منصات التواصل الاجتماعي تهزم الإعلام المصري في تغطية الأحداث الكبرى

ردة فعل الجيش على جريمة أحد عناصره تعزز الثقة في جهازه القضائي.
الخميس 2023/07/06
ثقة الجمهور أولوية

أرجع مصريون التحرك السريع للمؤسستين العسكرية والشرطية ضد ضابط متهم بالقتل إلى تحويل منصات التواصل للحادث من واقعة مسكوت عنها إعلاميا إلى قضية رأي عام تستوجب التحقيق والعدالة.

القاهرة - حققت منصات التواصل الاجتماعي في مصر انتصارا جديدا على حساب الإعلام التقليدي بعد المحاكمة العسكرية العاجلة لضابط متهم بقتل سيدة والشروع في قتل زوجها وأطفالها، داخل حي سكني راق في شمال القاهرة، جعلت منها الشبكات الاجتماعية قضية رأي عام استدعت تحركا سريعا من الجيش المصري.

وأكد المتحدث العسكري المصري أن الضابط سيحاكم على وجه السرعة، بتهمة القتل العمد، وتمت إحالته إلى الجنايات العسكرية، وهو التحرك الذي حمل إشادة واسعة من متصفحي المنصات تجاه مؤسسة الجيش، وجلب المزيد من القوة والنفوذ والتأثير المضاعف لشبكات التواصل التي بادرت بالتحقيق في الواقعة.

وتقمصت بعض الصفحات في مصر دور الصحافة الاستقصائية، وناقشت قضية قيام ضابط طبيب برتبة نقيب بقتل صيدلية أمام زوجها وأطفالها عبر دهسها بالسيارة أكثر من مرة، لمجرد أن ابنها الصغير قام بخدش سيارته أثناء اللعب أمام مسكنه، في وقت صمت فيه الإعلام التقليدي تماما ورفض التطرق إلى الواقعة.

واكتفت الصحف والقنوات الرسمية في البداية بنشر رواية مقتضبة عن الواقعة غير دقيقة وذكرت أن الدهس كان بسبب السرعة الزائدة، وعندما أصدر المتحدث العسكري بيانا تفاعلت معه جميع الصحف الصادرة الأربعاء. لكن صفحة “صحيح مصر” أقدمت بجرأة على التحقيق في الحادث من جوانب مختلفة، وأجرت حوارات صحفية مهمة مع زوج الضحية والمحامي وشهود عيان، وقامت بنشر فيديوهات للواقعة تناقلتها مواقع عديدة.

وذهب كل من يرغب في معرفة الحقيقة إلى الصفحات التي تتناول الحادث بوقائع واعترافات وتصريحات موثقة من أطرافها أمام صمت وسائل الإعلام التقليدية التي تعرضت لانتقادات حادة من متصفحي شبكات التواصل، لأنها ترفض الحديث عن الواقعة ولا تريد أن تقدم للجمهور معلومات عن الحادث يبحث عنها.

محمد شومان: قوة الشبكات الاجتماعية في مصر منطقية أمام سيطرة الرواية الرسمية على الإعلام
محمد شومان: قوة الشبكات الاجتماعية في مصر منطقية أمام سيطرة الرواية الرسمية على الإعلام

ورغم إعلان المتحدث العسكري وجود إدانة مبدئية للضابط وإحالته على المحاكمة اكتفى الإعلام التقليدي بالرواية الرسمية ولم يخرج عنها خشية الخروج عن النص أو توريط نفسه مع دوائر داخل السلطة، في حين استمرت صفحات على المنصات في نشر تفاصيل متتابعة والتحدث إلى قانونيين حول العقوبة المنتظرة للضابط.

وأظهرت بعض الحملات الأخيرة التي انتصرت فيها شبكات التواصل وأحدثت ردود فعل قوية وأفضت إلى تحركات رسمية أن بعضها لم يعد مجرد فضاء إلكتروني للفضفضة، بل نجح بكفاءة في انتزاع ألقاب، مثل حزب المعارضة أو حزب المظلومين بعدما أصبحت الأكثر متابعة مقابل تهاوي صورة الإعلام التقليدي.

ويرى مراقبون أن صعود نجم منصات التواصل ونجاحها في استصدار قرارات رسمية تقضي بمحاسبة مذنبين يضيفان إليها أعباء، بينما ابتعد الإعلام التقليدي كثيرا عن نبض الشارع، ولا يعني فتحُ عدة جهات تحقيقات في قضايا أثارتها مواقع التواصل أنها تستجيب للضغوط بقدر ما يرتبط الأمر بأن هذه المؤسسات تستهدف تحقيق العدالة.

وما يلفت الانتباه أن أغلب المتفاعلين والمتابعين للصفحات الأكثر تأثيرا وتقصيا للحقيقة من الصحافيين والعاملين في البرامج التلفزيونية، بحيث يكونون على مقربة مما يتم نشره من معلومات ويطلعون على كل جديد في قضية يصعب على صحفهم أو برامجهم التطرق إليها أو تناولها، لكنهم يحصلون على ما يريدونه من معلومات.

