منع "الشطط" عنوان توصيات وزير الإعلام اللبناني لاحتواء الانتقادات

الوزير يوجه دفة الإعلام نحو رواية واحدة بسردية متماثلة.
الجمعة 2024/10/04
سبب للانقسام أم التضامن

يطالب وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري المنابر المحلية المعروفة بانقسامها السياسي وتباين توجهاتها، برواية موحدة في زمن الحرب في محاولة لاحتواء الانتقادات والآراء السياسية الناقدة لحزب الله الذي استفرد بقرار الحرب في البلاد، إذ اعتبر الوزير أن "الوقت ليس مناسبا للدخول بتصفية حسابات مع بعضنا".

بيروت - عقد وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية زياد المكاري اجتماعا طارئا مع ممثلي وسائل الإعلام، لتحديد الإستراتيجية التي يجب أن تسير عليها هذه المنابر منعا لما أسماه “الشطط” لمصلحة الوحدة الوطنية التي تقتضي بالضرورة عدم انتقاد المتسببين بالحرب في البلاد.

واستهل المكاري كلامه بالقول “لقد دعوت وسائل الإعلام إلى هذا الاجتماع بعدما طرح موضوع الإعلام بكل جوانبه في جلسة مجلس الوزراء اليوم (الأربعاء)، وكان هناك شكاوى من عدد من الوزراء ووجهات نظر مختلفة من آخرين".

وأضاف "منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب قبل عام تقريبا، كنا نقول إن الإعلام سلاح أساسي في هذه المعركة. ولكن الإعلام سلاح ذو حدين، ما يعني أنه يفيد من ناحية ويضر من ناحية أخرى، يؤذي عندما نود أن نؤذي أنفسنا به ويفيد عندما تكون لدينا قضية وبلد نريد الدفاع عنهما، ونحن نعلم كيف نوجه بصدق الإعلام اللبناني".

زياد المكاري: الإعلام سلاح أساسي في هذه المعركة. ولكنه سلاح ذو حدين
زياد المكاري: الإعلام سلاح أساسي في هذه المعركة. ولكنه سلاح ذو حدين

وتشير تصريحات الوزير اللبناني إلى رغبته في توجيه دفة الإعلام نحو رواية واحدة بسردية متماثلة، تحت مسمى الحفاظ على الوحدة الوطنية، غير أن واقع الحال في لبنان والتباينات السياسية فيه وتبعية الإعلام بغالبيته للأحزاب تؤكد صعوبة هذه المهمة.

ولطالما كان الإعلام الرسمي اللبناني الأضعف صوتا في ظل وجود منابر سياسية تحظى بتمويل سياسي ومتابعة جماهيرية ومن بينها الإعلام التابع لحزب الله، وتسببت هذه التبعية بحروب إعلامية ومشاحنات.

غير أنها ميزت لبنان بتعدد الأصوات الإعلامية واختلاف السياسات وهي إن حملت جانبا سلبيا، إلا أنها كانت تعكس التنوع واختلاف وجهات النظر وإمكانية انتقاد وكشف ما يجري وراء الكواليس رغم تعرض الكثير من هذه المنابر والصحافيين العاملين فيها لاسيما المعارضة لحزب الله لتهديدات وانتهاكات.

وبحسب الوزير المكاري فإنه “منذ السابع من أكتوبر وإلى غاية الآن، مر لبنان بمحن كبيرة واليوم نحن أمام مرحلة جديدة خطيرة جدا. وهذا الموضوع يحمّل الإعلام مسؤولية كبيرة".

وعبّر المكاري عن إيمانه بالإعلام اللبناني وبالمؤسسات الإعلامية، قائلا إنه "رغم كل ما يحكى في المجتمع الإعلامي أو السياسي أو مواقع التواصل الإعلامي ورغم كل الاعتراضات والانتقادات، نقول إن الوضع ما زال مقبولا، لكننا نخشى من الشطط الذي يمكن أن يحدث".

