ملف التعويضات يجر بن سدرين إلى الإيقاف بتهمة التزوير

مذكرة إيقاف الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة في تونس تبدو على صلة بتحقيقات حول ملف فساد مالي كبير كان قد فتحها القضاء التونسي منذ مارس من العام الماضي.
الخميس 2024/08/01
القضاء التونسي فتح منذ أشهر طويلة ملف الفساد في هيئة الحقيقة والكرامة

تونس - أصدر القضاء التونسي الخميس مذكرة توقيف بحق سهام بن سدرين المعارضة التونسية السابقة والرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة التي تم تشكيلها على اثر ثورة يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي، وذلك بتهمة تزوير في ملف التعويضات للمتضررين من النظام الأسبق.

وتشير هذه التطورات إلى أن القضاء التونسي يتابع منذ أشهر طويلة ما يعتقد أنه أحد أكبر ملفات الفساد وإهدار المال العام في ما يتعلق بقضية التعويضات للبنك الفرنسي التونسي وللمتضررين في عهد نظام بن علي وبينهم العشرات أو المئات من حركة النهضة الاسلامية التونسية التي اتهمها معارضون في السابق حين قيادتها لحكومتي الترويكا بعد ثورة 2011، باختراق هيئة الحقيقة والكرامة.

ويقول هؤلاء إن النهضة حصلت على تعويضات ضخمة لكن ليس ثمة ما يشير في الوقت الراهن إلى ذلك إلى حين انتهاء التحقيقات في قضية التزوير والتلاعب في ملف التعويضات والتي على إثرها تم إصدار بطاقة إيقاف بحق بن سدرين.

وفي 7 مارس 2023، أعلنت بن سدرين، أن السلطات القضائية "بدأت ملاحقتها في قضية تزوير، كما منعتها من السفر خارج البلاد"، على خلفية الدعوى المرفوعة ضد الدولة التونسية أمام المركز الدولي للنزاعات، فيما يعرف بقضية "البنك الفرنسي".

وفي 22 ديسمبر من العام الماضي أعلنت وزارة أملاك الدولة التونسية في بيان، أنه بعد أربعة عقود تمّ الحسم في أكبر قضية تحكيمية في تاريخ تونس والمتعلّقة بالنزاع القائم بين الدولة التونسية والشركة العربية للاستثمار الشريك الأساسي في البنك الفرنسي التونسي.

وبمقتضى الحكم القضائي، تعين على الدّولة التونسية دفع تعويض قدره ما يعادل نحو 400 مليون دولار، بينما ناهزت طلبات الخصم ما يعادل نحو 12 مليار دولار فيتلك الفترة.

والبنك الفرنسي التونسي مصرف تجاري تأسس عام 1879، وأصبح منذ عام 1983 محل تحكيم وتقاض دولي بعد إجراءات لزيادة رأسماله، سرعان ما تحولت إلى قضية مالية دولية بين تونس والشركة العربية للاستثمار (ABCI).

وجاءت مذكرة التوقيف في إطار تحقيق في شأن تقرير عن جرائم ارتكبت إبان النظام الأسبق أعدّته الهيئة التي كانت بن سدرين قد تولّت رئاستها والتي لاحقتها اتهامات بالفساد خلال فترة إدارتها للهيئة حتى من قبل أعضاء فيها استقالوا أو جرى استبعادهم.

ونقل راديو 'موزاييك اف ام' الخاص عن مكتب الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس أن القضية تتعلق "بتدليس التقرير الختامي للهيئة في ارتباط بملف تعويضات" لمتضررين.

وهذه التطورات على صلة على ما يبدو بتحقيقات كان قد فتحها القضاء التونسي بحق الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة منذ مارس من العام الماضي ومنعها من مغادرة البلاد.

وترأست بن سدرين الهيئة التي أنشئت في العام 2014 في أعقاب ثورة يناير 2011 وكانت مكلّفة بإعداد قائمة بأعمال العنف التي ارتكبها مسؤولون حكوميون بين العامين 1955 و2013، أي إبان رئاسة الحبيب بورقيبة (1957-1987) وخلفه زين العابدين بن علي (1987-2011) وصولا إلى الاضطرابات التي شهدتها البلاد في مرحلة ما بعد الثورة.

في العام 2018 ومع انتهاء مهمّتها، أعدّت الهيئة تقريرا موسّعا نشر في الجريدة الرسمية في العام 2020.

