مناورات "الأسد الأفريقي" تستهدف مواجهة الجهاديين ومرتزقة فاغنر

تعكس دعوة أميركا حلفاءها الأفارقة إلى تعزيز استراتيجيات مواجهة الجماعات الجهادية في أفريقيا -وخاصة منطقة الساحل- حجم التحديات والمخاطر التي تعترض دول المنطقة الهشة أمنيا، في ظل التحولات الإقليمية التي بموجبها انسحبت قوة برخان الفرنسية وتاكوبا الأوروبية من المنطقة، ما يخلق فراغا أمنيا أكبر تسعى قوات فاغنر الروسية لملئه.
طانطان (المغرب) - حذر المسؤول عن القيادة العسكرية الأميركية لمنطقة أفريقيا (أفريكوم) من أن الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة مدعوة إلى مواجهة انتشار جماعات متطرفة عنيفة، فضلا عن المرتزقة الروس في منطقة الساحل التي تشهد عدم استقرار متزايدًا.
وقال الجنرال ستيفان تاونسند "نشهد تصاعدا للتطرف العنيف في أفريقيا الغربية وخصوصا في منطقة الساحل"، وذلك خلال اختتام تدريبات "الأسد الأفريقي" العسكرية الدولية في طانطان جنوب المغرب الخميس.
وأضاف الجنرال الأميركي "نرى كذلك وصول فاعلين لديهم نوايا مغرضة إلى المنطقة، وأقصد مرتزقة فاغنر الروس الموجودين في مالي". وتؤاخذ الدول الغربيةُ العسكريين الحاكمين في هذا البلد الاستعانة بخدمات هذه الشركة العسكرية الروسية الخاصة المتهمة بارتكاب "جرائم".
وشارك أكثر من 7500 عسكري من عدة بلدان -مثل السنغال وتشاد والبرازيل وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة- في دورة هذا العام لمناورات “الأسد الأفريقي” التي يحتضنها المغرب سنويا منذ 2004.
كما شارك مراقبون عسكريون من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأفريقي ونحو 30 بلدا شريكا (من بينها إسرائيل لأول مرة) في هذه التدريبات التي أقيمت بين السادس من يونيو والثلاثين من الشهر ذاته، وهي أكبر تدريبات تنظم سنويا في القارة الأفريقية.
وجرت أغلبية المناورات في المغرب وبعضها في تونس والسنغال وغانا. وهدف التدريبات أساسا هو "تطوير مستوى التحضير وكفاءات الجيوش المشاركة وتعزيز قدرات شركائنا".
وتضمن برنامج "الأسد الأفريقي 2022" عدة مناورات عسكرية برية وجوية وبحرية، وتمارين للتطهير البيولوجي والإشعاعي والنووي والكيمياوي، بالإضافة إلى تدريبات على طرق الإسعاف الطبي والتدخل لأغراض إنسانية.

وفي اختتام هذه الدورة الخميس قدمت فرق عسكرية عرضا يحاكي هجوما جويا وبريا متزامنا ضد أهداف معادية في منطقة صحراوية قرب مدينة طانطان جنوب المغرب. وشاركت في العملية طائرات أف – 16 مغربية ومروحيات أباتشي ودبابات أم – 1 وآليات أخرى ضمن فريق مدرعات مشترك مدعوم بنظامين للقذائف، أحدهما نظام هيمارس الذي حصل عليه الجيش الأوكراني.
وجرت أطوار المعركة في ظل سحب كثيفة من الرمال المتطايرة تحت وقع الذخائر الحية المستعملة والرياح القوية القادمة من المحيط الأطلسي. ولئن كان ذلك لا يحاكي بالضرورة سيناريو استهداف جهاديين أو مقاتلين من مرتزقة فاغنر، إلا أنه "سيساعد كل قواتنا المسلحة إذا دعينا إلى مواجهة هذا النوع من التحديات في المستقبل"، بحسب توضيح قائد قوة أفريكوم.
وفي المقابل أكد هذا الأخير أن تدريبات الأسد الأفريقي "ليست موجهة مطلقا" ضد الجارة الجزائر التي قطعت علاقاتها مع المغرب منذ قرابة عام وسط توتر متزايد بين البلدين، بسبب النزاع حول الصحراء المغربية.
وتعد الولايات المتحدة حليفا رئيسيا للمغرب في هذا النزاع حيث تعترف منذ أواخر عام 2020 بسيادته على الصحراء، في إطار اتفاق ثلاثي تضمن أيضا تطبيع المملكة علاقاتها مع إسرائيل.
لكن الجنرال تاونسند أكد أن التدريبات "ليست موجهة ضد بلد معين، بل تسعى إلى رفع مستوى التحضير المشترك في مواجهة تحديات مشتركة"، مشيرا إلى أن "الرهانات المطروحة داخل حلف شمال الأطلسي وفي أوكرانيا تؤكد قيمة وجود حلفاء أقوياء وشركاء يعملون معا للدفاع عن مصالحنا المشتركة".
