منح السودان الحصانة السيادية لا يلغي ملاحقته قضائيا

خطوة الكونغرس تفتح الباب أمام التطبيع الرسمي بين الخرطوم وتل أبيب.
الأربعاء 2020/12/23
إدارة ترامب للسودان: قمنا بما يجب وحان دوركم

استعادة السودان للحصانة السيادية يعتبر خطوة مهمة بعد قرار شطبه من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب. ويشكل قرار الكونغرس حافزا لإنجاح الفترة الانتقالية التي شهدت عديد الهزّات في الفترة الماضية.

الخرطوم - وافق الكونغرس الأميركي، مساء الاثنين، على تشريع استعاد بموجبه السودان الحصانة السيادية التي فقدها عقب إدراجه على قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما يعني منع ملاحقة الحكومة قضائيا من قبل أفراد أميركيين.

وجاءت الحصانة منقوصة بعض الشيء، حيث تضمن التشريع بندا يمنح ضحايا هجمات 11 سبتمبر وعائلاتهم “حق رفع دعاوى قضائية أو استكمال أخرى تتعلق بدور مفترض للسودان للهجمات بسبب استضافته قياديين في تنظيم القاعدة”.

وحصل السودان على هذه الحصانة بعد مناقشات طويلة مع الإدارة الأميركية، وقام بدفع تعويضات بقيمة 335 مليون دولار لأسر ضحايا المدمرة “يو إس كول” وتفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في كل من كينيا وتنزانيا، وهو ما سهّل عملية رفع اسمه من لائحة الإرهاب في 14 ديسمبر.

وأثبتت التحقيقات ضلوع أجانب يحملون جوازات سفر سودانية في تفجيرات السفارتين والمدمرة، لكن لم تتوافر أدلة أميركية قاطعة تؤكد وجود صلة مباشرة للسودان بتفجيرات 11 سبتمبر 2001.

حاتم إلياس: الحصانة ستترتب عنها نتائج ملموسة على المستوى الاقتصادي
حاتم إلياس: الحصانة ستترتب عنها نتائج ملموسة على المستوى الاقتصادي

وقاد السيناتور تشاك شومر فريقا يتشكل من محامين وسياسيين وأسر ضحايا لربط رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب بإصدار قانون يضمن حصول عائلات ضحايا 11 سبتمبر على التعويضات اللازمة من الخرطوم إذا حكم القضاء بذلك.

ورفض محامو أسر الضحايا عرضا بقيمة 700 مليون دولار، وطالبوا بـ4 مليارات دولار، مقابل الموافقة على منح السودان الحصانة القانونية المطلوبة، ما جعل التفاهمات تتعقد، وأجبر الإدارة الأميركية على التدخل لعبور هذه النقطة.

وتشير التطورات الإيجابية إلى أن العلاقات بين واشنطن والخرطوم تسير بوتيرة جيدة، وقد تشهد انفراجات على مستويات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية، وتعيد تصحيح أوضاع اختلت طوال نحو 27 عاما.

وأوفت الإدارة الأميركية بوعودها للسودان، بدءا من رفع اسمه من لائحة الإرهاب، وحتى توفير الحصانة (جزئيا)، ما يعني أن الطريق بات مفتوحا لتنفيذ الخرطوم ما وعدت به بشأن اتخاذ خطوات سياسية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وأصبح من المتوقع أن تقيم إدارة الرئيس دونالد ترامب قبيل مغادرتها البيت الأبيض في 19 يناير المقبل، حفلا لتوقيع اتفاق سلام بين الخرطوم وتل أبيب.

وأكدت واشنطن عزمها مساندة الحكومة المدنية ودعم التحول الديمقراطي في السودان، وتمكينها من الحصول على مساعدات مالية من مؤسسات تمويل دولية، وتوفير 700 مليون دولار على شكل مساعدات، وإعفاءات من ديون تقدر بـ230 مليون دولار، وفتح المجال أمام تدفق الاستثمار الأجنبي.

وتسهم المساعدات في إطلاق عملية جادة لتخفيف أعباء الديون على السودان، ما يساعد في إعادة تأهيله لبرنامج الدول الفقيرة المثقلة بالديون في صندوق النقد الدولي.

700 مليون دولار قمية مساعدات أميركية للخرطوم، وإعفاءات من ديون تقدر بـ230 مليون دولار

وأشار بيان لوزارة العدل السودانية، الثلاثاء، إلى أن النسخة الأوّلية التي تم تقديمها إلى الكونغرس كانت تقضي بشطب جميع القضايا المرفوعة ضد السودان تحت قانون الإرهاب، وتحويل القضايا المرفوعة على السودان في أحداث 11 سبتمبر، وبدأ رفعها ضد السودان عام 2003 لتكون بموجب قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” (جاستا)، الذي يمكن بموجبه مقاضاة أي دولة، بما في ذلك غير المدرجة في قائمة الإرهاب.

