منطقة اليورو جدار الصدّ الأول أمام زحف شعبويي أوروبا

بروكسل - أكد الرئيس السابق لمجموعة اليورو يورون ديسلبلوم، الذي أشرف على ملف الأزمة اليونانيّة، أن منطقة اليورو ضمانة “استقرار” بوجه تصاعد الأحزاب الشعبويّة في أوروبا.
ويعتبر ديسلبلوم السياسي الهولندي الذي ترأس اجتماعات وزراء المالية لدول منطقة اليورو بين 2013 و2018، أن نجاح الاتحاد النقدي يكمن في قدرته على الصمود بوجه الصدمات الاقتصادية بمتانة أكبر بكثير من الماضي.
ويحتل الحديث عن الشعبوية الاقتصادية في أوروبا اليوم حيزا كبيرا في النقاشات السياسية، حيث تبدو وكأنها وباء ينتشر بسرعة في كل مكان، وليس باستطاعة أحد إيقافه.
ومنذ بداية تصويت البريطانيين للانفصال عن الاتحاد الأوروبي قبل عامين هجم السياسيون الشعبويون الأوروبيون لتقديم حلول تقليدية تتلاعب بعواطف الغاضبين والمهمشين، لكنها لا تأخذ بعين الاعتبار أن عجلات الاقتصاد لا يمكن أن تعود إلى الوراء.
ويعتقد الشق الرافض لهذه السياسة أن طرد المهاجرين، على سبيل المثال، سيؤدي إلى كارثة اقتصادية أكبر بكثير من ثمن استقبالهم، واقتصاد منطقة اليورو لا يستطيع تحمّل حتى تراجع السفر والسياحة، الذي يمكن أن يكون من نتائج السياسات الانعزالية.
ويتضح من خلال الأزمات المالية، التي تعاني منها بعض الدول الأوروبية، أن الأحزاب الأكثر تشكيكا في جدوى الاتحاد الأوروبي كما في إيطاليا، تود رغم كل شيء البقاء ضمن منطقة اليورو.
ويقول ديسلبلوم إن السبب وراء ذلك بسيط للغاية لأن اليورو ومؤسساته تشكل اليوم ضمانة استقرار، في وقت يقدم بعض السياسيين عكس ذلك. وأضاف “هذا ما لمسناه في اليونان، فلقد كان الناس وبصورة محقّة، مستائين للغاية من الانكماش، وألقوا اللوم عن غير حق على أوروبا. لكن حين وردت فكرة خروج يوناني من الاتحاد الأوروبي، أخذ الشعب كما الطبقة السياسية على السواء مسافة وقالوا مهما حصل، نريد البقاء ضمن اليورو”.
وهذا المنطق نفسه ينطبق على ناخبي مارين لوبن زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا أو ناخبي النائب اليميني المتطرف غيرت فيلدرز في هولندا.
وتتمحور أبرز ركائز الشعبويين في سياستهم حول التغييرات المتسارعة في سوق العمل وتطور التكنولوجيا، التي من الصعب مجاراة نسقها، لذا فإنهم يرون أن الدول الأوروبية في حاجة لعقد اجتماعي جديد وطريقة تسيير جديدة وسوق عمل جديدة لاستيعاب ما يحصل.
ويستبعد الكثيرون أن تضع أزمة ديون جديدة محتملة في المستقبل على غرار أزمة اليونان، التي عانت أوروبا كثيرا للخروج منها، حدا للاتحاد النقدي.
ويعتقد المسؤول الهولندي أنه لن تتكرر أي أزمة من هذا النوع، وبمثل هذا الحجم وهذه الوطأة. فهي نشأت بالأساس من فورة قروض غير مسؤولة إلى حد لا يمكن تصوره. والعديد من هذه القروض التي منحت بسهولة كبيرة، لم يتم استثمارها، بل جرى استهلاكها أو استخدامها لزيادة حجم الفورة العقارية.
وقال إن “كل ذلك جاء بعد إزالة الضوابط عن القطاع المصرفي، ما كان أسوأ خطأ ارتُكب. منطقة اليورو الآن أكثر استعدادا بكثير، مع امتلاكها تنظيمات أفضل ومؤسسات أفضل وأموالا يمكننا استخدامها عند اندلاع أزمة”.
وأضاف “إننا فعلا في وضع مختلف تماما. خرجت منطقة اليورو ببطء من الأزمة، لكنها منذ ذلك الحين صححت أوضاعها بشكل كبير. الأزمة المقبلة ستأتي على الأرجح من الولايات المتحدة مرّة جديدة، أو من الصين. كل ما يمكننا القيام به هو أن نستعدّ بأفضل ما أمكن. ما زال يترتب علينا العمل على ذلك”.
وتعتبر منطقة اليورو ثاني أكبر قوة اقتصادية بعد الولايات المتحدة، ولو كانت دولة واحدة متحدة لكانت أكبر اقتصاد في العالم.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن معدل الفائدة في منطقة اليورو أعلى من الفائدة الأميركية وذلك بعد عدة تخفيضات قام بها البنك المركزي الأوروبي لتفادي الركود والأزمة المالية في عام 2008.
ويأخذ البعض على منطقة اليورو افتقارها إلى الشفافية في قراراتها، لكن ديسلبلوم يرى أنه من خلال ما حصل في السنوات العشر الماضية يتبين أن منطقة اليورو هي من هيئات القرار الأكثر فاعليّة في الاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن الوزراء يتخذون قراراتهم بالإجماع، من دون الاضطرار أبدا للتصويت والشرعية الديمقراطية مستمدّة من البرلمانات المحلية في الدول الأوروبية. ومن الممكن تطوير الرابط مع البرلمان الأوروبي بشكل أكبر.
ولكنه في المقابل، يرى أنه ينبغي في المستقبل الحرص على تفادي نوع التدابير، التي تتقرّر داخل منطقة اليورو في سياق برامج المساعدة لدولة ما، مثل الإصلاحات القاسية التي طُلبت من اليونان لقاء الدعم الأوروبي، والتي تكون أحيانا شديدة التدخّل في شؤون الدولة.