ملف حقوق الإنسان يعيد التوتر بين واشنطن والقاهرة

دأبت الإدارة الأميركية وبعض المنظمات الحقوقية الدولية على توظيف ملف حقوق الإنسان، لخدمة أغراض سياسية معينة، بذريعة احترام القانون وحماية الحريات، وبدأت تنصّب نفسها مرشدا ووصيا على دول أخرى وتكاد تحتكر سلطة تقييم الصواب والخطأ.
وأبرز تجليات هذه العملية تظهر من وقت لآخر مع مصر، حتى تحول الملف الحقوقي لواحد من المنغصات الرئيسية بين القاهرة وواشنطن، وبين الأولى وعدد من المنظمات الحقوقية العالمية.
قبل يومين صدر التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية، حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم لعام 2014، وحوى بعض الإشارات الإيجابية الخاصة بمصر في ما يتعلق بإجراء الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية خلال عام 2014، والإشارة إلى ما تواجهه مصر من اعتداءات إرهابية متكررة تستهدف المؤسسات الأمنية والمدنية علي السواء، لكنه حفل بكثير من الإشارات السلبية الخاصة بأوضاع حقوق الإنسان في مصر.
وقد استنكر التقرير الأحكام القضائية الصادرة في مصر ضد قيادات وأعضاء جماعة الإخوان، وزعم أن القضاء المصري والمحاكمات التي تجري تغلب عليها الأهواء السياسية.
في المقابل ردت القاهرة بعنف على ما وصفته بـ “المغالطات” التي انطوى عليها التقرير الأميركي، الذي لم يكن الأول من نوعه، حيث سبقته تقارير مختلفة، تطرقت إلى مسألة حقوق الإنسان في مصر، وأكدت أنها رصدت انتهاكات كبيرة.
لكن بهذا التقرير بدأت تخرج لعبة القط والفأر من سياقها المعهود، أي تقرير أميركي مقابل نفي مصر وهكذا، حيث اتسمت اللهجة المتبادلة في النقد والرد عليه بقدر عال من الحدة، لا يتناسب مع السياق السياسي العام الذي تمر به العلاقات المشتركة بين البلدين، والتي قطعت شوطا إيجابيا، عقب حدوث تحسن في بعض القضايا والملفات التي عكرت صفو العلاقات خلال الفترة الماضية.
وأكد خبراء في مصر لـ”العرب” أن التقرير الأميركي “مسيس ويهدف للضغط على الحكومة المصرية”، وطالبوا بضرورة توقف واشنطن عن الكيل بمكيالين، لأن مصداقيتها أصبحت على المحك، وعليها أن تعترف أن مصر تواجه حربا شرسة من جماعة الإخوان، التي تعد الأساس الفكري لكثير من الجماعات الإرهابية في العالم، وعليها أن تدرك أن صيانة الحقوق والحريات تتطلب دحر قوى التخريب والدمار والقتل التي تعمل في الظلام.
وقال بدر عبدالعاطي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، إن مصر تؤكد أنه لا يحق لأيّ دولة أن تنصّب نفسها سلطة تقييم للدول الأخرى، احتراما لمبدأ المساواة بين الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن هذا التقرير الذي يتناول أوضاع حقوق الإنسان في العالم ويتم تقديمه للكونغرس ليست له أي قيمة للدول الأخرى، ومن الأجدى أن تركز الدول على أوضاع مجتمعاتها في الداخل وتصحيح مسارها وما قد يكون لديها من تجاوزات وأخطاء.
وتابع عبد العاطي: أن معدّي التقرير استقوا المعلومات الواردة به من منظمات غير حكومية تفتقر إلى الدقة والمصداقية، وتتخذ من التحيز ضدّ الدولة المصرية منهجا لتشويه الحقائق وإثارة الزوابع لتحقيق مآرب خاصة بها.
وحول انتقادات تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الصادر مطلع شهر يونيو الجاري لحالة حقوق الإنسان في مصر، قالت داليا زيادة، مدير المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة، إن المنظمة درجت على استغلال حقوق الإنسان في أغراض سياسية.
وأضافت في تصريحات خاصة لـ”العرب” أنها تدين ممارسات منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي تسيء استغلال وضعها كمنظمة حقوقية في إصدار تقارير مبنية على بيانات كاذبة وذات طابع سياسي، تساهم من خلالها في دعم التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط، وإعاقة الدول من محاسبتهم تحت سلطة القانون.
وأكدت زيادة أن “هيومن رايتس” أصدرت تقريرا اعتمد على معلومات مغلوطة دون تدقيق، أدانت فيه أحكام السلطات القضائية المصرية لأنها قامت بمحاسبة عناصر إرهابية تورطت في ممارسة أكثر من ثلاثة آلاف جريمة بين تخريب منشآت وقتل مدنيين وزرع قنابل في كافة ربوع مصر.
وكلها قضايا مثبتة وقامت السلطات القضائية بدراستها والتحقيق فيها باستفاضة قبل إصدار الحكم، وبدلاً من الثناء على قدرة مصر على إعلاء سيادة القانون، لجأت المنظمة إلى تصوير الإرهابيين على أنهم مضطهدون.
ولفتت زيادة الانتباه إلى أن المنظمة لجأت في دعم تلك الأكاذيب، إلى بيانات غير دقيقة وغير واقعية تروّجها جماعة الإخوان المسلمين، بأن في مصر أعدادا كبيرة من الاعتقالات التعسفية، رغم أن هذا أمر مستحيل الحدوث تحت سلطة الدستور الجديد والتشريعات القائمة حالياً.
وأضافت “لقد أنهت مصر العمل بقانون الطوارئ منذ سنوات، والقوانين الحالية تمنع الاعتقال التعسفي، ويحتم على قوات الشرطة تسجيل بيانات جميع المسجونين في استمارات توضح سبب حبسهم ومدته.
وقالت إن المركز المصري الذي ترأسه يعد حاليا ملفا ضد استغلال هيومن رايتس ووتش لوضعها الحقوقي في دعم أجندات سياسية لجماعات إرهابية، لتقديمه إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، مؤكدة أن المركز تواصل مع المنظمة أكثر من مرة وطلب معرفة مصادر التمويل، دون أيّ رد أو حتى نشر هذه البيانات على صفحاتهم، بما يزيد من الشكوك في أنهم ممولون من قبل جهات مشبوهة، بينها الإخوان، لهذا يصدرون تقارير مغرضة.