وتوصلت الهيئة التي اختتمت أعمالها نهاية 2018، إلى إحالة 72 لائحة اتهام للقضاء وأكثر من 80 لائحة اتهام لم يستكمل فيها التحقيق، كما سلمت تقريرها الختامي للرئيس السابق الراحل الباجي قايد السبسي مطلع يناير 2019.

في تقريرها النهائي دعت هيئة الحقيقة والكرامة التي استجوبت نحو 50 ألف شخص ممن يعتقد أنهم ضحايا وأحالت على القضاء 173 ملفا، إلى "تفكيك نظام الفساد والقمع والديكتاتورية" القائم في مؤسسات الدولة.

وكشفت بن سدرين في العام 2023 في تدوينة على حسابها بفيسبوك أنها تخضع منذ فبراير 2021 لتحقيق قضائي بشبهات تزوير هذا التقرير. وأعلنت حينها أن السلطات القضائية بدأت ملاحقتها في "قضية تزوير"، كما منعتها من السفر خارج البلاد.

وقالت في تدوينتها "تمت دعوتي من قبل قاضي التحقيق في المكتب السادس بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي (هيئة قضائية لمكافحة الفساد)، في قضية تزوير محضر هيئة الحقيقة والكرامة"، مضيفة "قاضي التحقيق أعلمني بقرار منعي من السفر خارج البلاد"، بتهمة "الحصول على فوائد غير مبررة" و"إلحاق الضرر بالدولة والتزوير".

وتابعت "العديد من أعضاء مجلس هيئة الحقيقة والكرامة وموظفين (عملوا فيها) تم استجوابهم في الأيام الأخيرة من فرقة اقتصادية بثكنة العوينة (تابعة للحرس الوطني) في نفس القضية دون حضور محاميهم باعتبارهم شهودا في القضية".

وفي يناير من العام الحالي اعتبرت سهام بن سدرين أن تهمة التزوير التي تلاحقها في قضية الاستيلاء والفساد المرتبط بالبنك الفرنسي بالبلاد "باطلة".

وجاء ذلك خلال مؤتمر صحفي نظمته المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بالعاصمة تونس، لعرض رد الدولة التونسية على تقارير المقررين الأمميين الأربعة، بشأن الملاحقات القضائية ضد أعضاء في هيئة "الحقيقة والكرامة" بتهمة "الحصول على فوائد غير مبررة"، و"إلحاق الضرر بالدولة" و"التزوير".

وقالت بن سدرين إن التهمة التي تلاحقها في ما يتعلق بقضية البنك الفرنسي "باطلة"، موضحة أن "تقرير الهيئة ذكر أن هذا الملف فيه الكثير من إهدار المال العام وأن جميع الأطراف المتداخلة في كل الحكومات أساءت التصرّف فيه".

اتهامات وانتقادات

ولم تقتصر حزمة الانتقادات التي وجّهت لهيئة الحقيقة والكرامة على المعارضين لعمل الهيئة، بل اتهمت أطراف انتمت سابقا إلى الهيئة بن سدرين بالتفرّد في أخذ القرارات الحاسمة والمفصلية بطريقة أحادية.

ويقول هؤلاء إن بن سدرين لم تُسلم مؤسسة الأرشيف الوطني الأرشيفات التي تحصلت عليها، وسلّمتها لرئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد.

وفي العام الماضي كانت العضو السابق بالهيئة ابتهال عبداللطيف قد أعلنت أنها قدمت شكاية جزائية ضد بن سدرين. وقالت حينها في تصريح لإذاعة محليّة إنه "تم اتهامها بكشف ملف فساد في الهيئة وتحديدا في لجنة المصالحة للرأي العام"، داعية إلى "ضرورة فتح محاضر جلسات الهيئة"، مؤكدة أن "بن سدرين وأغلب الأعضاء تعمدوا رفض تقديم محاضر الجلسات الأصلية لدائرة المحاسبات واقتصروا على تقديم ملخصات فارغة".

كما اتهمت رئيسة الهيئة بـ"محاولة تهريب أرشيف لعدة وزارات وأجهزة في الدولة التونسية إلى أوروبا الغربية في 2017"، مضيفة أنها "تصدت لهذه المحاولة وأن بن سدرين كان هدفها منذ البداية بيع الأرشيفات للخارج لتكون لدى المخابرات الأجنبية".

وتعتبر شخصيات سياسية أن هيئة الحقيقة والكرامة انحرفت بالمسار الحقيقي للعدالة الانتقالية عبر إقحام حسابات حزبية وسياسية في نشاطها وخدمة مصالح أطراف تمكّنت من السلطة في ما بات يعرف في تونس بـ"العشرية السوداء".