منتقدو منتدى النقب ومؤيدوه.. ماذا تبقى ليخسره الفلسطينيون

الدول العربية المنخرطة في منتدى النقب دعمت فلسطين في أشد الأوقات صعوبة وتحركاتها لن تكون ضدها.
الجمعة 2023/01/13
أي تأثير على القضية الفلسطينية؟

القاهرة- انتهت اجتماعات منتدى النقب في أبوظبي الثلاثاء، وخلفت وراءها الكثير من الارتدادات السياسية بين منتقديها ومؤيديها وما يمكن أن تعكسه من نتائج سلبية أو إيجابية على القضية الفلسطينية، حيث صعدت كما هي العادة نبرة التشكيك في أي تحركات تقوم بها دول عربية للحوار مع إسرائيل تحت أي صيغة، حتى لو كانت محصلتها تصب في خزينة الفلسطينيين، أو على الأقل تحد من الانتهاكات الإسرائيلية.

وحضر اجتماعات أبوظبي مسؤولون من ست دول، هي: الإمارات ومصر والبحرين والمغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، بوفود ضمت حوالي 150 شخصا، تم تقسيمها إلى مجموعات عمل تتناول قضايا في مجالات متعددة، أبرزها الأمن الإقليمي، والتعليم والتسامح، والأمن المائي والغذائي، والسياحة، والطاقة، والصحة، وهي الدول المعنية بما يسمى بـ”الاتفاقات الإبراهيمية” التي حملها البعض تأويلات قاتمة حتى لو كانت أهدافها الرئيسية تصب في صالح السلام والأمن والتعاون الإقليمي.

ومنذ الإعلان عن منتدى النقب في مارس الماضي عندما اجتمع وزراء خارجية الدول الست، تلاحقه هواجس تعمد البعض بثها لإجهاض عمل يرمي لتعظيم المصالح المشتركة، وتم تصوير القمة الأولى من قبل جهات معارضة على أنها عقدت للإجهاز على القضية الفلسطينية، بينما رأى مؤيدون أن هذه الآلية يمكن أن تسهم في تقليل ما تتعرض له القضية الفلسطينية من تآكل على أيدي أبنائها، كما هو الحال على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي.

منتقدو النقب يحالون التشويش عليه بشتى السبل، ليس لأنه قد يحمل ما يمكن أن يضر بالقضية الفلسطينية، بل لأن تطوراته تكشف المفردات التي يعتمد عليها خطاب المنتقدين

وصب البعض من الفلسطينيين جام غضبهم على اجتماع أبوظبي كأنه أداة لتمكين إسرائيل من الفلسطينيين، بينما أجندته لم تقتصر على قضيتهم، حيث تطرقت إلى قضايا مختلفة، ولم تتخلف دولة الإمارات يوما عن نصرة القضية الفلسطينية.

وكانت أبوظبي صاحبة أعلى صوت عندما وطأت أقدام المتطرف ايتمار بن عامير وزير الأمن القومي الإسرائيلي المسجد الأقصى مؤخرا، فلم تكتف بالتنديد والشجب، بل طالبت بعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الأمر، ناهيك عن تعظيمها لأهمية السلام بما يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني وليس على حسابه.

وجاء جانب من اللغط بسبب التوظيف الإسرائيلي لمنتدى النقب، وربما من اهتمام اجتماعه الأول الذي عقد في إسرائيل بالملف الإيراني وتوابعه الإقليمية، وربما لأن هناك من تزعجهم هذه اللقاءات لأنها تكشف الفجوة بين خطابهم الخيالي وبين الواقع العملي، وربما لكل ذلك معا، فاجتماعات أبوظبي مقدمة للقمة الثانية التي سوف يحضرها وزراء خارجية الدول الست في المملكة المغربية مارس المقبل، ويمكن أن تشهد المزيد من البلورة في شكل التعاون الإقليمي بين هذه الدول.

ولم يثبت أن منتدى النقب ينحصر هدفه في استهداف إيران أو تسهيل مهمة اختراق إسرائيل للمنطقة، أو غيرها من الأهداف التي يرددها المنتقدون، فكل العناوين التي حملها لم تثبت على مضمون محدد حول أي من هذه المعاني السلبية المثارة، لأن التطورات الإقليمية والدولية تتسارع بوتيرة كبيرة، ومن الصعوبة أن تظل القوى الطامحة أسيرة لخطاب ديماغوجي قديم أو تلطم على الخدود، فهذا المنهج لم يجن منه العرب سوى المزيد من الخسائر انطلاقا من تصورات متذبذبة كانت من أبرز النكبات التي تعرضت لها القضية الفلسطينية.