والواقع أن حملات الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي لحزب الله بعد الأحداث الأخيرة زادت رغم نشاط الجيوش الإلكترونية للحزب وداعميه، وهو ما يحاول الوزير احتواءه بالدعوة إلى عدم الشطط وشق الصف الوطني، وجاء في إحدى التعليقات:

ويطالب المكاري الإعلام بالارتقاء إلى “مستوى هذه اللحظة وأن يكون شريكا أساسيا في مواكبة كل الأحداث”. وعلق على كيفية تناقل الأخبار بزخم لا مثيل له في ظل توالي الأحداث وكثرة التغطيات إنما هناك مشكلة كبيرة ألا وهي الـ”نسخ لصق” بحيث إن أي خبر مثير للدهشة ويجذب المتابعين واللايكات يتم نشره بكثافة.

وانتشر الخبر الزائف عن اختطاف السفير الإسرائيلي في قبرص الذي نسب إلى وكالة رويترز، بسرعة في وسائل الإعلام اللبنانية وتناقلته كل الوسائل وجميع الناشطين على مواقع التواصل حتى مؤسسات إعلامية لها تاريخها ومصداقيتها. واعتبر المكاري “إذ هناك الكثير من الأخبار الزائفة التي لا تخدم اللبنانيين ولا القضية بل تخدم الإسرائيلي. لذا يمنع نشر هكذا أخبار".

وعلق الإعلامي سامي كليب على اجتماع الوزير في تغريدة على حسابه في إكس:

وتمنى المكاري “الإضاءة على العمل والجهد اللذين يبذلان حاليا في البلد”، وأكد أن أبواب وزارة الإعلام لم تقفل في وجه أحد، لافتا إلى أن الوزارة حمت كل الصحافيين، وبينهم من كانوا ينتقدون السلطة والحكومة والوزارة، وقال “لنعتبر أننا جميعا في مركب واحد ندخل إلى مكان ليس جميلا. لا أحد من اللبنانيين يريد هذه الحرب وهذا المكان، إنما نحن موجودون فيه، وعلينا التصرف على هذا الأساس بمسؤولية ووطنية وشفافية”.

وتبدو تصريحات الوزير متناقضة مع الواقع بغض النظر عن صوابيتها، إذ إن التداخل بين المال والسياسة بتحويل المحطات الإعلامية إلى منصات سياسية ذات هوية طائفية مملوكة من زعماء الطوائف، أدى إلى “تشريع” التدخلّات الدولية في رأس المال الإعلامي لأهداف تخدم مصالحهم السياسية. لذلك، بدل توعية

وتثقيف الرأي العام من خلال بثّ محتوى إعلامي مهني، تحوّلت المحطات إلى منصات للسياسيين لبثّ سردياتهم وللتعمية عن قضايا كثيرة تهمّ الرأي العام.

ويستذكر الكثيرون الانتفاضة الشعبية عام 2019، حين لم تكتف محطات التلفزيون بنقل التظاهرات على شاشاتها، بل كان المراسلون على الأرض يوجّهون المتظاهرين بأسئلة سياسية معيّنة خدمة لتوجّه المحطة السياسي.

وأحيانا كثيرة كانوا يوجّهون محتوى إجابات المتظاهرين ومطالبهم إمّا بالاتفاق المسبق مع بعضهم أو بتصويب بعض الإجابات التي لا تتوافق مع سياسة المحطة. أما في البرامج الحوارية، فانقسمت المحطات التلفزيونية كلّ حسب توجّهها السياسي على حساب المهنية بحيث كانت كل شاشة تستضيف الجهة السياسية التي تؤيّدها. كما في الشكل، فإنه في المضمون أيضا، غاب الدور الرقابي الذي يتوجّب على الإعلام القيام به، لتغيب المساءلة المهنية على الشاشات على حساب الانتماء السياسي لكلّ ضيف ضد الفريق الخصم الذي لا يدور في فلك سياسة المحطة.

ويؤكد المتابعون للإعلام في لبنان أنه يخدم الطبقة السياسية فقط، وهو الوسيلة الأكثر تأثيرا في تبادل الرسائل بين الزعماء والسياسيين، إذ أصبحت البرامج الحوارية عدّة الدعاية للسياسيين ورؤوس الأموال في ظلّ غياب دور المجلس الوطني للإعلام الذي تأسس في تسعينات القرن الماضي لمراقبة عمل الوسائل الإعلامية ومحاسبة خرق القوانين والأخلاقيات الإعلامية لجهة المهنية والفساد والارتهان المالي والمحتوى الطائفي والمذهبي. إذ يتألف أعضاء المجلس من ممثّلين عن الكتل النيابية أي ممثلين عن السلطة السياسية في لبنان.

5