منع البرامج التلفزيونية والإذاعية أسهل الطرق لمعالجة إخلالات الإعلام في الجزائر

الجزائر - قررت السلطات الجزائرية منع القنوات الفضائية الخاصة من بث البرامج الاجتماعية الموجهة لمساعدة الحالات الاجتماعية وعرض ظروف أفراد أو مرضى في حاجة إلى المساعدة المادية وجمع الأموال لصالحهم، إلى حين تنظيم هذا النوع من العمل الإعلامي ووضع شروط تحكمه بعد موجة من الجدل رافقت أحد البرامج إذ يعيش القطاع سوء تنظيم في ظل غلبة العقوبات على التوجيه والإصلاح من قبل السلطات المعنية في البلاد.
ووجه وزير الاتصال الجزائري محمد لعقاب تعليماته بإيقاف بث البرامج التلفزيونية والإذاعية القائمة على جمع التبرعات وهذا إلى غاية صدور دفتر الشروط بسبب تلقي مصالحه العديد من الشكاوى حول عمليات ابتزاز واحتيال جراء مثل هذه البرامج، حسب ما أفاد به بيان للوزارة. واجتمع لعقاب الأربعاء مع مدراء القنوات التلفزيونية والإذاعية العمومية والخاصة حيث تم التطرق للقضايا التي تشغل قطاع الاتصال بصفة عامة، لاسيما ما تعلق منها بتعزيز المهنية والاحترافية.
وأوضح الوزير أن الدعوة إلى هذا الاجتماع “جاءت على خلفية ما أثير مؤخرا بخصوص تناول قناة تلفزيونية خاصة موضوعا اجتماعيا كان أحد الأئمة وأحد المواطنين أطرافا فيه حيث أحدث ردود فعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي”، لافتا النظر إلى أن “قضايا المشاكل الاجتماعية هي مسائل مشحونة بالعواطف تتطلب مهنية واحترافية وحيادية عالية”.
ويتعلق الأمر ببرنامج “خليها على ربي” الذي يبث على قناة النهار، حيث تضمنت حلقته الأخيرة اتهامات غير موثقة من وليّ مريضة ضد إمام مسجد بالاستيلاء على أموال جمعت لصالح الطفلة المريضة، وتبين لاحقاً أن هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة.
وأثارت الحلقة جدلاً كبيراً وحملة دعم واسعة لصالح الإمام المعروف بإسهاماته البارزة في العمل الخيري في الجزائر، واعتبرت الاتهامات الموجهة إليه خروجاً عن أخلاقيات المهنة ومساساً بالمؤسسة الدينية واستهدافاً للداعية والعمل الخيري. وقد ظهر الإمام في تسجيل فيديو ينفي كل ما نسب إليه ويتعهد باللجوء إلى القضاء لاستعادة حقه من القناة التلفزيونية.
وتدخلت سلطة ضبط السمعي البصري، بعد الضجة التي أثيرت حول البرنامج وأصدرت بيانا قالت فيه “بادرنا دون تلقي شكوى بالاستماع إلى الأطراف المعنية بقضية الحصة التي بثت على قناة النهار التي عرضت فيها ادعاءات والد طفلة يواجه فيها إماما بشأن عملية جمع التبرعات لمعالجة ابنته، البرنامج التلفزيوني ‘خليها على ربي’ على قناة النهار أثار جدلا وناقش قضية اجتماعية أثارت سجالا حادا في وسائل التواصل الاجتماعي مما راجت عنه مغالطات وغموض”.
وأضاف “نوضح للرأي العام بأننا نُراقب دوما وتلقائيا البرامج التلفزيونية عقب بثها وننظر في الوقائع المسجل فيها تجاوزات بمبادرة منا أو بناء على شكوى أطراف، يجري التحقيق بعناية لفهم جميع الجوانب المتعقلة بالقضية والنظر بما تقتضيه الإجراءات والحكمة لضمان تطبيق القانون بشكل صحيح وعادل بغية إصدار قرارات مؤسسة وقطعية ستتخذ على ضوئها السلطة قرارها النهائي”. وتابع البيان “النقاشات العامة حول القضايا الاجتماعية في جميع الوسائل السمعية البصرية تقتضي الحرص الشديد على الموضوعية واحترام المعايير الأخلاقية والقانونية”.
