منتدى للأعمال يرسم حدودا جديدة للشراكات بين تركيا وتونس

دشنت تونس مرحلة جديدة في علاقتها الاقتصادية مع تركيا من بوابة المنتدى المشترك للأعمال، والذي يرجح محللون أن يرسم حدودا جديدة للشراكات بين الطرفين، لاسيما وأنه أول ملتقى يُعقد عقب تعديل اتفاقية التجارة الحرة العام الماضي.
إسطنبول - تدخل تونس بنفس جديد نحو تجديد علاقاتها مع تركيا لتجسيد رؤيتها في أن تكون شراكاتها مع أنقرة أكثر توازنا، بما يحقق أهدافها التجارية والاستثمارية على قاعدة المساواة والعدالة مع ترك الباب مواربا أمام تعزيز التعاون الاقتصادي في كافة المجالات.
وشكل منتدى الأعمال التركي – التونسي، الذي احتضنته مدينة إسطنبول الأربعاء منصة مثالية لرسم معالم جديدة للعلاقات الاقتصادية بين البلدين بعدما استطاعت أنقرة أن تستحوذ على حصة كبيرة من التجارة مع تونس خلال العشرية الماضية.
ولئن اتسمت العلاقات بفتور طيلة سنوات نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي رغم إبرام شراكة تجارية حرة في 2005، إلا أن ما بعد 2011، جعلها تتنامى بوتيرة سريعة لصالح الأتراك الذين استفادوا من علاقتهم بحكومة الترويكا.
ولكن مع إغراق السوق التونسية بالبضائع التركية، سعت السلطات منذ العام 2020 إلى إعادة ترتيب العلاقات مع أنقرة، وجعلها تسير في نطاق شراكة ذات منافع متبادلة، بما يخدم اقتصاديْ البلدين.
وقالت وزير التجارة وتنمية الصادرات التونسية كلثوم بن رجب أثناء افتتاح المنتدى، الذي ضم مستثمرين وممثلي القطاع الخاص ورجال أعمال من البلدين، إن المنتدى هو “ملتقى اقتصادي لبناء لبنة إضافية في العلاقات المشتركة بين البلدين”.
وذكرت أن علاقات بلادها مع تركيا، “قوية، وتعكسها متانة الشراكات بين البلدين”، مضيفة “نتطلع لتعزيزها وترسيخها في مختلف المجالات سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي الأوروبي المتوسطي”.
وزادت “الملتقى سيبني لبنة إضافية على درب علاقتنا، ونبحث سبل دعمها ووضع البرامج التي من شأنها أن تؤسس مستقبلا واعدا، بما يساهم في حسن استغلال الإمكانيات والفرص المتاحة”.
واعتبرت أن تنوع القطاعات المشاركة في المنتدى، كالصناعات الغذائية والنسيج والملابس والخدمات والصناعات الميكانيكية، يؤكد ما تحظى به تركيا من مكانة في تونس.
وسجلت العلاقات التونسية التركية خلال السنوات الأخيرة، نشاطا ملحوظا تجلى في تعدد الاتفاقيات والأعمال بين البلدين، وبلغ حجم المبادلات التجارية في العام الماضي، حوالي 1.5 مليار دولار.
وتستورد تونس السلع الصناعية من تركيا، بما في ذلك النسيج والإلكترونيات، بالإضافة إلى المدخلات المستخدمة في إنتاج المنتجات النهائية والتي تعيد تونس تصديرها إلى الاتحاد الأوروبي.
وساعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة تونس على تصدير المنتجات في مجالات كثيرة مثل النسيج أو الصناعات التحويلية، التي تلبي معايير تسمية المنشأ.
وبموجب ميزانية 2024، رفعت تونس الرسوم الجمركية على العديد من المنتجات الصناعية التركية. وقد ساعدت الخطوة على تقليل الواردات وتحسين العجز التجاري.
