منع الحمل آخر تداعيات الأزمة الاقتصادية في لبنان

ارتفاع حالات الحمل غير المقصود يؤدي إلى الزيادة في عمليات الإجهاض غير الآمن.
الأربعاء 2022/03/02
تراجع خدمات الصحة الإنجابية جراء الأزمة

أثرت الأزمة الاقتصادية اللبنانية على مسألة تحديد النسل، وأدى الانخفاض الحاد لقيمة الليرة إلى ارتفاع تكلفة وسائل منع الحمل المستوردة مثل حبوب منع الحمل والواقي الذكري، ما ينبئ بموجة من حالات الحمل غير المرغوب فيها، والأمراض المنقولة جنسيا، وربما عمليات الإجهاض غير الآمنة. و يعد الإجهاض مسألة غير قانونية في لبنان حتى في حالة الاغتصاب أو سفاح القربى.

بيروت – تخلّت لينا، وهي امرأة لبنانية تبلغ من العمر 27 عاما، عن حبوب منع الحمل قبل سنة لارتفاع سعرها الذي أصبح بعيدا عن متناولها. وهي اليوم حامل في الشهر الخامس وخائفة مما ينتظرها في المستقبل.

وفي الوقت الذي تجعل فيه الأزمة الاقتصادية في لبنان تحديد النسل والواقي الذكري واختبارات الفحص مكلفة بالنسبة إلى العديد من الشباب، حذّر الأطباء من موجة من حالات الحمل غير المرغوب فيها، والأمراض المنقولة جنسيا، وربما عمليات الإجهاض غير الآمنة.

وأغرق الانهيار الاقتصادي في لبنان أكثر من 82 في المئة من السكان في براثن الفقر، حيث أدى الانخفاض الحاد لقيمة الليرة إلى ارتفاع تكلفة إمدادات منع الحمل المستوردة مثل حبوب منع الحمل والواقي الذكري.

وقبل انهيار قيمة الليرة في أواخر 2019، كلّف شراء كمية حبوب منع الحمل لما يكفي سنة حوالي 21 ألف ليرة. وأصبحت نفس الكمية تكلف ما يقرب من 10 أضعاف ذلك اليوم. كما أصبحت حزمة من ستة واقيات ذكرية تكلف الآن ما لا يقل عن 300 ألف ليرة، أي ما يقرب من نصف الحد الأدنى للأجور الشهرية.

الانخفاض الحاد لقيمة الليرة أدى إلى ارتفاع تكلفة إمدادات منع الحمل المستوردة مثل حبوب منع الحمل والواقي الذكري

وقال فيصل القاق، أخصائي أمراض النساء والتوليد في الجامعة الأميركية في بيروت، إن هذا جعل وسائل منع الحمل غير ميسورة التكلفة بالنسبة إلى العديد من الشباب، وضاعف من فرص ما قد يترتب على ذلك من عواقب تهدد حياة النساء.

وتابع في حديثة لمؤسسة تومسون رويترز أن “الارتفاع المحتمل في حالات الحمل غير المقصود يمكن أن يؤدي إلى المزيد من العواقب الاقتصادية، والزيادة في معدلات إصابة الأمهات بأمراض أو وفاتهن، وبالطبع زيادة في عمليات الإجهاض غير الآمنة”. حيث أن الإجهاض غير قانوني في لبنان حتى في حالة الاغتصاب أو سفاح القربى، ويمكن أن تُسلّط غرامة على أيّ شخص يُسهّل الإجهاض أو يروّج له أو يخضع له. ويكمن أن تصل العقوبة إلى حد السجن.

وقال القاق إن الحظر والمواقف المحافظة بشأن إنجاب طفل خارج إطار الزواج تعني أن النساء اللاتي يجدن أنفسهن حوامل دون أن يرغبن في ذلك غالبا ما يسعين للإجهاض غير القانوني، مقدرا أن الإجهاض غير الآمن يسبب 25 في المائة من وفيات الأمهات.

وقالت الأمم المتحدة العام الماضي إن ما يقرب من 12 مليون امرأة في البلدان الفقيرة فقدن إمكانية الحصول على وسائل منع الحمل خلال وباء كورونا، مما تسبب في تسجيل 1.4 مليون حالة حمل غير مخطط لها. وتفاقمت المشكلة في لبنان بسبب المشاكل المالية في البلاد، حيث يواجه اللاجئون وسكان الريف على وجه الخصوص ندرة في خدمات الصحة الجنسية، حسب القاق.

وأصبح الأشخاص الذين يحتاجون إلى متابعة فحوصات الأمراض المنقولة جنسيا، بما في ذلك فايروس نقص المناعة البشرية، يكافحون من أجل تحمل تكلفة الاختبارات نفسها، والتي يمكن أن تكلف ما يصل إلى 200 ألف ليرة لبنانية في العيادات الخاصة. وقال القاق إن الخدمات المخصصة للذين يعانون من الأمراض المنقولة جنسيا تعرضت للإهمال وافتقار التمويل منذ فترة طويلة في لبنان، مما أدى إلى نقص في الفحص والكوادر المدرّبة والقدرات المختبرية والإمدادات الصيدلانية لمتابعة العلاج. وسُجّل 2885 شخصا تم تشخيص إصابتهم بفايروس نقص المناعة البشرية في لبنان اعتبارا من نوفمبر 2021، منهم 1941 شخصا فقط يتلقون العلاج بمضادات الفايروسات القهقرية، وهم يمثّلون نسبة أقل بكثير من المتوسط العالمي، وفقا للتقديرات التي قدمها البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز.

