منظمة الصحة العالمية: حالة انتحار كل 40 ثانية

نيويورك - قالت منظمة الصحة العالمية إن 800 ألف حالة انتحار تحدث كل عام في جميع أنحاء العالم، أي حالة واحدة كل 40 ثانية، حيث يتعرض الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عاما لمخاطر الانتحار بشكل خاص، الذي يعدّ السبب الثاني لوفاة الشباب في الفئة العمرية من 15 إلى 29 عاما.
جاء ذلك في كُتيب تصدره المنظمة العالمية، بمناسبة اليوم العالمي لمنع الانتحار الموافق للعاشر من سبتمبر، وهو تحديث لكتيب عن دور الإعلام في هذا المجال، أوصت فيه بتقديم “تقارير مسؤولة” عن الانتحار كتدبير وقائي.
وقالت الدكتورة إليساندرا فلايشمان العالمة بإدارة الصحة النفسية بمنظمة الصحة العالمية إن الأدلة تشير إلى زيادة معدلات الانتحار بين اللاجئين، إذ أن المعدل يرتفع عادة في الأوقات التي يضطر فيها الناس إلى الانتقال إلى مناطق مختلفة، وكذلك أثناء الأزمات الاقتصادية.
وأضافت أنه مقابل كل شخص يلقى حتفه نتيجة الانتحار، يوجد 20 شخصا قاموا بمحاولات للانتحار.
وقالت المنظمة إنه مقابل كل حالة انتحار هناك الكثير من الناس الذين يحاولون الانتحار كل عام، وتمثل محاولة الانتحار السابقة أهم عامل خطر لعموم السكان.
الأمراض المزمنة تزيد من دفع الشباب إلى الأفكار الانتحارية بنسبة 28 بالمئة وتخطط للموت بالانتحار بنسبة 134 بالمئة
كما أشارت إلى أن البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل تستأثر بنحو 78 بالمئة من حالات الانتحار في العالم، ويعتبر ابتلاع المبيدات، والشنق والأسلحة النارية من بين الأساليب الأكثر شيوعا للانتحار على مستوى العالم.
ونبّهت إلى أن الانتحار لا يحدث في البلدان ذات الدخل المرتفع فحسب، بل هو ظاهرة عالمية تشهدها جميع دول العالم.
وأشارت المنظمة إلى أنه بالإضافة إلى ذلك، تقترن النزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو الفقدان والشعور بالعزلة بقوة بالسلوك الانتحاري.
وترتفع معدلات الانتحار كذلك بين الفئات المستضعفة التي تعاني من التمييز مثل اللاجئين والمهاجرين؛ والشعوب الأصلية؛ والسحاقيات والمثليين، والمخنثين والمتحولين جنسيا، وثنائيي الجنس؛ والسجناء. وتعتبر محاولة الانتحار السابقة أقوى عامل خطر للانتحار.
وتنجم حوالي 30 بالمئة من حالات الانتحار العالمية عن التسمم الذاتي بالمبيدات، والتي يقع معظمها في المناطق الزراعية الريفية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ويعتبر الشنق والأسلحة النارية من الطرق الأخرى الشائعة للانتحار.
وحذّرت دراسات من إقدام الشباب من المصابين بأمراض مزمنة، خاصة في المرحلة العمرية ما بين 15 و30 عاما، على الانتحار، حيث يعدّون الأكثر عرضة بمعدل ثلاث مرات للإقدام على محاولة الانتحار، مقارنة بأقرانهم من الأصحاء.
ووجدت الدراسة أن الحالات المزمنة – مثل الربو والسكر ومرض كرون تزيد من احتمالات الشباب في الأفكار الانتحارية بنسبة 28 بالمئة وتخطط للموت بالانتحار بنسبة 134 بالمئة. ويؤدي وجود حالة مزمنة إلى زيادة احتمالات محاولة الانتحار بنسبة 363 بالمئة.
كما كشفت دراسة أميركية أن الأشخاص الذين يسعون باستمرار نحو الكمال في ظل اعتقاد دائم بضرورة أن يظلوا مثاليين على الدوام، ولكن لا يتمكنون بفعل ضغوط الحياة، هم الأكثر عرضة للإقدام على الانتحار.
وقال مارتن سميث أستاذ علم النفس في جامعة “واشنطن”، “نحن نميل إلى التفكير في الكمال باعتبار كونه شيئا جيدا، لكن بالنسبة للبعض حتى التميّز لا يعدّ أمرا كافيا وجيدا بالقدر الضروري، فالإصرار على إنجاز المهام دون أن تشوبها شائبة قد لا يكون أمرا صحيا للصحة العقلية”.
