منصات لنا ومنصات علينا: كيف يستفيد الإسرائيليون ويتضرر الفلسطينيون

تقلص عدد التقارير المستقلة يُسبب فجوة هائلة في المعلومات والإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان.
السبت 2025/01/11
حقوق الإنسان أهداف للمراقبة الرقمية

غزة - تدافع ديما سارو عن الحريات الرقمية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بصفتها مديرة سكاي لاين الدولية لحقوق الإنسان، التي رصدت كما العديد من المنظمات الإنسانية كيف أصبحت المنصات الرقمية مفتاحا لتشكيل الروايات حول الفلسطينيين. وغالبا ما تُضخّم الرواية الإسرائيلية مقابل الإسكات المنهجي للأصوات الفلسطينية.

وتضيف في تقرير نشرته خدمة إنتر برس أن منصات مثل ميتا وتيك توك وإكس تواصل محو المحتوى الفلسطيني بتعلّة "انتهاكات سياسة" غامضة. وزاد هذا الاتجاه منذ أكتوبر 2023، حيث أصدرت وحدة حماية السايبر في الحكومة الإسرائيلية أكثر من 9500 طلب إزالة للمحتوى الرقمي، ولاقت الموافقة على 94 في المئة منها.

ومكّنت هذه الإجراءات من إزالة المنشورات، واعتماد ما يعرف باسم حظر الظل وهو شكل من أشكال الرقابة التي تحد من ظهور المحتوى المؤيد للفلسطينيين لمتابعي المستخدم دون إخطاره، وتعليق الحسابات. كما سُلّطت الرقابة على الهاشتاغات مثل تلك الداعية إلى تحرير فلسطين.

وسارو هي عضو في مجلس إدارة شبكة الابتكار للتغيير - الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن منظمة سيفيكوس المكرسة لتعزيز عمل المواطنين داخل المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم. كما أنها متطوعة في مسارات الصمود، التي تساعد منظمات المجتمع المدني الفلسطينية على نشر قصتها في خضم الجهود الإسرائيلية للتلاعب بالرأي العام ومنع التمويل وتقييد الحيز المدني.

وبحسب التقرير، يعني التحيز الخوارزمي تهميش الروايات الفلسطينية. ويُذكر على سبيل المثال أن ترجمة العبارة العربية ”الحمد لله” إلى جانب العلم الفلسطيني على إنستغرام خلال مرحلة ما تظهر جملة “الإرهابيون الفلسطينيون يقاتلون من أجل حريتهم.” أما على واتساب فقد ولّدت الصور التي أنشأها الذكاء الاصطناعي مشاهد عسكرية عند طلب رسوم “فلسطينية”. ولكن اختلفت استجابة لمصطلحات مثل “فتى إسرائيلي” أو “الجيش الإسرائيلي”. وغالبا ما تُصنّف هذه الحوادث على أنها أخطاء من التكنولوجيا، لكنها تكشف عن تحيز منهجي.

◙ سياسات كالتي تعتمدها ميتا بخصوص “المنظمات والأفراد الخطرين” تتأثر بتصنيفات الولايات المتحدة للإرهاب. وتضيّق الخناق على الخطاب الفلسطيني

وتتأثر سياسات مثل التي تعتمدها ميتا بخصوص “المنظمات والأفراد الخطرين” بتصنيفات الولايات المتحدة للإرهاب. وتضيّق بذلك الخناق على الخطاب الفلسطيني عبر حظر التعبير عن “الثناء” أو “الدعم” للحركات السياسية الكبرى. وفي نفس الوقت غالبا ما يمر خطاب الكراهية الذي يستهدف الفلسطينيين (بما في ذلك المنشورات التي تحتفل بالعنف أو تدعو إلى تدمير غزة) دون رقابة. كما يُسمح بعرض الإعلانات التي تحرض على العنف ضد الفلسطينيين، بينما توضع علامة على مصطلحات مثل “صهيوني” باعتبارها تعكس خطاب كراهية. ويُسكت هذا التمييز الأصوات الفلسطينية بينما يتيح الدعاية التي تبرر العقاب الجماعي وتُمكّن تواصل الفظائع دون مساءلة.

ويتجاوز تواطؤ المنصات الرقابة. وذكرت مجلة +972 خلال شهر أبريل أن منصة واتساب، التي تنتمي إلى شركة ميتا، لعبت دورا في دعم أداة الذكاء الاصطناعي الإسرائيلية لافندر، التي ارتبطت بقتل المدنيين في غزة. وتشير هذه الاكتشافات المزعجة إلى تواطؤ الشركات مباشرة في انتهاكات القانون الدولي.

وتعمل منظمات المجتمع المدني الفلسطينية تحت ضغط هائل. وتواجه الاعتقالات التعسفية وحظر السفر وخفض التمويل والعنف. وأضافت إسرائيل ست جماعات حقوقية فلسطينية بارزة إلى لائحة المنظمات الإرهابية في أكتوبر 2021. وكانت هذه الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة سببا في سلب الشرعية من عمل هذه الجمعيات، وتأجيج حملات التشهير وتمكين المضايقة، وغير ذلك من القيود المفروضة على أنشطتها.

كما أصبح العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان أهدافا للمراقبة الرقمية. واعتُمد برنامج التجسس بيغاسوس، الذي طورته شركة “إن. إس. أو” الإسرائيلية، لاختراق أجهزة النشطاء الفلسطينيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. ويعرّض سلامتهم وأنشطتهم للخطر. وقد أدانت منظمات مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش هذه المراقبة على نطاق واسع.

