مناورة إعلامية تنفذها وكالة الأناضول في نسختها الفرنسية: تحويل الإسلاموفوبيا إلى مرادف للتركوفوبيا

تغطية وكالة الأناضول للشأن الفرنسي عنوانها افتعال المعارك.
الأربعاء 2022/08/03
هجوم وهجوم مضاد

وكالة الأناضول التركية في نسختها الفرنسية تؤسس لربط الإسلاموفوبيا بالتركوفوبيا وهي حاضرة بكل ثقلها لاستفزاز السلطات الفرنسية عبر الانخراط في حملة للدفاع عن الداعية المقرب من الإخوان حسن إيكويسون الذي صدر بحقه قرار ترحيل، ما يثير جدلا حول تضارب المصالح الفرنسية – التركية الذي ترجم إلى معارك إعلامية.

باريس- استهدفت اللجنة المشتركة بين الوزارات لمنع الانحراف والتطرف في فرنسا (CIPDR)، وهي مؤسسة فرنسية تابعة لوزارة الداخلية، في سلسلة تغريدات على حسابها على تويتر الصحافية من وكالة الأناضول التركية فائزة بن محمد بسبب مقالاتها المدافعة عن رجل الدين حسن إيكويسون الذي قررت فرنسا طرده بعد تجريده من الجنسية، بسبب المقالات التي تنشرها الصحافية لفائدة الوكالة في نسختها الفرنسية والتي تترجم إلى لغات أخرى.

وورد اسم بن محمد وهي صحافية فرنسية من أصول مغربية ضمن عدة شخصيات “متهمة بالتعاون والدفاع عن الإرهابيين”.

وقالت وكالة الأناضول في مقال تصعيدي ضد تغريدات اللجنة المشتركة “في حين أن السلطة التنفيذية الفرنسية بدأت مؤخرا إجراءات طرد ضد رجل الدين والمحاضر حسن إيكويسون، فقد قررت اللجنة المشتركة بين الوزارات، عبر سلسلة من التغريدات، تخويف الشخصيات التي عبرت عن رفضها لمثل هذا الإجراء من خلال تصنيفهم على أنهم ‘متشددون من الإخوان والسلفيين'”.

وكتب مركز الحقوق المدنية الدولية في تغريدة إن “فائزة بن محمد، التي تعمل في وكالة الأناضول، تشارك في حملة الدعم من خلال مهاجمة فرنسا باستمرار بطريقة افترائية، وتتجرأ على الادعاء بأن حسن إيكويسون رجل دين بريء”.

وحملت وكالة الأناضول من جانبها، مؤسسات رسمية فرنسية المسؤولية عن موجة التنمر الإلكتروني التي تعرضت لها صحافية الوكالة بسبب “الخلط المتعمد بين انتقاد قرار حكومي ومهاجمة بلد ما”.

وقالت الوكالة “تم تصنيف بن محمد على أنها ناشطة وليست صحافية، وبالتالي فقد حُرمت من وظيفتها المهنية، ومنذ مساء الجمعة تعرضت لموجة من الرسائل المعادية للتركوفوبيا والمسلمين والمتحيزين على أساس الجنس”. وحاولت الوكالة في مقالاتها تقديم مصطلح التركوفوبيا كمرادف للإسلاموفوبيا.

وقالت بن محمد التي سبق أن عبرت في تغريدة عن فخرها الكبير بالانضمام إلى وكالة الأناضول “أريد أن أقول، في مواجهة التركوفوبيا (Turcophobia) الذي ظهر أيضا من التعليقات التي تلقيتها لدي حرية كاملة في التعبير ضمن الوسط الذي أعمل فيه. لم يُطلب مني أبدا مراجعة نسختي من المقال، لأنه من المفترض أنه ستكون هناك أشياء معينة لن تمر سياسيا. لست متأكدة من أنه داخل طاقم التحرير الفرنسي، باستثناء عدد قليل من وسائل الإعلام المستقلة، كان بإمكاني الحصول على نفس الفسحة التحريرية، لتقديم وجهة نظر مختلفة قليلا عما نسمعه وما نراه في كل مكان تقريبا”.

