منصة الخطاب البديل.. وصفة تونسية تحارب الإرهاب والتطرف على الإنترنت

تدرك الحكومة التونسية كما المجتمع المدني أن تحجيم نشاط الجماعات المتشددة لا يعني أبدا أن خطرها قد زال إذ يعتبر التصدي للإرهاب حربا مفتوحة على جميع الأصعدة وعلى الجميع من مختلف المواقع الانخراط فيها وهو الدافع من وراء إعلان الحكومة التونسية عن منصة الخطاب البديل التي تهدف إلى مكافحة خطاب التطرف الذي استطاعت التنظيمات الإرهابية أن تستقطب من خلاله الكثيرين ولاسيما من فئة الشباب.
منصة الخطاب البديل لمحاربة الإرهاب والتطرف أرادها القائمون عليها وسيلة تحاكي التطور التقني للعصر الحالي لتكون الجسر الذي يوصلها إلى الفئات الاجتماعية التي قد تبدي هشاشة وضعفا في مواجهة الأساليب التواصلية المستخدمة من قبل المتشددين لكسب متعاطفين محتملين معها والانتقال بهم إلى مرحلة أخرى تتجاوز مجرد التعاطف السلبي نحو التجنيد وتبني نفس المخططات التخريبية المتسقة مع أجندة الإرهاب.
لم يكن انهيار حلم “دولة الخلافة”، الذي لطالما كان خطاب جذب اعتمده تنظيم الدولة الإسلامية لتجنيد الآلاف من المقاتلين من دول عديدة، التطور الميداني الذي أوهم الحكومات بأن خطر داعش قد انتهى.
وعلى العكس صاحب الاحتفاء بهزيمة التنظيم المتطرف في سوريا والعراق الكثير من التقارير الاستخباراتية التي تؤكد أن فكر داعش لم ينته وأن تأثيره متواصل سواء لدى من أسرتهم قوات سوريا الديمقراطية بعد خروجهم من الباغوز التي كانت آخر جيب سيطر عليه تنظيم داعش أو لدى خلاياه في بلدان أخرى أو من لم تكن تربطهم صلة مباشرة بالتنظيم.
الحكومة التونسية من بين حكومات عدة تدرك جيدا أن خطر هذه التنظيمات لا يزال قائما وهو ما ظهر في تصريح رئيس الحكومة يوسف الشاهد مساء الاثنين حيث قال إن “مقاومة التطرف والإرهاب من أبرز التحديات التي تواجهها تونس اليوم”.
وانطلاقا من هذه القناعة، كان الإعلان عن منصة الخطاب البديل التي بدأت الحكومة في العمل عليها منذ العام 2016 بهدف تكريس خطاب الاعتدال والديمقراطية والتعايش حيث أكد الشاهد أن هذه المنصة واحدة من الآليات التي تعتمدها الحكومة في إطار تنفيذ استراتيجية مكافحة الإرهاب عن طريق توظيف التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة من أجل تكريس ثقافة الحوار والتسامح والتنوع وقبول الآخر.
المنصة واحدة من الآليات التي تعتمدها الحكومة في إطار تنفيذ استراتيجية مكافحة الإرهاب عن طريق توظيف التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة من أجل تكريس ثقافة الحوار والتسامح والتنوع وقبول الآخر.
بما تحمل تسميتها من دلالات، حاولت منصة الخطاب البديل إنتاج مضامين إعلامية مبتكرة تخاطب بها وعي الشباب التونسي، فنشرت صفحات رسمية بمواقع التواصل الاجتماعي تابعة للحكومة قصصا مصورة تبرز كيفية انتشار خطاب العنف والكراهية داخل المجتمع وأساليب المتطرفين في استقطاب المتعاطفين معهم.
قال محمد الفاضل محفوظ، وزير حقوق الإنسان والعلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني محمد الفاضل محفوظ، إن منصة الخطاب البديل تؤسس لخطاب جديد يعتمد ثقافة حقوق الإنسان، إلى جانب أنها “ستمكن الشباب التونسي من أن يكون له خطاب آخر غير الخطاب الذي يحاول استقطابه لبؤر التوتر وغير الخطاب الذي يعمق الأفكار الهدامة والأفكار التي تزيد من الإحباط”.
يعتمد هذا التمشي الجديد على وضع استراتيجية تهدف إلى كسر توظيف الجماعات المتطرفة للفضاء الافتراضي والتحكم فيه واستعماله لخدمة أهدافها والترويج لخطابها العنيف وتضخيم صورتها، ويقول محفوظ إنه من خلال عدم فسح المجال للمتطرفين بالتحكم في الفضاء الافتراضي “يصبح الخطاب البديل آلية تفاعلية تكرس الممارسة الديمقراطية بالاعتماد على استراتيجيات اتصالية لإنتاج مضامين تسمح بالتأثير على مستخدمي الإنترنت، خاصة من فئة الشباب”.
في سياق تنفيذ هذه المنصة وإطلاقها أبدت الحكومة التونسية انفتاحا على كل المبادرات التي تعاضد جهود محاربة الإرهاب والتطرف بكل أنواعه، منها الدخول في شراكات مع مكونات من المجتمع المدني ووسائل الإعلام التقليدية بهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين من هذه الآلية الجديدة. والهدف هنا واضح فالمجتمع المدني يمتلك من الموارد والأساليب ما يجعله قادرا على “النفاذ إلى المجتمعات المحلية وتأطير المواطنين ورفع الوعي لديهم بالأخطار والتهديدات الناجمة عن الإرهاب والتطرف” مثلما قدر رئيس الحكومة.
خلال السنوات الثماني الماضية، استطاع المجتمع المدني لعب دور حيوي داخل الأحياء الشعبية والمدن والمناطق الداخلية باستقطاب فئات وطبقات اجتماعية لم تجد في برامج الدولة ما يعبر عنها حيث دفعت هؤلاء المهمشين إلى الانخراط في مبادرات مجتمعية تخرجهم من دائرة الشعور بالعبثية واللامبالاة وانسداد الأفق أمامهم. هذه الحقائق كانت من بين المعطيات التي جعلت منصة الخطاب البديل تكرس البعد الاجتماعي في مكافحة التطرف من بين مقاربات أخرى عديدة ومتنوعة اعتمدتها لتحقيق أهدافها.