وأشار الوزير لعقاب إلى أن وزارة الاتصال وكذلك السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري سجلتا العديد من الخروقات القانونية وانتهاكات لآداب وأخلاقيات المهنة “لاسيما المادة 3 من القانون العضوي للإعلام التي تخضع ممارسة النشاط الإعلامي لاحترام كرامة الإنسان والمادة 20 التي تنص على التدقيق في المعلومة والتأكد من مصدر الخبر وكذا المادة 35 التي تفرض الاحترام الصارم لآداب وأخلاقيات المهنة”.
ونبه إلى أن بعض البرامج التلفزيونية والإذاعية التي تقوم على جمع التبرعات “كان يتعين عليها الامتثال لأحكام القانون المنظم لهذه العملية، على غرار الأمر رقم 77 – 3 المتعلق بجمع التبرعات”، مشددا على أن “مثل هذه البرامج تقتضي مهنيا التثبت من حقيقة الحاجة الاجتماعية من جهة ومراعاة الجانب المهني من جهة أخرى.
كما لفت في السياق ذاته إلى أن مصالح الوزارة “استقبلت العديد من الشكاوى من مواطنين حول عمليات ابتزاز واحتيال جراء مثل هذه البرامج”. وفي انتظار صدور دفتر الشروط الذي يضبط ممارسة النشاط السمعي البصري بدقة أسدى الوزير تعليمات بـ”إيقاف بث هذه البرامج إلى غاية صدور دفتر الشروط”.
◙ التوجه الرسمي للسلطات يغلب عليه الطابع الزجري وفرض العقوبات بدلا من البحث عن حلول لأزمة الإعلام والارتقاء بعمله
ويبدو أن القنوات الفضائية الجزائرية تعاني أزمة حادة على مستوى الأداء المهني مع محاصرتها وتقييد الحريات فيها الذي جعلها تبحث عن نسب المشاهدة واستدرار عواطف الجمهور لكسب المعلنين ما أوقعها في إخلالات مهنية عديدة. ويغلب على التوجه الرسمي لوزارة الاتصال الطابع الزجري وفرض العقوبات والمخالفات بدلا من البحث عن حلول لأزمة الإعلام والقنوات الفضائية والارتقاء بعملها.
وكثيرا ما خالفت وسائل الإعلام الجزائرية توجيهات سلطة الضبط السمعي البصري بحثا عن العائدات المالية، ففي مارس الماضي أعلنت السلطة عن شروعها في معاقبة القنوات المخالفة للأحكام القانونية والتنظيمية المتعلقة بالإشهار السمعي البصري، بعد تمادي جلّ القنوات التلفزيونية في بثّ الفواصل الإشهارية، على منوال ما شهده النصف الأول من شهر رمضان.
وأفادت السلطة في بيان لها “قرّرنا الشروع في اتخاذ التدابير العقابية وفرض احترام قوانين الجمهورية قسراً بما يخولها القانون من صلاحيات وسلطة”، وقالت إنّ الخطوة أتت “نظراً لاستمرار جل القنوات التلفزيونية على الحال ذاته، وإصرارها على مخالفة الأحكام”.
وحرصت سلطة ضبط السمعي البصري على التنويه إلى “تركها مهلة واسعة للقنوات تكفي لاتخاذ الترتيبات التجارية والتقنية لتدارك الوضع غير أنّ القنوات ذاتها رجّحت أغراضها الربحية على حساب مصلحة المشاهد”. وعليه، وجّهت سلطة ضبط السمعي البصري استدعاءات عاجلة لجميع ممثلي القنوات المُخالفة لتلقي دفوعها الشفاهية أو الكتابية، في جلسات استجواب خاصة، قبل إصدار قراراتها بشأن كل حالة، طبقاً للإجراءات القانونية والتنظيمية.
وسبق للسلطة أن حذّرت في الرابع عشر من مارس الماضي، بعض القنوات التلفزيونية من التمادي في بثّ الفواصل الإشهارية، وركّزت السلطة حينذاك على أنّ “التمادي في إطالة الفواصل الإشهارية شكّل إضراراً بمصلحة المشاهد، وتجاوزاً للوقت المخصص لبثّ الرسائل الإشهارية”.
وتشوب المشهد الإعلامي في الجزائر الضبابية، رغم تعدّد القنوات التلفزيونية واتساع التناول الإعلامي لمختلف القضايا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ ما زالت وسائل الإعلام العمومية بالأخص في عملية مد وجزر بين تلبية ما يطلبه المواطنون، وبين ما تفرضه عليها السلطة السياسية. ومن حيث الشكل تتنوع الإنتاجات الإعلامية، غير أن المضمون يواجه الكثير من الشكوك والانتقادات، ويراها البعض ناجمة عن بعض الظروف السياسية التي أوجدت مشهدا إعلاميا مضطربا وفوضويا.