ونقلت الوكالة في مقال آراء داعمة لبن محمد وردت على مواقع التواصل منها تغريدة الخبير السياسي فرنسوا بورغات الذي قال “دعونا لا نكون سلبيين! قد نكون التالين على القائمة! الاتهامات التي وجهت ضد فائزة خطيرة بشكل خاص”.

وأشارت وكالة الأناضول مغفلة ترتيب تركيا، إلى أن فرنسا تحتل المرتبة 26 من حيث حرية الصحافة وفقا للترتيب الذي وضعته منظمة مراسلون بلا حدود وتم نشره في مايو الماضي. وأضافت “في عام 2018 أفادت دراسة قامت بها جمعية ريسباكت زون (Respect Zone)، أن الصحافيين كانوا الفئة المهنية الثالثة التي يتم استهدافها بالعنف السيبراني بعد السياسيين والشخصيات العامة”.

وقالت الوكالة التركية “فيما أشارت المنظمة في دراستها، إلى أن التعليقات البغيضة جاءت بشكل أساسي من مستخدمي الإنترنت الذكور العاديين، فإن التحرش الإلكتروني بالصحافية في وكالة الأناضول فائزة بن محمد تم تدبيره بشكل مباشر من حساب حكومي”.

في المقابل يقول مراقبون إن التغطية الإعلامية لوكالة الأناضول في نسختها الفرنسية هدفها افتعال المعارك  مع فرنسا مهما كان نوعها.

◙ السلطات الفرنسية وصفت وكالة الأناضول التركية، بـ"الأنف الزائف لحكومة أنقرة الذي يتدخل في الشأن الفرنسي"

وتتخطى أسباب الحرب الإعلامية بين البلدين ما زعمته الأناضول بشأن الإسلاموفوبيا الفرنسية، ليتضح أن سببها تضارب المصالح الفرنسية – التركية في ملفات سياسية إقليمية، وفي عام 2017 مثلا، عندما دعمت فرنسا والولايات المتحدة المقاتلين الأكراد ضد تنظيم داعش، كشفت وكالة الأناضول عن مواقع القوات الخاصة الفرنسية والأميركية في شمال سوريا.

وتنشر الوكالة مقالات باثنتي عشرة لغة، حول الشؤون الدولية الجارية، مع وجود في فرنسا لعدة سنوات في قلب التغطيات التي أساسها: الهجوم على سياسة الحكومة الفرنسية في مسائل العلمانية. كما يوجد على الصفحة الرئيسية للنسخة الفرنسية من الموقع قسم بعنوان “مجلة الإسلاموفوبيا” (Journal de l’islamophobie)، حيث تنشر مقالات رأي بانتظام تهاجم السياسة الفرنسية.

وفي أبريل الماضي أعلنت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية (TRT) إطلاق منصة رقمية متخصصة بنشر الأخبار والمواد الإعلامية المختلفة لمخاطبة الجمهور الناطق باللغة الفرنسية. وقالت المؤسسة (مقرها أنقرة) في بيان إن مشروعها الجديد الذي سيعنى بالمجالات السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها، سيحمل اسم “TRT Français” ويكون جزءا من خطتها للتوسع عالميا.

وينظر إلى مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأناضول التركيتين على أنهما مركز القوة الإعلامية اللتين تسعى تركيا من خلالهما للتمدد وفرض خارطتها الإخبارية في العالم.

والأسبوع الماضي هاجم الإعلام الفرنسي تقريرا لوكالة الأناضول نُشر في السادس والعشرين من يونيو، ذكر فيه جميع النواب الفرنسيين من أصول شمال أفريقية. وقال الإعلام الفرنسي إن التقرير قدم مصحوبا بإحصاءات عرقية مشكوك فيها وتحليل سياسي.

