجمهورية عن هذا الوصف غير المناسب) باعتذار للتونسيين والتونسيات، من وراء البلايك وقدامها، باعتذار كبير كبر القاعدة الشعبية للنهضة المكونة أساسا منا نحن جماعة وراء البلايك حسب المعجم المتخلف الذي تم استعماله. فقليلا من التحضر والمدنية رجاء”.
يذكر أن الخطاب السياسي في تونس غير بريء وتحاول أحزاب بعينها بشتى الطرق توظيف العصبيات الجهوية لزيادة قاعدتها الانتخابية، خاصة أن تونس مقبلة هذا العام على انتخابات رئاسية وتشريعية.
وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تغذية التعصب الجهوي خاصة مع توظيف الأحزاب لميليشيات إلكترونية تستبيح كل شيء لتشويه الخصوم وجلب أصوات جديدة.
وأثار زعيم حزب حركة النهضة راشد الغنوشي جدلا واسعا في أبريل الماضي، خلال الحملة الدعائية للانتخابات البلدية، حين أكد خلال زيارته لمدينة صفاقس (عاصمة الجنوب التونسي) أنّ “الشّعب التّونسي سيحوّل الثّورة إلى ثروة انطلاقا من صفاقس باعتبار الصفاقسية –وكذلك الجرابة (أهالي جربة)– يتميّزون بعقلية الاقتصاد الحرّ وروح المبادرة الفردية بينما معظم التّونسيّين لا يزالون متشبّثين بعقلية ‘المسمار في حائط’ وينتظرون من الدّولة توظيفهم”.
وفي عام 2014، عام الانتخابات الرئاسية والتشريعية، كانت صفحات على فيسبوك في تونس معروفة بانتمائها إلى حركة النهضة الإسلامية تداولت بـ“كثير من المكر” خارطة جديدة للبلاد التونسية، تفصل شمالها عن جنوبها، مثيرة نقاشا خطيرا لا يخلو من إثارة للنعرات الجهوية.
وتداول أنصار النهضة خارطة يبرز فيها شمال يتزين بلون علم تونس ورموزه، وجنوب يلتحف سواد راية “تنظيم داعش” تحت مسمى “تونستان”.
والخارطة المتداولة هي بسبب اختلاف التصويت بين الجهات والمناطق لصالح حزبي النهضة والنداء، ففيما فاز النداء في محافظات الشمال، صوتت محافظات الجنوب لصالح حركة النهضة.
ويقول أنصار النهضة على المواقع الاجتماعية إن التونسيين يسخرون من أهالي الجنوب المحافظين الذين صوتوا “للإسلام وعزته”، وفق تعبيرهم.
وتطور الأمر من “دعابة” إلى تحريض جدي على تقسيم البلاد وفصل شمالها عــن جـنوبها. ووصف تونسيون على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك الأمر بـ“المحاولة الأخيرة من النهضة لتقسيم تونس بعدما شهدت صنوفا عدة من محاولات التقسيم بعد ثورة 14 يناير، بين الثوريين والمرتدين، بين العلمانيين والإسلاميين، بين الحداثيين والرجعيين”.
ورغم الجدل يؤكد علماء اجتماع أن المجتمع التونسي متجانس بما فيه الكفاية، والفضل في ذلك يعود إلى المدرسة الجمهورية التي كانت في العقود الأربعة الأولى بعد الاستقلال وسيلة أساسية للارتقاء الاجتماعي وإضفاء قدر هامّ من التوازن الطبقي المفقود.