ملف الانتهاكات والإعدام خارج القانون في مخيمات تندوف أمام مجلس الأمن الدولي

بوليساريو تفرض نظام قمع ممنهج حوَّل المخيمات إلى "سجن مفتوح".
الأربعاء 2025/06/18
رقابة عسكرية صارمة داخل المخيمات

عرض ممثلو المجتمع المدني الصحراوي أمام المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بجنيف تقريرا مفصلا عن الانتهاكات الإنسانية التي تجري في مخيمات تندوف وعلى رأسها الإعدام خارج إطار القانون بهدف قمع المعارضين ومنع أي محاولة للتمرد على بوليساريو لحل النزاع المفتعل.

جنيف - سلطت منظمات حقوقية صحراوية الضوء على الانتهاكات المرتكبة في مخيمات تندوف بالجزائر وكشفت عن تنفيذ الجيش الجزائري إعدامات خارج نطاق القانون وغيرها من التجاوزات الخطيرة في ممارسة ممنهجة لقمع معارضي جبهة بوليساريو الانفصالية، وذلك في اجتماع بمقر المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بجنيف.

وسلم ممثلو المجتمع المدني الصحراوي، رسالة مفتوحة كانت قد وُجّهت إلى المفوض السامي في 12 أبريل الماضي، توثق 21 حالة إعدام خارج القانون وقعت ما بين عام 2014 و9 أبريل 2025. وذلك على هامش انعقاد الدورة العادية التاسعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وأوضح ممثل تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية عبد الوهاب الكاين، أن الضحايا هم من المدنيين الصحراويين غير المسلحين، تعرّضوا لهجمات عنيفة دون أن تصدر منهم أي مقاومة أو استفزاز. واعتبر أن هذه الأعمال تهدف إلى التحكم في المحتجزين، وتقييد حرية التنقل، وقمع كل أشكال المعارضة لقيادة جبهة بوليساريو أو أي محاولة للهروب من المخيمات.

وتفرض بوليساريو رقابة صارمة على حرية التعبير والتجمع داخل المخيمات. وتواجه الجبهة الانفصالية أي انتقاد موجه إلى قيادتها أو تعبير عن الرغبة في العودة إلى المغرب، أو حتى المطالبة بإصلاح داخلي بالقمع الفوري. ويُمنع المعارضون من إنشاء منظمات أو عقد تجمعات سلمية. وغالباً ما يُستخدم العنف وسيلة لإسكاتهم.

ووثقت العديد من منظمات حقوق الإنسان ومنشقون سابقون عمليات اعتقال تعسفي طالت عشرات الأشخاص لمجرد التعبير عن آرائهم. وتُجرى بعض المحاكمات أمام “محاكم عسكرية داخلية” تفتقر لأبسط شروط العدالة، بينما يُختطف آخرون دون توجيه أي تهم، ويُحتجزون في سجون سرية داخل المخيمات مثل “الرابوني” و”الدهبية”.

العديد من منظمات حقوق الإنسان ومنشقون سابقون وثقوا عمليات اعتقال تعسفي طالت عشرات الأشخاص لمجرد التعبير عن آرائهم

من جانبه، حذّر الناشط الحقوقي الكاتب الإسباني بيدرو إغناسيو ألتاميرانو من تهجير قسري للقاصرين الصحراويين في إطار برنامج “عطل في سلام”، الذي تنظمه جبهة بوليساريو بتمويل من جمعيات إسبانية. ونبّه إلى أن هذا البرنامج يؤدي إلى “اقتلاع ثقافي، وتفكيك للأسَر، بل وفي بعض الحالات إلى غسل أدمغة وتدريب عسكري للأطفال.”

وأكد العديد من الناشطين والشهود أن ما يحدث في مخيمات تندوف من انتهاكات بحق المعارضين الصحراويين ليس مجرد تجاوزات فردية، بل هو نظام قمع ممنهج يقوم على تكميم الأفواه، وتحويل المخيمات إلى “سجن مفتوح”. مع غياب المساءلة، واستمرار دعم وتواطؤ الدولة الجزائرية، وهو ما يجعل هذه الانتهاكات جريمة جماعية صامتة، تستوجب تحركاً دولياً عاجلاً لحماية المدنيين الصحراويين.

