منتخب تونس يحتاج إلى أكثر من إقالة المدرب

تونس - وضع الاتحاد التونسي لكرة القدم حدا لمهام مدرب المنتخب المنذر الكبيّر، وجاء ذلك في ضوء نتائج نسور قرطاج في منافسات بطولة كأس أمم أفريقيا، بالخروج من الدور ربع النهائي بعد الهزيمة القاسية أمام بوركينا فارسو.
وكان الاتحاد التونسي وضع أمام الكبيّر شرطا بالوصول إلى المربع الذهبي للمسابقة الأفريقية ضمن الأهداف التي تم الاتفاق عليها عند إمضاء العقد.
وعين الكبيّر مدربا لمنتخب النسور في أغسطس 2019 بعقد يمتد حتى أواخر 2022، خلفا للفرنسي آلان جيريس الذي تم فسخ التعاقد معه بعد نهائيات كأس الأمم مصر 2019، والتي أنهاها النسور في المركز الرابع.
قرار جاهز
إقالة الكبيّر خلفت ردود فعل متباينة في الشارع الرياضي التونسي بين مؤيد ورافض، خاصة في هذا التوقيت بالذات
قرار إقالة الكبيّر كان جاهزا على طاولة الجهاز الإداري بعد الفوز على نيجيريا في ثمن النهائي، إذ قرّر حينها رئيس الاتحاد وديع الجريء تعيين القادري خلفا للكبيّر، لكن مع تأجيل الإعلان عن القرار إلى ما بعد نهاية البطولة. صحيح أن الهزيمة المفاجئة ضد بوركينا فاسو عجّلت برحيل الكبيّر، لكن نية الاتحاد في التبديل لم تكن وليدة اللحظة، وإنما تعود إلى ما بعد الخسارة أمام الجزائر في الدور النهائي من بطولة كأس العرب لكرة القدم، فبالإضافة إلى النتائج السيئة في الفترة الأخيرة، فإن طريقة توظيف اللاعبين والاختيارات الفنية كانت من الأسباب المباشرة لاتخاذ هذا القرار.
وتفيد كواليس المنتخب التونسي بأنّ علاقة الكبيّر مع بعض المسؤولين في الجهاز الإداري لم تكن على أحسن ما يرام، إذ أصبح هذا المدرب في أغلب الفترات لا يثق في الأعضاء المحيطين به، ما صنع بعض الاضطراب في أجواء العمل داخل الجهاز الفني، بل كان المسؤول الأول عن منتخب تونس حسين جنيح أشد المعارضين لفكرة بقاء المدرب، وهو الذي يعد أكثر أعضاء الاتحاد قربا من وديع الجريء.
ردود أفعال
إقالة الكبيّر خلفت ردود فعل متباينة في الشارع الرياضي التونسي بين مؤيد ورافض، خاصة في هذا التوقيت بالذات، باعتبار أن زملاء القائد يوسف المساكني قادمون على تحدّ صعب أمام منتخب مالي في إطار لقاءي الملحق المونديالي.
ويرى العديد من الفنيين أن الأداء كان مخيبا ولكن لا مجال في الوقت الحالي للانتقاد أو المحاسبة، فكرة القدم التونسية في مفترق الطرق، وأمام التونسيين مباراة مصيرية بتصفيات المونديال بعد مدة قصيرة، وستكون المباراة فارقة في تحديد المستقبل.
وكتب نبيل معلول المدرب الأسبق للمنتخب ومدرب فريق الكويت الكويتي على صفحته الخاصة في فيسبوك، بعد خروج تونس من المسابقة، “هاردلك للمنتخب الوطني بعد الخروج من كأس أفريقيا.. أمامنا مباراة مصيرية أمام منتخب مالي وستكون فارقة. إذ إن الفشل لا قدر الله قد يعيدنا سنوات إلى الوراء، لذلك علينا أن نكون يدا واحدة وقلبا واحدا وراء منتخبنا”.
والأكيد أن الفشل في هذا الموعد التاريخي قد يعيد الكرة التونسية سنوات إلى الوراء، لكن يجب الاتعاظ من أخطاء هذه الدورة ومواصلة البناء على الإيجابيات، وذلك بالاعتماد أساسا على اللاعبين الجاهزين بدنيا وفنيا وتكتيكيا، والذين يلعبون باستمرار مع أنديتهم في الفترة المقبلة.

في الحقيقة منتخب تونس في هذا الظرف بالذات يحتاج إلى أكثر من تغيير مدرب، يحتاج إلى إعادة هيكلة وتنظيم داخلي يمر حتما بسياسة اتحاد كرة القدم وخططه ومشاريعه. كرة القدم التونسية تحتاج إلى إعادة بناء انطلاقا من القاعدة مرورا بالأندية وبمنتخبات الشبان، وكيفية هيكلتها لتكون نواة منتخب أول قادر على رفع التحديات في كامل الاستحقاقات والرهانات القارية والعالمية.
مشاكل كرة القدم التونسية لا تتوقف عند النقائص الفنية، بل تتجاوزها إلى الأعمق، منذ سنوات تعيش المنتخبات التونسية على وقع نتائج متذبذبة محليا وقاريا وإقليميا. فمنذ سنة 2004 حين توجت تونس باللقب الأفريقي بقيادة المدرب الفرنسي روجيه لومير الذي نجح في تكوين منتخب قوي وزرع فيه عقلية الاحتراف وثقافة التتويج، لم نشاهد حقا منتخبا تونسيا له شأن على الساحتين القارية والعالمية.
لذلك بات الاتحاد التونسي لكرة القدم مطالبا بسرعة التغيير والتجديد وضرورة انتداب مدرب عالمي قادر على صنع التاريخ، وقادر على بناء منتخب قوي يفرض نفسه ولونه على غرار منتخبي مصر والمغرب. لا بد من المراهنة على الكفاءات والخبرات والتي تتجسد في العديد من النجوم السابقين الذين رفعوا راية تونس عاليا.. والذين شرفوا تونس في المحافل الرياضية أمثال شكري الواعر وزبير بية وخالد بدرة، وغيرهم من الشخصيات الرياضية التي من شأنها أن تنقذ كرة القدم التونسية والمساهمة في إعادة الإشعاع الأفريقي والعالمي.
إقالة المنذر الكبيّر فتحت الباب أمام مساعده جلال القادري لتسلم المقاليد الفنية كمدرب أول، فهل سيقدر الأخير على تحمل هذه المسؤولية الجسيمة؟ وهل سيكون جاهزا لملاقاة مالي في طريق مونديال قطر في قمة تاريخية قد تعيد كتابة تاريخ تونس.. كرة القدم التونسية حقيقة في منعطف خطير، فهل من منقذ!