Thumbnail

كما قال القاق إن وصمة العار والتمييز والحظر المفروض على ممارسة الجنس بين المثليين تمنع العديد من اللبنانيين من مجتمع الميم من الخضوع للفحص أو طلب علاج لفايروس نقص المناعة البشرية وغيره من الأمراض المنقولة جنسيا. كما أشار المهنيون الصحيون والنشطاء الذين ينشرون الوعي حول فايروس نقص المناعة البشرية إلى قوانين صارمة بشأن الاشتغال بالجنس وتعاطي المخدرات باعتبارها حواجز أمام تقديم خدمات الفحص والعلاج بين الفئات المعرضة للخطر.

وتقدم العديد من المبادرات المحلية، التي غالبا ما تمولها التبرعات الخيرية، اختبارات مجانية للأمراض المنقولة جنسيا في محاولة لسد الفجوة. ووفقا للبيانات التي جمعتها جمعية العناية الصحية، وهي منظمة غير ربحية توفر الاختبار المجاني، فإن 70 في المئة من الأشخاص الذين زاروا مختبراتهم في 2021 كانوا يمارسون الجنس دون وقاية. وقالت نادية بدران رئيسة الجمعية إنه مع تزايد الطلب على خدمات الصحة الجنسية بأسعار معقولة، تستنفد الأزمة أموال المنظمات غير الربحية حيث يعيد المانحون توجيه دعمهم إلى البرامج التي تركز على توفير الغذاء والمأوى. وأضافت أنهم “يعطون الأولوية لتمويل الأشخاص الذين يموتون من الجوع، وليس من الأمراض المنقولة جنسيا”. وتعاني البلاد من مصاعب اقتصادية وسياسية حادة طويلة الأمد. وقال ممثل اليونيسيف في لبنان والمديرة الإقليمية لمنظمة العمل الدولية إن أثر إلغاء دعم الأسعار على العائلات الأضعف حالا سيكون هائلا، وعلى الرغم من هذا لا توجد إجراءات معمول بها تقريبا لتخفيف وطأة الأمر.

ما يقرب من 12 مليون امرأة في البلدان الفقيرة فقدن إمكانية الحصول على وسائل منع الحمل خلال وباء كورونا، مما تسبب في تسجيل 1.4 مليون حالة حمل غير مخطط لها

ومن الضروري إدراك أن قفز لبنان من على جرف آخر الآن، دون إرساء نظام شامل من الضمانات الاجتماعية أولا، سيؤدي إلى كارثة اجتماعية على الأشخاص الأضعف حالا في البلد، بما يُضحي بمستقبلهم ومستقبل البلد ككل، لعدة أعوام مقبلة.

وأضاف المسؤولان الدوليان أن تحليل المعطيات في لبنان يبين أن 80 في المئة من دعم الدولة يذهب في الواقع إلى الشرائح الأكثر غنى في المجتمع، في حين لا يستفيد الفقراء إلا من نسبة 20 في المئة.

ويتوقع البنك الدولي أن يتواصل اتساع نطاق الفقر ليشمل نصف سكان البلاد في عام 2022.

وتعد إعادة الثقة إلى القطاع المالي والمصرفي وعودة الانتظام إلى المالية العامة من أهم التحديات الاقتصادية التي يواجهها لبنان في المرحلة القادمة؛ حيث جفت مصادر تمويل خزينة الدولة والقطاع المصرفي بالعملات الأجنبية. وبالمقابل، على الدولة اللبنانية التزامات عديدة تتطلب توافر الدولار لسدادها.

وبدأت ملامح الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان تلوح في الأفق بداية من شهر أغسطس 2019 مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، ولأول مرة منذ عام 1993، من السعر الرسمي 1507.5 إلى 1530 في السوق السوداء، واستمر بالارتفاع بعد حراك 17 أكتوبر (2019) ليتخطى قبل نهاية عام 2020 حاجز 8000 ليرة.

وانعكس التدهور المالي على مستوى معيشة اللبنانيين؛ حيث ارتفعت أسعار السلع والخدمات، وتقلصت قدرة المواطنين الشرائية بـ80 في المئة وفقدت مداخيلهم الكثير من قوتها، وحيل بينهم وبين ودائعهم المصرفية المودعة بالدولار كما أصبح الوصول إلى ودائعهم بالليرة مقيدًا بسقف محدود.

وجاءت جائحة كورونا بالتوازي مع الأزمة الاقتصادية اللبنانية، فضلًا عن الأزمة السياسية المستفحلة لتزيد من معاناة الشعب اللبناني. ورغم الانفجار الهائل في مرفأ بيروت والمبادرة الفرنسية التي تلته ومقترحاتها لحلِّ الأزمة الاقتصادية، إلا أن الخلاف السياسي الحاد بين القوى السياسية في الداخل اللبناني يقف عقبة أمام أي حلٍّ منشود وأوله تشكيل حكومة من أجل معالجة جدية للأزمة تتماهى مع مقاربات الخارج للحل.

17