واكتسبت منصات التواصل قوة وتأثيرا وفاعلية في مناقشة القضايا المحظورة في الإعلام التقليدي بتحول الكثير من الصحافيين إليها ليكتبوا بأريحية، ما ضاعف قوة ضغط الشبكات وجعل روادها أكثر تأثيرا على المسؤولين من البرلمان والمعارضة وبشكل يدفع الحكومة إلى الانصياع لمطالبهم.

كما أن الكثير من الصحافيين المحكومين في مؤسساتهم بسياسة تحريرية ترفض التطرق إلى القضايا الجدلية والأحداث الكبرى جعلوا من صفحاتهم الشخصية على منصات التواصل منبرا ينفذون منه إلى الناس لدرجة أن بعضهم أصبح مؤثرا لدى المسؤول أكثر من الجريدة التي يعمل بها، وبات المتابعون لهم يحصلون على المعلومة من خلالهم دون الحاجة إلى تصفح جريدة أو موقع إلكتروني.

وقال الخبير الإعلامي محمد شومان إن قوة الشبكات الاجتماعية في مصر منطقية أمام سيطرة الرواية الرسمية على الإعلام وتحول الكثير من المنابر إلى ناقل عن المؤسسات العمومية، وباتت أغلب الصحف والبرامج تبني موضوعاتها وفق ما يثار على منصات التواصل، وليس العكس، وهذا يضعف الإعلام التقليدي ويضاعف أزماته.

ويفسر هذا الواقع لأي درجة أصبحت المنابر في مصر بعيدة عن ملامسة احتياجات ورغبات وطموحات الجمهور على مستوى المعلومة والتحقق والتدقيق والتحليل، ولم يعد أمام الكثير من الناس سوى إعلام مواقع التواصل الذي يبني سياسته وفقا لتطلعات المتابعين، حتى تحول إلى منظومة تنافس المؤسسات الصحفية والتلفزيونية.

وأكد شومان لـ”العرب” أن “أهم ما يميز الإعلام غير التقليدي أنه يصنع لنفسه السياسة التحريرية، ولا أحد يتدخل في ما يتم بثه ونشره للجمهور، وهو ما يصعب تحقيقه في الإعلام التقليدي الذي يخضع لقائمة معايير طويلة من المحاذير تكبله وتضعف سياسته التحريرية، فيظهر بعيدا عن القضايا الشائكة التي تتطلب الاشتباك معها سريعا”.

◙ صفحات تقمصت دور الصحافة الاستقصائية، وناقشت قضية قيام ضابط طبيب برتبة نقيب بقتل صيدلية

وتظل أزمة الإعلام بمصر في استمرار خضوعه لتوجهات فوقية وتحكمه قائمة من الإرشادات أثرت على مهنيته ومصداقيته وتركت خلفها تداعيات سلبية على مستوى جماهيريته ونفوذه، بينما يستثمر إعلام المنصات التحرر الكبير وضعف نظيره الرسمي حتى أصبح علامة في توجهات الرأي العام، ولم يعد الأمر مجرد تسلية أو فضفضة افتراضية، بل منصة لمنشورات وبحوث معمقة تكشف الكثير من الحقائق الغائبة.

وتتعاظم خطورة مواقع التواصل الخارجة عن السيطرة عندما يكون هناك حجب للمعلومات وتضييق على التحليل والتفسير والتقصي في المنابر التقليدية، وهنا يلجأ الناس إلى الوسيلة التي نجحت في ملء الفراغ، والمشكلة أن تستمر وسائل الإعلام خاضعة لأجندات بعينها في عصر التكنولوجيا، لأن ذلك يجعلها عاجزة عن المنافسة.

ورغم مخاطر تهاوي صورة الإعلام التقليدي تظل القوة الصاعدة للشبكات الاجتماعية في مصر ذات مزايا، ترتبط بأنها صارت تدفع الهيئات الحكومية إلى التعامل بردة فعل سريعة لشرح الحقيقة أمام الناس لإدراكها خطورة التراخي في مجاراة ما يحدث على الفضاء الإلكتروني، وبعد أن كانت الروايات الرسمية تتأخر لبضعة أيام في ظل صمت الإعلام الرسمي، بات التحرك لا يستغرق ساعات.

ووسط هذا المشهد الإعلامي الذي يتشكل بوتيرة متسارعة أصبح لزاما على المنابر التقليدية أن تكيف نفسها مع المستجدات بحيث تركز على احتياجات الجمهور وليس متطلبات الأجندة التي تريدها الحكومة أو المالك الذي يرسم سياستها التحريرية، وتكون لديها قدرة على تفسير وتحليل ومناقشة القضايا والقيام بمجهود تحليلي واستقصائي لا تستطيع منصات التواصل تقديمه، لكن ذلك يرتبط بالمزيد من الحرية.

5