وخلال قمة الأطلسي في مدريد هذا الأسبوع أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن تقوية الحضور العسكري الأميركي في أوروبا، بما في ذلك "جناحها الجنوبي" في إسبانيا وإيطاليا المقابلتين لسواحل شمال أفريقيا.
وتزامنا مع الدعوة إلى تكثيف الجهود في مواجهة الجهاديين في الساحل الأفريقي، أعلنت فرنسا الجمعة انتهاء انتشار قوة تاكوبا التي تضم قوات أوروبية خاصة مكلفة بدعم القوات المالية في القتال ضد الجماعات الجهادية المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش.
وضاق هامش تحرك قوة تاكوبا التي أسّستها وزيرة الجيوش الفرنسية السابقة فلورانس بارلي بصعوبة لتقاسم عبء مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل بين الأوروبيين، إثر الانقلابين العسكريين في مالي في أغسطس 2020 ومايو 2021 والتدهور المفاجئ للعلاقات بين فرنسا ومالي ثمّ انسحاب قوة برخان الفرنسية لمكافحة الجهاديين هذا العام.
وقال الجنرال باسكال ياني المتحدث باسم هيئة أركان الجيوش الفرنسية في لقاء مع صحافيين إن "إعادة تنظيم انتشار القوات العسكرية الفرنسية في منطقة الساحل التي تقررت بتعاون وثيق مع الشركاء الأوروبيين والأميركيين الشماليين أفضت إلى إنهاء عمليات قوة تاكوبا في مالي اعتبارًا من الثلاثين من يونيو".
وأضاف أن قوتَي برخان وتاكوبا تشهدان على “ما يمكن للأوروبيين إنجازه معًا في ظروف أمنية معقّدة”، مؤكدًا أن “الدروس” المستخلصة من هذه التجربة على الأرض ستدوم.
وكانت تاكوبا تضمّ عشر دول أوروبية، ووصل عدد عناصرها إلى ما بين 800 و900 عنصر من جنود النخبة. وكانت مهمّتها مساعدة القوات المالية على اكتساب استقلالية والسماح لها باستعادة السيطرة على أراض تخلّت عنها الدولة، في مواجهة جماعات جهادية مرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
◙ تزامنا مع الدعوة إلى تكثيف الجهود في مواجهة الجهاديين أعلنت فرنسا انتهاء انتشار قوة تاكوبا المكلفة بدعم القوات المالية لصد الجماعات الجهادية المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش
وأدانت الولايات المتحدة بشدة الجمعة، في بيان، رغبة مالي في عدم تطبيق التفويض الجديد لقوة الأمم المتحدة على أراضيها (مينوسما)، الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي الأربعاء.
وقالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد في البيان إن "الولايات المتحدة قلقة جدا من بيان الحكومة الانتقالية في مالي الذي أعربت فيه عن نيتها حرمان بعثة مينوسما من حرية الحركة اللازمة لتنفيذ تفويضها". وأضافت أن "القيام بذلك سيشكل انتهاكا صارخا لاتفاق وضع القوات (صوفا) الذي تعهدت الحكومة الانتقالية باحترامه".
وبعد إقرار تمديد مهمة الأمم المتحدة لحفظ السلام لمدة عام واحد -على أن تشمل الالتزام بالتحقيق في انتهاكات مفترضة لحقوق الإنسان ارتكبتها جماعات جهادية أو الجيش المالي أو القوات شبه العسكرية الروسية الداعمة له- أكدت مالي أنها لا تستطيع ضمان حرية التنقل لجنود حفظ السلام من أجل تحقيقات دون موافقة مسبقة من السلطات.
وقالت غرينفيلد إن "أي محاولة من قبل دول مضيفة أو أفراد أمن أجانب أو غيرهم من الجهات الفاعلة لعرقلة حرية حركة جنود حفظ السلام يمكن أن تعرض أمنهم للخطر جديا وتعرض المهمة نفسها للخطر".
وأكدت الدبلوماسية الأميركية أن "حرية التنقل ضرورية لتتمكن بعثة الأمم المتحدة من تنفيذ المهام الموكلة إليها من قبل مجلس الأمن الدولي" منذ 2013 في إطار مهمة تسمح باستخدام القوة وكذلك التحقيق في انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان.
وأضافت "نحث الحكومة الانتقالية على تحمل مسؤوليتها على الفور وبشكل كامل كدولة مضيفة لعملية حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة واحترام شروط اتفاق وضع القوات". ويقول دبلوماسيون إن قيودا فرضت على حركة البعثة الدولية منذ يناير بالتزامن مع انتشار أفراد قوة فاغنر الروسية الخاصة.