واصطدم هذا الأمر بمعارضة قوية من قبل اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ مدفوعين باعتراضات محامي أسر الضحايا الذين رفضوا تحويل قضاياهم المرفوعة سلفا ضد السودان إلى قانون “جاستا”.

وقضى التشريع الذي تمت إجازته، لهذا السبب، باستمرار هذه القضايا وفق قانون الإرهاب وليس قانون “جاستا”، كما طلب السودان، وترك الباب مواربا أمام تعرض السودان لضغوط سياسية لاحقا.

ويشطب التشريع الجديد القضايا المرفوعة، وبينها قضايا رفعت العام الجاري تتهم نظام الرئيس السابق عمر البشير بدعم حركة حماس الفلسطينية في أعمال إرهابية تضرر منها أميركيون مقيمون في إسرائيل، وقضية أخرى قام برفعها منتصف العام الحالي بحارة كانوا على متن المدمرة “كول”، ولم يسبق لهم أن قاضوا الخرطوم وطالبوا بتعويضات أيضا.

وأكدت وزارة العدل، أن السودان ملتزمٌ بالظهور أمام المحاكم الأميركية والدفاع عن نفسه في القضايا القائمة لإثبات عدم علاقته بتفجيرات 11 سبتمبر.

محمد زكريا: القرار سيساعد الحكومة على تطبيق المصفوفة الزمنية لاتفاق جوبا
محمد زكريا: القرار سيساعد الحكومة على تطبيق المصفوفة الزمنية لاتفاق جوبا

ويشير متابعون إلى أن وجود استثناء بشأن أحداث 11 سبتمبر يبرهن على أن لدى الكونغرس بعض الشكوك حول مستقبل الحكم في السودان، في ظل تقلبات تواجهها المرحلة الانتقالية، وأن بقاء هذا البند بمثابة ضمانة لعدم انحراف مسار السلطة.

ويبقى التخوف الرئيسي من إمكانية عودة الإسلاميين إلى الحكم في الخرطوم مجددا، ووجود هواجس من تقديرات قوى يسارية مختلفة قريبة من الحكومة، ما يجعل الاستثناء كأنه عصا أو مبرر لممارسة ضغوط سياسية إذا اقتضى الأمر.

وأشار المحامي والناشط الحقوقي حاتم إلياس إلى أن المعطيات الأميركية تمثل نجاحا سياسيا يُحسب للحكومة الانتقالية، وسوف تترتب عليها نتائج ملموسة على المستوى الاقتصادي، كمحرك أساسي لدفع الولايات المتحدة نحو اتخاذ هذه القرارات بسرعة، وكيفية مرتبطة بتحفيز الخرطوم على التطبيع مع إسرائيل.

وأوضح لـ”العرب”، أن منح السودان حصانته السيادية يرتبط أيضا برغبة الولايات المتحدة في إرساء دعائم الاستقرار على ساحل البحر الأحمر، وسط تدخلات قوى إقليمية عديدة تحاول أن تجد لنفسها موطئ قدم في تلك المنطقة الحيوية، ما يدعم فكرة مشاركة السودان في الرؤية الأميركية بشأن تأمينها الفترة المقبلة.

ويرى مراقبون أن الخطوات الأميركية تمهد لخروج الحكومة السودانية الجديدة إلى النور، وتأسيس مفوضية السلام بصورة صحيحة، ما يساهم في إحداث تغيير يشعر به المواطنون الذين ينتظرون جني ثمار عوائد التحول السياسي في البلاد.

وقال مقرر المجلس القيادي للجبهة الثورية محمد زكريا، إن تمرير قرار الكونغرس ستكون له انعكاسات إيجابية من جهة إنزال اتفاق السلام في السودان على الأرض في أقاليم الهامش، وأن المساعدات والانفتاح السوداني المتوقع على المؤسسات المالية والمصارف الدولية يدفع نحو إمكانية التزام السلطة الانتقالية بفاتورة السلام.

وأضاف لـ”العرب”، أن القرار يفتح الباب أمام توجيه 135 مليون دولار لتمويل عملية إعادة هيكلة القوات المسلحة، ودمج جيوش الحركات المسلحة في الجيش القومي، ويساعد الحكومة الانتقالية على تطبيق المصفوفة الزمنية لاتفاق جوبا.

2