ملف الثروات في الأردن يُستدعى وفق مواقيت اجتماعية ويغيب بغيابها

كثر الجدل في الآونة الأخيرة حول ملف الثروة المعدنية والموارد الطبيعية في الأردن بين من يقول بأن الأردن يعاني من فقر في موارده الطبيعية وشح في مصادر الطاقة، وبين من يصرح بأنه يمتلك من الثروات المعدنية ومصادر الطاقة ما يكفيه لسد حاجاته وما يتجاوز حاجاته.
عمان - أثار إعلان الحكومة الأردنية عن بدء مشروع لاستخراج الثروات الباطنية ضمن خطة الحكومة لمواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة جدلا واسعا في المملكة بين مشكك في الخطوة يرى فيها مسكنات لتبريد الاحتقان المجتمعي بسبب سوء الأوضاع المعيشية وبين مؤيد يرى الخطوة متأخرة لكنها ضرورية في هذه المرحلة الحرجة اقتصاديا.
وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية فيصل الشبول إن المشروع تضمن توقيع 12 مذكرة للبحث عن النحاس والذهب والنفط، وغيرها من المعادن.
وكشف الوزير عن “مشاريع إستراتيجية كبرى” بين الأردن ودول عربية تتضمن ربط الأردن كهربائيا مع العراق خلال يونيو المقبل، إلى جانب عزم الأردن إنشاء خط للناقل الوطني للمياه ومشاريع سكك حديد وقطار خفيف ومدينة جديدة.
وسبق للحكومات الأردنية المتعاقبة أن تحدثت عن ثروات معدنية في المملكة غير مستغلة، إلا أن ذلك حسب مراقبين كان مقرونا بتبريد الجبهة الداخلية المحتقنة جراء الصعوبات المعيشية التي أثقلت كاهل الأردنيين. ويضيف هؤلاء المراقبون أنه بمجرد “الالتفاف” على المطالب الاجتماعية عبر هذه ” المسكنات” يخفت ملف الثروات ليُستدعى مجددا عند الطلب.
القضية الأساسية ليست وجود الثروات المعدنية والمحروقات في الأردن، وإنما الجدوى الاقتصادية من استخراجها
وشهد الأردن في ديسمبر الماضي وعلى امتداد أسابيع موجة من الاحتجاجات الاجتماعية عقب قرار الحكومة الترفيع في أسعار المحروقات استطاعت السلطات تهدئتها بصعوبة، فيما ينذر قانون الموازنة لعام 2023 الذي يعول على الترفيع في المداخيل الضريبية لسد العجز المالي بتجدد الاحتجاجات.
وتبدي الحكومة الأردنية جدية غير مسبوقة في التنقيب عن النفط والثروات المعدنية، رغم أن الحكومات السابقة همشت الملف على مدى أكثر من 6 عقود.
ويرى خبراء ومختصون في قطاع الطاقة أنّ الأردن وصل إلى مرحلة اقتصادية صعبة احتدت بسبب جائحة كورونا وتداعياتها واضطر بسببها إلى إعادة فتح ملف الاستكشافات النفطية والمعدنية، لاسيما في ضوء توفر الشواهد التي تؤكد وفرة العديد من المعادن وكميات جيدة من النفط الخام والغاز. وفي المقابل أثبتت عدة دراسات عدم الجدوى الاقتصادية لاستخراج النفط والعديد من المعادن.
وقال رئيس نقابة الجيولوجيين صخر النسور “الأردن يزخر حسب المؤشرات بالثروات المعدنية والنفط، وخاصة الصخر الزيتي (النفط الصخري)، لكن غياب العمل المؤسسي والجدية من قبل الحكومات السابقة قد حال دون استخراجها والاستفادة منها حتى الآن”.
وأكد النسور على “ضرورة العمل على استغلال الثروات المعدنية واستخراجها لإنعاش الوضع الاقتصادي، وتعزيز الموارد المحلية في ضوء ارتفاع عجز الموازنة العامة، بيد أن مشاريع التعدين تساهم بشكل كبير في توفير فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة وتحريك مختلف القطاعات”.
ويقول مختصون إنّ الأردن يمتلك ثروات معدنية مهمة، مثل الفوسفات، تغطي نحو 60 في المئة من مساحة البلد، فضلا عن الصخر الزيتي باحتياطي يبلغ نحو 40 مليار طن، وهناك دراسات تتحدث عن النحاس والمنغنيز وأملاح البحر الميت واليورانيوم المقدر بحوالي 65 ألف طن، وغيرها.
12
مذكرة تفاهم تم توقيعها ضمن المشروع للبحث عن النحاس والذهب والنفط، وغيرها من المعادن
وفي المقابل يشير محللون إلى أن القضية الأساسية ليست وجود الثروات المعدنية، وإنما الجدوى الاقتصادية من استخراجها، بمعنى الكلفة النهائية للتعامل معها قبل استهلاكها أو تصديرها، ففي الأردن ترتفع الضرائب وكلف الطاقة واستيراد التكنولوجيا المناسبة للتعامل مع هذه الثروات، وهو ما يجعلها غير مجدية اقتصادياً.
ويعيش الأردن أزمة اقتصادية خانقة في ظل عجز الميزان التجاري وارتفاع نسب المديونية التي بلغت أرقاما قياسية.
ويعاني البلد، وهو أحد أبرز بلدان الشرق الأوسط التي تعتمد على المساعدات، من صعوبات اقتصادية متنوعة منذ سنوات أثرت على نسب النمو وانعكست على معدلات البطالة، مما يتطلب وصفة تضمن الإبقاء على استمرارية الوظائف واستدامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بوصفها العمود الرئيسي لخيمة الاقتصاد.
ويحاول الأردن أن يعوض نقص دعمه الخارجي بإجراءات حكومية لا يقبلها الشعب، ومنها مشتقات النفط التي شهدت أسعارها ارتفاعا كبيرا أدى إلى حدوث إضراب قطاع النقل في الخامس من الشهر الجاري، وما نتج عنه من تطورات واحتجاجات أسفرت عن مقتل 4 من رجال الأمن ومشتبه به في قتل واحد منهم.
ويتوقع مراقبون استمرار المصاعب الحكومية في الأردن هذه السنة، مرجعين سبب ذلك إلى “استمرار التوسع في الإنفاق ما بين 9 إلى 10 في المئة، وعجز في الموازنة بـ2.6 مليار دينار (3.6 مليار دولار)، ونسب نمو متدنية لا تزيد على 2.6 في المئة، وبطالة نسبتها 22.6 في المئة وفقر نسبته 22 في المئة”.
وحسب تبرير الحكومة لا يستطيع الأردن حل تلك المشكلة إلا باللجوء إلى الاقتراض الخارجي والداخلي، وهو ما أدى إلى ارتفاع قيمة المديونية إلى 50 مليار دولار، بما نسبته 116 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.