وتتجاوز الحملة القمعية التي تستهدف المجتمع المدني الفلسطيني في حقيقة الأمر التكتيكات الرقمية. ويتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان للمضايقة والاحتجاز التعسفي والاعتداء الجسدي. وساء الوضع في غزة بعد أكتوبر 2023. ووقع الكثير من العاملين في مجال المجتمع المدني ضحايا للهجمات المميتة، أو أصيبوا، أو احتجزوا. ونزح العديد منهم بسبب القصف المستمر. وأعاق الدمار الذي شهدته البنية التحتية عملهم.

كما يطال العنف الصحافيين. وأصبحت غزة من أكثر الأماكن دموية في العالم بالنسبة إلى الصحافيين، حيث قُتل 195 إعلاميا حتى الآن. واستُهدف الكثير منهم عمدا أثناء عملهم وتغطيتهم للأحداث. ويُسبب تقلص عدد التقارير المستقلة فجوة هائلة في المعلومات. ويتراجع الإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان، ويمكن بذلك أن تتواصل دون رادع.

وتفاقم الوضع بسبب مانحين دوليين، مثل ألمانيا والسويد وسويسرا، فهم الذين علّقوا التمويل بسبب مزاعم إرهاب لا أساس لها من الصحة. كما يوصم الاتحاد الأوروبي منظمات المجتمع المدني الفلسطينية بإضافته بنود “مكافحة التحريض” إلى عقودها حصرا وإجبارها على إثبات حيادها. ويحد هذا من قدرتها على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان دون المخاطرة بسلامتها.

وقالت منظمة سيفيكوس إنها تعمل في تقاطع التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وحقوق الإنسان في فلسطين والمنطقة كلها. وتتّبع وترصد وتوثق انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الدول والشركات، وخاصة في المجال الرقمي. ويشمل عملها تتبع المراقبة الرقمية، وتحليل الآثار الأخلاقية التي تخلفها أدوات الذكاء الاصطناعي في حالات النزاع، والدعوة إلى حماية الحقوق الأساسية في المجال الرقمي مثل حرية التعبير والوصول إلى المعلومات والحق في الخصوصية.

◙ دعم عمل المجتمع المدني الفلسطيني يبقى أمرا بالغ الأهمية لتوثيق الانتهاكات والدعوة إلى تحقيق العدالة ويجب أن يتجاوز هذا الدعم التعبير عن التضامن

وتقوم بدعم نشطاء المجتمع المدني والصحافيين في فلسطين عبر مواجهة الرقابة على الإنترنت والتحيز الرقمي. وتتعاون مع المدافعين عن حقوق الإنسان لتوثيق حالات الإفراط في تطبيق السياسات، وإزالة المحتوى، وتعليق الحسابات، والتحيز الخوارزمي الذي تمارسه منصات التواصل الاجتماعي، وتدقيق الاستخدام غير القانوني لبرامج التجسس والتقنيات الجديدة لاستهداف العاملين في وسائل الإعلام.

كما تدين استخدام إسرائيل للأدوات الرقمية لاستهداف الصحافيين في غزة ولبنان. وتهدف إلى لفت الانتباه الوطني والدولي إلى هذه الانتهاكات والدعوة إلى حماية الصحافة والحريات على الإنترنت، وضمان أن يتمكن الصحافيون من ممارسة عملهم دون خوف من الانتقام.

وتعمل على محاسبة شركات التكنولوجيا على تأثيرها في حقوق الإنسان. فقد وجهت في سبتمبر الماضي رسالة مفتوحة إلى بورصة بينانس الرائدة للعملات المشفرة. وتحدثت عن مخاوف جدية بشأن أخبارالتجميد الجماعي لمحافظ العملات المشفرة الفلسطينية بناء على طلب إسرائيل. وتُفاقم هذه الإجراءات الحصار الاقتصادي والمالي المفروض على غزة، وتصعّب الوصول إلى الموارد الأساسية مثل المياه والغذاء والإمدادات الطبية.

وطالبت بالشفافية في ما يتعلق بالمعايير المستخدمة لتحديد الحسابات التي يتقرر تجميدها واتخاذ إجراءات فورية للتخفيف من التأثير الإنساني على المستخدمين الفلسطينيين. واستجابت بينانس للرسالة، لكنها لم تقدم تفسيرا واضحا أو تتخذ أي إجراء. ويبقى دعم عمل المجتمع المدني الفلسطيني أمرا بالغ الأهمية لتوثيق الانتهاكات والدعوة إلى تحقيق العدالة. ويجب أن يتجاوز هذا الدعم التعبير عن التضامن أو المحبة.

وتقول المنظمة: يجب أن يتجاوز المجتمع الدولي الخطابات الفارغة وأن يتخذ إجراءات ملموسة. كما يجب أن تتجاوز تحركاته تقديم المساعدات المالية. وأن يمارس ضغوطا سياسية على إسرائيل لإنهاء احتلالها واحترام حقوق الإنسان في فلسطين. ويشمل ذلك حماية النشطاء، ومحاربة محاولات إسرائيل المستمرة لتجريم وإسكات عملهم، ومحاسبة الذين يستفيدون من الإبادة الجماعية المستمرة. ويعني هذا وقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل ومحاسبة منصات التكنولوجيا على تواطؤها في قمع الأصوات الفلسطينية وتضخيم خطاب الكراهية وتسهيل المراقبة والقمع الإسرائيليين.

5