وقال الباحثون “لا يمكننا أن نقول إن الكمال هو سبب الانتحار، لكننا نستطيع أن نقول إن الاثنين يرتبطان ارتباطا وثيقا”.
كما أشارت أبحاث حديثة إلى أن الانتحار يعدّ السبب الرئيسي للوفيات بين الحوامل مؤخرا، وقال الدكتور ريتشارد سيلفر، رئيس قسم التوليد وأمراض النساء في جامعة نورث شور هيلث سيستم في شيكاغو “الانتحار يعدّ أحد العوامل المساهمة في وفيات الحوامل جنبا إلى جنب مع النزيف وارتفاع ضغط الدم”، مضيفا “ليس هناك شك في أن الحمل هو الوقت الذي تظهر فيه مشاكل الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق والأفكار الانتحارية”.
وأفادت النتائج أن النساء الحوامل في الآونة الأخيرة يمكن أن يتعرضن للمرض العقلي بسبب التحوّلات في مستويات الهرمونات، كما أنه “يتوقع أن يكون الحمل فترة سعيدة، ولكن في حقيقة الأمر غير ذلك”.
وأوضح الباحثون أن البحث يشير إلى أهمية مراقبة الصحة العقلية لدى النساء أثناء الحمل وبعده، خاصة عندما تعاني النساء من اكتئاب ما بعد الولادة.
وأكدت منظمة الصحة أن الانتحار يعتبر من الأمور التي يمكن الوقاية منها. فهناك عدد من التدابير التي يمكن اتخاذها على مستوى السكان، والسكان الفرعيين والمستويات الفردية لمنع الانتحار ومحاولات الانتحار.
وتشمل هذه الأمور الحدّ من فرص الوصول إلى وسائل الانتحار (مثل مبيدات الآفات والأسلحة النارية وبعض الأدوية)؛ إعداد وسائل الإعلام للتقارير بطريقة مسؤولة؛ تطبيق سياسات الكحول للحد من استخدام الكحول على نحو ضار؛ التشخيص والعلاج والرعاية المبكرة للمصابين باضطرابات نفسية أو الاضطرابات الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان والآلام المزمنة والاضطرابات العاطفية الحادة.
800 ألف حالة انتحار تحدث كل عام في جميع أنحاء العالم أغلبها من الشباب
بالإضافة إلى تدريب العاملين الصحيين غير المتخصصين في تقييم وإدارة السلوك الانتحاري؛ توفير رعاية المتابعة للأشخاص الذين أقدموا على الانتحار وتوفير الدعم المجتمعي لهم.
وتعني وصمة العار التي تحيط بالاضطرابات النفسية والانتحار أن الكثيرين ممن يفكرون في وضع نهاية لحياتهم أو حاولوا الانتحار سيتعذر عليهم طلب المساعدة، وبالتالي لن يحصلوا على المساعدة التي تمس حاجتهم إليها.
كما أن قضية الوقاية من الانتحار لم تعالج بشكل كاف بسبب ضعف الوعي بالانتحار كمشكلة صحة عمومية رئيسية ولكونه من المحظورات في كثير من المجتمعات مما يحول دون مناقشته علنا.
وأشارت المنظمة إلى أنه حتى الآن، لم يقم سوى عدد قليل من البلدان بإدراج الوقاية من الانتحار ضمن أولوياتها الصحية، ولم يذكر سوى 28 بلدا فقط وجود استراتيجية وطنية للوقاية من الانتحار. ومن المهم للبلدان إذكاء الوعي المجتمعي وكسر المحظورات لإحراز تقدم في الوقاية من الانتحار.
ونبهت إلى أنه على الصعيد العالمي، هناك ضعف في إتاحة البيانات الخاصة بالانتحار والإقدام عليه ونوعية هذه البيانات. فلا يوجد سوى 60 دولة فقط من الدول الأعضاء لديها بيانات جيدة عن تسجيل الأحوال المدنية يمكن استخدامها مباشرة لتقدير معدلات الانتحار.
وقالت إن مشكلة ضعف البيانات حول الوفيات لا تقتصر على الانتحار، ولكن نظرا لحساسية الانتحار – وعدم شرعية السلوك الانتحاري في بعض البلدان – فمن المرجح أن يكون ضعف الإبلاغ وسوء التصنيف بالنسبة للانتحار أكبر منه بكثير مع سائر أسباب الوفيات الأخرى.