وشمل قرار فرض الضرائب على البضائع التركية قائمة من المنتجات الصناعية التي لها مثيل مصنّع محليا موجهة للاستهلاك في قطاعات مواد التنظيف والمواد البلاستيكية والعجلات المطاطية والملابس الجاهزة.
1.5
مليار دولار حجم المبادلات التجارية بين البلدين في 2023، وهي تصب في صالح تركيا
وكانت مؤسسات صغيرة ومتوسطة في عدد من المجالات مثل الملابس والمواد الغذائية والزراعية وغيرها قد تضررت بسبب اكتساح المنتجات التركية للسوق التونسية.
وتظهر الأرقام الرسمية أن العجز التجاري مع تركيا انخفض خلال الثلث الأول من العام الحالي إلى نحو 304 ملايين دولار مقابل 329 مليون دولار على أساس سنوي.
وقالت بن رجب “كنتائج نأمل أن تتطور في السنوات القادمة بالنظر للإرادة السياسية بين البلدين في استكمال وتوسيع التبادل الحر بين البلدين”.
وتشارك في المنتدى، المقرر ليوم واحد، حوالي 100 شركة تونسية تعمل في كافة القطاعات الاقتصادية، بالإضافة إلى مئتي شركة تركية، وهي فرصة لعقد لقاءات مباشرة بين المستثمرين وتسليط الضوء على فرص التعاون في مجموعة واسعة من المجالات.
وتأكيدا على أهمية تعزيز العلاقات، أبرم قدير مته غتشر رئيس مجلس الأعمال التركي التونسي في مجلس العلاقات التجارية الخارجية، ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة سمير ماجول، اتفاقية لاستكشاف الفرص الواعدة التي تمكن ترجمتها واقعيا.
وقال وزير التجارة التركي عمر بولان، إن “حجم التبادل التجاري بين تركيا وتونس ارتفع من نحو 318 مليون دولار قبل عقدين من الزمن إلى ما هو عليه اليوم”.
وأكد عزم حكومتي البلدين على رفع أرقام التجارة والاستثمار إلى مستويات أعلى رغم الانخفاض الأخير.
وأصبحت تونس وجهة للاستثمارات التّركية، إذ توجد بها حاليا 50 شركة تعمل في مجالات مختلفة، ساعدت في توفير آلاف فرص العمل من بينها العشرات من الوظائف للأتراك الموجودين في تونس، بحسب المعطيات الرسمية تونسية.
وأشار بولات أمام المشاركين في المنتدى إلى وجود استثمارات للشركات التركية في تونس بلغت قيمتها نحو 700 مليون دولار. وذكر أن شركات البناء التركية نفذت 21 مشروعا في تونس بقيمة 975 مليون دولار.
ويعد مطار النفيضة الحمامات الدولي جنوب العاصمة التونسية الذي نفذته شركة تاف القابضة التركية بتكلفة بلغت 520 مليون دولار، ومصنع إسمنت قرطاج، من أبرز المشاريع الاستثمارية التونسية – التركية.
وتعد تونس أيضا بوابة مهمة لتركيا نحو الأسواق الأفريقية، كما أنها تستهدف بالدّرجة الأولى نحو 60 مليون مستهلك في كل من ليبيا والجزائر.
كما أنها من أهم وأكبر شركاء تركيا الإستراتيجيين، من حيث موقعها وعلاقتها مع جميع الدول الأفريقية، التي تعتمد على الاستيراد في 85 في المئة من استهلاك سكانها البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة، ما يوفر انفتاحا اقتصاديا على القارة بأكملها.
وقال رئيس مجلس العلاقات التجارية في تركيا نايل أولباك “ثمة اهتمامات مشتركة بين البلدين في الصناعة والسياحة والطاقة المتجددة، وقطاعات أخرى هامة يمكن العمل عليها، فضلا عن قطاع زيت الزيتون والسياحة الطبية والتعليم”.
وأضاف “نرغب في المزيد من الطلاب التونسيين في تركيا، وفي مجال الصحة يجب أن نبحث عن كيفية التعاون والاستفادة بين البلدين وفي كل هذه الفرص”.