وتساءلت وسائل إعلام فرنسية عن اللعبة التي تلعبها وكالة الأنباء التركية الرسمية.

وفي مقال نُشر في السادس والعشرين من يونيو على هامش نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في فرنسا “نفذت وكالة الأناضول مناورة إعلامية مفاجئة”، حين أدرجت جميع النواب الفرنسيين المنتخبين من أصول شمال أفريقية، أو على الأقل الذين يُنظر إليهم على هذا النحو. وكتبت في معجم مثير للفضول عن “الفرنسيين من أصل عربي”. وأشارت “هيئة الدعاية التركية” كما وصفها الاعلام الفرنسي إلى أن “الغالبية بين هؤلاء النواب هم من النساء والبرلمانيين الذين يدعمون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون”.

وتم ذكر تسعة نواب في المقال، من بينهم وزيرة الخارجية سارة الحيري، والنائبة نعيمة موتشو وعضو مجلس النواب المنتخب كريم بن شيخ. وحرصت وكالة الأنباء على إرفاق المقال بسيرة ذاتية للأشخاص المعنيين وتتبع نسب المسؤولين المنتخبين الذين يُعتبرون “عربا”، مع ذكر مكان ميلادهم وميلاد آبائهم في الجزائر أو المغرب أو تونس.

ولا يتوقف “الجهاز الصحافي لرجب طيب أردوغان” عند هذا الحد، وفق وسائل إعلام فرنسية، بل رسم سلسلة من البيانات عن “الجالية العربية والإسلامية في فرنسا”، التي تقدر بـ”خمسة ملايين شخص”. وبحسب الوكالة التركية، فإن “العرب يمثلون 8 في المئة من إجمالي السكان الفرنسيين”. وشككت وسائل إعلام فرنسية في الإحصائية وقالت إنه لتبرير هذه الأرقام، ذكرت الوكالة مصدرا وحيدا يتمثل في مركز أبحاث محلي، مؤكدة أنها بيانات لا يمكن التحقق منها لأن الإحصاءات العرقية محظورة في فرنسا بموجب قانون حماية البيانات الصادر في السادس من يناير 1978.

أسباب الحرب الإعلامية بين البلدين تتخطى ما زعمته الأناضول بشأن الإسلاموفوبيا الفرنسية، ليتضح أن سببها تضارب المصالح الفرنسية – التركية في ملفات سياسية إقليمية

ويذكر أنه في أبريل 2021 قررت المنظمة الرئيسية لمحاربة التطرف، شن هجوم مضاد على وكالة الأناضول التركية، ووصفتها بـ”الأنف الزائف لحكومة أنقرة الذي يتدخل في الشأن الفرنسي”.

وتساءلت حينها المنظمة “كيف يمكن لوم وكالة أنباء على نشر أخبار كاذبة عندما تقدم نفسها على صفحتها الرئيسية على أنها مصدر المعلومات الموثوقة التي تدعي أنها تقدمها في جميع الأوقات؟”.

ولم تتردد اللجنة المشتركة بين الوزارات لمنع الانحراف والتطرف في نشر تغريدة في السابع والعشرين من أبريل في عام 2021 قالت فيها “الأناضول الفرنسية تقدم نفسها على أنها وكالة أنباء. في الواقع، هذا ليس هو الحال: الأناضول هي أداة دعائية تنشر مقالات رأي على موقعها وتهاجم، بطريقة كاذبة وتشهيرية، فرنسا”.

وعارض الرئيس التنفيذي لوكالة الأناضول سيردار كاراغوز التغريدة بشدة، وذكر أنه “على عكس المزاعم، فإن وكالة الأناضول تُبلغ الرأي العام الدولي في إطار حرية التعبير مع احترام مبدأ الموضوعية، خاصة وأن الآراء الواردة في مقالات اتفاقية التعاون الدولي يعبر عنها أيضا أكاديميون وسياسيون وصحافيون وخبراء فرنسيون”.

16