وأعرب ممثلو المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن شكرهم للمشاركين على المعلومات المقدمة، وأكدوا أهمية استمرار التعاون مع تحالف المنظمات الصحراوية، مشددين على ضرورة الحفاظ على قنوات تواصل مفتوحة لتلقي معلومات موثوقة حول الأوضاع داخل مخيمات تندوف وفي منطقة شمال إفريقيا بوجه عام.

كما تناول اللقاء الجهود التي تبذلها المنظمات الصحراوية في إطار آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، مثل الاستعراض الدوري الشامل، والإجراءات الخاصة، وتقديم التقارير البديلة إلى لجان المعاهدات. وهي مساهمات تعزز حضور هذه المنظمات في النقاشات الدولية وما ينتج عنها من توصيات.

ويشكل هذا اللقاء خطوة مهمة في رفع ملف الانتهاكات المرتكبة في مخيمات تندوف إلى المستوى الدولي، ويعزز دعوة المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لحماية المحتجزين طالما ظلّوا في طي النسيان بعيدين عن تقارير الأمم المتحدة.

ممارسات جبهة بوليساريو تزداد عنفا تجاه المعارضين لها في ظل تزايد الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء

واعتبرت الوثيقة المقدمة إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان هذه الانتهاكات تتجاوز تصنيفها كمجرد حالات معزولة أو أخطاء عسكرية، لتعكس سياسة قمعية وعقابية ضد اللاجئين في مخيمات تندوف الواقعة فوق التراب الجزائري من قبل جيشها، وتشمل “حماية الجناة وضمان إفلاتهم من العقاب، إلى جانب عدم توفر سبل إنصاف أسر الضحايا”، وهو ما يشكل انتهاكا صارخا لالتزامات الجزائر الدولية، خاصة فيما يتعلق بحماية اللاجئين واحترام الحق في الحياة والسلامة الجسدية.

وطالبت المنظمات الصحراوية المجتمع الدولي بالضغط على العدالة الجزائرية لتتحمل مسؤولياتها الدولية “عبر إجراء تحقيقات شفافة ونزيهة في جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء الموثقة، ومعرفة وتقديم مرتكبي هذه الجرائم من المدنيين أو العسكريين إلى المحاكم.”

وشدد تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية على ضرورة إلغاء الجزائر تفويض ولايتها القضائية والقانونية والتدبيرية لجبهة بوليساريو، الذي يتعارض بشكل صارخ مع القانون الدولي الإنساني، وطالب بـ”تفكيك مخيمات تندوف في شكلها الحالي واستبدالها بنموذج يضمن الحقوق الأساسية للاجئين، بما في ذلك ضمان حريتهم في التنقل داخل وطنهم، والوصول إلى وسائل العيش الكريم من خلال الأنشطة الاقتصادية القانونية.

وتأتي هذه الشهادة الحية لتؤكد أن ممارسات بوليساريو تزداد عنفا تجاه المعارضين لها، في ظل تزايد الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، واستمرار خسارتها لدعم بعض الدول الحليفة لها مع فقدانها للشرعية التي تزعمها كممثل للشعب الصحراوي، في حين تؤكد الكثير من المؤشرات أن هذه القضية في طريقها إلى الحل النهائي.

وأكد معهد “كورديناداس” الإسباني للحكامة والاقتصاد التطبيقي أن حل نزاع الصحراء المغربية بات يقترب من نهايته، في ظل تغيّر المعادلات الدولية وتعزيز المغرب لموقعه الجيوسياسي والدبلوماسي.

وأشار المعهد في تحليل صدر في 11 يونيو الجاري، إلى أن عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي أعادت الزخم إلى الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية؛ وهو القرار التاريخي الذي تم اتخاذه خلال ولايته الأولى، والذي شكّل حينها انتصارا دبلوماسيا بارزا للمملكة. واليوم تتحرك الإدارة الأميركية نحو حلّ سياسي دائم يستند إلى مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

وكشف التقرير أن واشنطن تضغط بقوة على الجزائر لدفعها نحو الانخراط الجاد في المسار السياسي؛ من خلال إجراءات حازمة تشمل احتمال تقليص أو وقف تمويل بعثة الأمم المتحدة “المينورسو”، وتوجيه رسائل واضحة بشأن عدم جدوى الاستمرار في دعم جبهة بوليساريو، التي تُطرح اليوم في أروقة صنع القرار الأميركي ككيان قد يُصنّف منظمة إرهابية أجنبية، بناء على معايير قانونية واضحة.

4