منصة المسرح الجزائري الافتراضية تناقش إشكالية الحداثة

أغلقت أزمة انتشار فايروس كورونا المستجد المسارح وفضاءات النقاش حوله، لذا جاءت الفضاءات الرقمية كبدائل لتداول الأعمال المسرحية أو النقاشات حولها، وهذه الحلقات عرفت إقبالا هاما من الفاعلين المسرحيين ومن المتابعين، وهو ما تؤكده الحلقات التي يقدّمها منتدى المسرح الوطني الجزائري.
الجزائر – ناقش جمهور الفن الرابع، في عدد جديد من منتدى المسرح الوطني، محيي الدين بشطارزي، مسألة الحداثة المسرحية، عبر مجموعة من الأسئلة التي طرحت من خلال المنصة التفاعلية، على الدكتور مصطفى رمضاني، أستاذ النقد المسرحي بجامعة محمد الأول بوجدة المغربية.
بدأ رمضاني مداخلته بأسئلة حول ماهية الموقف الحداثي، ووجود وصفة جاهزة للعرض المسرحي الحداثي، يمكن تطبيقها، ومدى ارتباط الحداثة بالمضامين والأشكال، قبل أن يجيب بأن المضامين عبارة عن نصوص مطروحة في الطريق، وهي معطى متداول ومتغيّر يأخذ بعده الخاص، انطلاقا من الأدوات التي يوظفها المبدع.
وهذه الأدوات بحسب رمضاني، هي التي تشكّل صيغة الإبداع. فإذا ما توافرت لها شروط التفرّد والأصالة والمغايرة واختراق الممكن والانفصام عن النمطية، فإنها ستدخل باب الحداثة من الباب الواسع. وهذا يفيد من جهة أنه لا مجال لطرح مسألة علاقة الشكل بالمضمون في الخطابات الحداثية، لأن الأساس هو ضرورة ربط آليات الإبداع بالمجتمع استنادا إلى قاعدة التأثر والتأثير، مع التأكيد المسبق على جعل “أنا المبدع” هي المحرّك الأساسي والمشكل الأول لتلك الآليات حتى تحقق صفة الخصوصية والتميّز.
وانطلاقا من ذلك، رأى رمضاني أن الحداثة المسرحية “ليست حداثة مضامين أو أشكال، بقدر ما هي حداثة رؤية للعالم بالمعنى الذي يحدده غولدمان”. وهي التي تراعي ما نسمّيه “فرادة التصوّر” ضمن بنيته الكلية الداخلية متناغمة العناصر. فكما أن المضامين لا تحدد سلفا لتكون تقليدية أو حديثة، فكذلك الأشكال، وإلا فما المعيار الذي نستند إليه في هذه الأحكام، إذ أن كل حكم يبقى موقفا ذاتيا تتحكم فيه مجموعة من الأسباب أو المواقف الخاصة خارج سياق العمل المسرحي.
الحداثة المسرحية ليست حداثة مضامين أو أشكال، بقدر ما هي حداثة رؤية للعالم كما يحددها غولدمان
وأضاف رمضاني قوله إن الحداثة إذا كانت دعوة إلى رفض النمطية والنموذج، فكيف نفسر هذه المواقف التي تعدّ الحداثة حداثة أشكال، وما هو الشكل خارج سياق معيّن ومضمون معيّن كذلك، وهل الأشكال سوى إطار لمضامين تعطيها صبغتها الشكلية داخل سياق ما، وما الخطاب إلا ذلك التوحّد البنيوي بينهما حتى لا نكاد نفرّق بين قوة تأثير كل منهما، وأيّهما الفاعل والمؤثر في الآخر؟
علاقة الشكل بالمضمون، بحسب رمضاني، لم تعُد قضية خطاب الحداثة بالأساس، لأن ما يميّز كل خطاب إبداعي أو نقدي، هو أصالة وجهة نظر صاحبها وتميّز أسلوبه؛ و”الأسلوب هو الرجل نفسه”، به نتعرّف على شخصية الكاتب ونميّزه عن غيره، ونكتشف حداثته من عدمها.
وتابع رمضاني قوله “هذه المسألة أحد الموضوعات النقدية التي باشرها نقدنا العربي منذ مراحله التأسيسية، وقد أفاض فيه القول أغلب نقادنا القدامى، من أمثال الجاحظ وابن قتيبة والجرجاني والحاتمي وغيرهم ممن اعتبروا بناء العمل في صيغته الكلية ورؤية الكاتب، هو ما يستند إليه في مثل هذه الأمور التي تندرج أساسا في ما نسمّيه “شعرية العمل الفني”.
وهو ما أكده، كما يقول، النقاد المحدثون في الشرق والغرب، وعلى رأسهم شيخ البنيوية فرديناند دو سوسور حينما صرّح بأن الموضوع ليس هو من يخلق النص، ولكن وجهة النظر هي التي تخلقه.
وختم مصطفى رمضاني حديثه بقوله “اليوم ونحن ننظر إلى العمل المسرحي، ينبغي البحث عن مظاهر التفرّد فيه وعبقرية الابتداع والإضافة، لأن ذلك هو السبيل إلى خلخلة الثابت والنمطي والمبتذل. وهذا أمر لا يتأتى إلا بالاجتهاد والموهبة. وهما مدخل أساسي لتحقيق شعرية الكتابة. وحين تتحقق تلك الشعرية، يمكن الحديث من ثمّ عن الحداثة”.