ولن تخسر هذه القضية أكثر مما خسرت بهذا المنتدى أو غيره، وإذا تمكن المعنيون والمهتمون بها من تبني خطاب عملي في الحوار مع إسرائيل يمكن تحسين مركزها، فقد أدى التشاحن والاقتتال بين الفصائل الفلسطينية إلى وضعها في مرتبة متأخرة في أجندة الاهتمامات في المنطقة وسبقتها أزمات وصراعات حديثة، ويتم تذكرها عندما تقدم إسرائيل على حماقة جديدة أو تريد قوى المقاومة إبراز دورها.

وفي كل الحالات منتدى النقب لن يكون شرا أو جسرا للعبور على جثة الفلسطينيين، لأن الدول العربية الأربع المنخرطة فيه (مصر والإمارات والبحرين والمغرب) لن تقبل بذلك، ولكل منها مواقف تؤكد العكس، حيث دعمت القضية الأم بوسائل متباينة وفي أوقات أشد صعوبة، بلغ الفوران فيها ذروته في أثناء الحرب، وعدم تخلفها في هذه المحكات يكفي للثقة في أن تحركها في منتدى النقب لن يكون ضد الفلسطينيين.

ويحاول منتقدو النقب التشويش عليه بشتى السبل، ليس لأنه قد يحمل ما يمكن أن يضر بالقضية الفلسطينية، بل لأن تطوراته تكشف المفردات التي يعتمد عليها خطاب المنتقدين، بينما المؤيدون أو المهتمون بمنطلقاته يرون أنه إذا جرى التعامل معه بصورة حكيمة سوف يكون الفلسطينيون في مقدمة المستفيدين.

المنتقدون يستخدمون غياب الأردن عن منتدى النقب كذريعة للتشكيك في نوايا الدول العربية المشاركة فيه

وتتولى قيادات يمينية متطرفة الحكومة في إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو، بمعنى أنه من المتوقع أن تقدم على تبني سياسات تمعن في انتهاك حقوق الفلسطينيين، ما يؤدي للمزيد من الخسائر، وفتح الطريق أمام مواجهات ممتدة، ولا توجد أدوات حقيقية يمكنها لجم تصرفات بن غفير مثلا، ما يجعل العمل الدبلوماسي من خلال منتدى النقب له أهمية حيوية في هذا التوقيت، لأن كل خطوة تصعيد لن تقبل بها الدول العربية الأربع المشاركة فيه، فإما أن ينهار على وقع الانتهاكات أو يوقف النزيف.

ويصعب أن تجلس قيادة عربية مع الجانب الإسرائيلي في إطار منتدى النقب أو أي آلية أخرى وتبارك التصرفات الإجرامية ضد الفلسطينيين، على العكس تتخذ هذه المنتديات وسيلة لتخفيف الضغوط الواقعة عليهم، وهي توجهات خلصت بها بعض الدول العربية من تجربتها في التعامل مع إسرائيل وخبرتها في فهم المعطيات الإقليمية والدولية والتماشي مع ما سوف يشهده العالم من تطورات تعيد صياغة المشهد العام في المنطقة بصورة مغايرة.

ويستخدم المنتقدون غياب الأردن عن منتدى النقب كذريعة للتشكيك في نوايا الدول العربية المشاركة فيه، بينما الحسابات التي بنت عليها عمّان غيابها لها علاقة بتقديراتها السياسية بحكم علاقتها الوطيدة بالفلسطينيين، لأنها لن تتحمل زخما سلبيا من وراء منتدى النقب في وقت يعيش فيه الأردن سلسلة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية العصيبة، وجذور حوالي نصف سكانه من أصول فلسطينية.

وترددت مصر في المشاركة في قمة النقب الأولى وحضرتها على مضض، وبعد اتصالات كثيرة من أطراف مختلفة، وهي التي أبدت شيئا من التحفظ على “الاتفاقات الإبراهيمية” مع أنها أول دولة عربية وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل، ثم جاءت مشاركتها اقتناعا بقدرتها على تغيير السلوك الإسرائيلي من داخل الاجتماعات، وليس بالرفض والمقاطعة، فالمنتدى كان يمكن أن يتشكل دونها ويمارس دوره في الاتجاه الذي يريده، ومن هنا تصبح مهمتها أشد صعوبة.

وحمل غياب الأردن نوعا من توزيع الأدوار بين الدول العربية المنخرطة في المنتدى، فعمّان التي بدأت تتخذ مقياسا للرفض ليست بعيدة عن الدول الست وبينها جميعا قواسم مشتركة وعلاقات قوية، وهو ما يجعل رؤيتها لا تعني التقليل من منتدى النقب، إذ به أو دونه سوف تتشكل خارطة جديدة في المنطقة، تتوقف هندستها على قدرة كل طرف على التفاعل مع المستجدات والنظر إلى المستقبل، فهذا المنتدى ليس أول مشروعات التعاون الإقليمي المطروحة، وبالطبع لن يكون آخرها.

2