مماليك الوهم الافتراضيون

صحيح أن مساحات تويتر عرفتنا على طرق أفكار مجتمعات.. لكنها في الوقت نفسه تمتلك أضرارها على الأشخاص وتسبب لهم الانزعاج أكثر من ضررها على منظومة القيم.
الجمعة 2023/01/20
أي تأثير للمنصة على المستخدمين؟

وصفت إحدى زميلاتي الصحافيات السعوديات بعض المساحات الصوتية على موقع تويتر بـ”أقبح أشكال التحامل على الآخرين”، بسبب وقوع أصحابها في “مصيدة” محاولة السيطرة على أفكار الغير والتحكم في حرية التعبير عن آرائهم الشخصية، ودفعهم نحو التفكير في أنهم مخطئون حتى حينما يكونون مُصيبين، وقد يصل الأمر إلى حد الإملاء عليهم ما يقولون وما لا يقولون، وإلا فإنه يتم إقصاؤهم من الحوار، إما بغلق المايكروفون أو بحجبهم تماما.

لا عجب في أن تعبّر زميلتي عن استيائها مما تعرضت له من تضييق على أفكارها، فقد أقصيت من مساحة صوتية، لا لشيء سوى لأنها شاركت تغريدة لزميلها، انتقد فيها أحد الأنظمة السياسية العربية، فتحولت زميلتي إلى متهمة بالإساءة لبلد صاحب المساحة، رغم أنها ليست من كتب التغريدة.

بل وصل الأمر بمن أقصى صديقتي السعودية لمجرد إبداء رأيها والدفاع عنه بطريقة معقولة، إلى فتح مساحة صوتية تخصص لمهاجمتها، من دون السماح لها بالمشاركة، على الأقل للرد على مهاجميها.

بعد هذه الواقعة قررت زميلتي التوقف عن المشاركة في مساحات تويتر الصوتية، لتجنب الضغوط النفسية التي يمارسها بعض النشطاء للسطو على حقها وحريتها في التعبير عن رأيها.

هذا الموقف قد يشكل نموذجا جيدا لإلقاء الضوء على ما يجري في بعض المساحات الافتراضية التي أصبحت بمثابة ساحات لـ”مماليك حقيقيين للوهم” يستغلها البعض للتأثير على توجهات الناس حيال قضايا معينة أو لإشاعة الارتياب أو التعصب؛ وتشكل جميعها عوامل قد تدفع الناس إلى تغيير آرائهم وأفكارهم بطرق مفاجئة ومدهشة.

بعض الأبحاث كشفت أن أحد أسباب الاستقطاب السياسي يعود إلى الدور الذي يقوم به المدونون الذين لديهم الآلاف من المتابعين والحسابات المؤثرة، ونظرا لأن البعض منهم قد يتبنى موقفا سياسيا جامدا، فإنه قد يكون مسؤولا عن حرمان الكثيرين من ممارسة حقوقهم بكل حرية، وهو ما يصفه خبراء الإعلام بـ”التلاعب بالعقول”.

أحيانا تتضافر جهود “المتلاعبين بالعقول” على مواقع التواصل الاجتماعي مع قوى سياسية موجودة على أرض الواقع، للإبقاء على أوضاع اجتماعية “مؤيدة” لأنظمة سياسية معينة، وذلك من خلال وصم المتظاهرين المطالبين بحقوقهم بأنهم مجرمون وخارجون عن القانون، وهو أمر مقصود ومتعمد.

المشكلة أن “مماليك الوهم” الافتراضيين قد عززوا في “سلطناتهم”من الأيديولوجيات والأفكار الرجعية التي عفا عليها الزمن، فضلا عن أنهم برمجوا أشخاصا حقيقيين بهيئة افتراضيين لتغذية الاستقطاب السياسي، ودفعوا الكثيرين إلى تبني مواقف جامدة ومتعنتة سياسيا.

الأصعب من ذلك التأثير النفسي على المستخدمين عندما يسمعون من يشتمهم وينال من أوطانهم وعقائدهم، من دون أن يكون لهم حق الرد، وفق أداة كتم الأصوات التي تمنحها تقنية المساحات الصوتية للمضيف حصرا.

صحيح أن مساحات تويتر عرفتنا على طرق أفكار مجتمعات بطريقة لم تستطع أن تقوم بها وسائل الإعلام التقليدية، لكنها في الوقت نفسه تمتلك أضرارها على الأشخاص وتسبب لهم الانزعاج أكثر من ضررها على منظومة القيم أو الأمن الوطني للدول. ولحد اليوم لا يوجد من يحد من ذلك الضرر بمن فيهم إيلون ماسك.

18