ملفات خلافية ترخي بظلالها على علاقات تراس وماكرون

باريس - تثقل ملفات خلافية كثيرة على العلاقات الفرنسية - البريطانية ولا توجد مؤشرات حاليا تشير إلى أنها ستحل سريعا في ظل تولي ليز تراس رئاسة الحكومة البريطانية خلفا لبوريس جونسون، وهي التي أدلت بتصريحات حادّة ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يقود جهود تشكيل "أوروبا قوية"، بينما تتقدم رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة جبهة مناوئة.
وأبدى ماكرون حين أُعلن فوز تراس برئاسة حزب المحافظين وبالتالي برئاسية الوزراء في بريطانيا، حرصه على علاقات جيدة مع لندن بغض النظر عمن سيقودها، لكن خبراء توقعوا أن يستمرّ التوتر بين البلدين بحكم تشابك المصالح والقرب الجغرافي وبحكم شخصية تراس ذاتها.
وأصبحت ليز تراس رسميا الثلاثاء الرئيسة الجديدة للحكومة البريطانية خلال اجتماع مع الملكة إليزابيث الثانية، أضفى الطابع الرسمي على تعيينها، بعدما قدم بوريس جونسون استقالته.
وظهرت وزيرة الخارجية السابقة البالغة من العمر 47 عاما في صورة رسمية وهي تصافح الملكة، التي ستطلب منها تشكيل حكومة جديدة، وتصبح رئيسة الوزراء الخامسة عشرة خلال عهدها الممتد منذ أكثر من 70 عاما.
ولم تخف تراس هذه التوترات من خلال ردها في أغسطس أمام الناشطين من حزبها على سؤال لمعرفة ما إذا كانت تعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الداعم بشدة للمشروع الأوروبي، "كصديق أو عدو"، حين قالت إنها ستحكم عليه "وفقا لأفعاله".
ورد ماكرون بالقول إن "بريطانيا دولة صديقة وقوية وحليفة بغض النظر عمن يقودها، وأحيانا على الرغم من الأخطاء الصغيرة التي قد يرتكبونها في تصريحاتهم العامة".
وبعد فوز تراس الاثنين برئاسة حزب المحافظين أبدى ماكرون استعداده "للتمكن من العمل بين حلفاء وأصدقاء"، مشددا خصوصا على "التعاون في مجال الطاقة" بين البلدين.
وهناك العديد من الخلافات بين فرنسا وبريطانيا، لاسيما إدارة ملفات ما بعد بريكست مثل صيد الأسماك أو إيرلندا الشمالية.
ويرى السفير البريطاني السابق في باريس بيتر ريكتس أن عبر خطابها "الحاد جدا حيال أوروبا وخصوصا حيال ماكرون"، إنما تتوجه تراس إلى قاعدتها الناخبة بشكل أساسي.
وقال "بسبب القرب الجغرافي وحركة التنقل الكبرى للأشخاص والبضائع، يمكن أن تحصل احتكاكات بشأن بريكست، خصوصا بين بريطانيا وفرنسا".
وحوالي 55 في المئة من الشحن عبر الشاحنات الذي خرج من بريطانيا في 2020، مر عبر العبارات أو خط السكك الحديد بين دوفر وكاليه، بحسب البيانات الحكومية البريطانية.
وفي العام 2019، استقبلت فرنسا 12 مليون سائح بريطاني، فيما قام 3.6 مليون سائح فرنسي بزيارة بريطانيا، بحسب الأرقام الرسمية في البلدين.
ومنذ العام 2020، أدت القيود الناجمة عن انتشار وباء كوفيد - 19، إضافة إلى تغييرات في القواعد الناجمة عن بريكست، إلى حركة ازدحام كبرى في الشحن وصفوف انتظار طويلة على الحدود، نسبها المسؤولون السياسيون والصحف البريطانية في غالب الأحيان إلى التصلب الفرنسي.
وأضاف ريكتس "يمكننا أن نراهن على بقاء مستوى مرتفع من التوتر والاحتكاكات على الحدود"، لاسيما بسبب دخول نظام أوروبي جديد هو "إيتياس" لمراقبة المسافرين المعفيين من تأشيرات دخول خلال إقاماتهم القصيرة في الاتحاد الأوروبي، حيز التنفيذ السنة المقبلة.
وهناك خلافات حدودية أيضا علنا بين الدولتين حول صيد الأسماك، وهو خلاف يبدو أنه تمت تسويته حاليا، أو الهجرة غير القانونية إلى بريطانيا عبر المانش.
وتهدد لندن بانتظام بوقف مدفوعاتها البالغة سنويا عشرات الملايين من اليوروهات إلى باريس لمكافحة هذا العبور غير الشرعي، حيث تجاوز عدد الأشخاص الذين قاموا بذلك هذه السنة 27 ألفا، أي العدد المسجل تقريبا طيلة سنة 2021 (28526).
وفي المقابل وعلى الساحة العالمية، يتخذ البلدان الكثير من المواقف المشتركة. وتقول جورجينا رايت، الباحثة في معهد مونتاين في باريس، إن العاصمتين "لا تتوصلان على الدوام إلى الحلول نفسها لكنهما تتشاركان الكثير من المواقف".
والبلدان مرتبطان أيضا منذ 2010 بمعاهدات لانكستر هاوس التي كرست تعاونهما في مجال الدفاع، خصوصا تطوير الصواريخ.
وأعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الاثنين عبر إذاعة "آر.تي.أل" أنها تأمل في "بداية جديدة في العلاقات الفرنسية - البريطانية"، معربة عن أسفها لأن العلاقات "وبسبب موقف بريطانيا من المسائل الأوروبية، ليست على مستوى الدور الذي يجب أن يقوم به بلدانا".
وفي الوقت الراهن، يبدو أن القادة البريطانيين يريدون خصوصا إثبات أن البلاد يمكن أن تتولى مكانتها كقوة أساسية على الساحة الدولية رغم بريكست، تحت شعار "بريطانيا العالمية".
لكن رغبتهم في الظهور كأفضل حلفاء أوروبيين لأوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي تزعج فرنسا، التي تؤاخذ عليهم نزع المصداقية عن موقفها المتمثل بإبقاء الحوار مع موسكو، خصوصا بسبب أزمة شراكة "أوكوس" في عام 2021.
وأدت هذه الشراكة بين أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا إلى قيام كانبيرا بإلغاء عقد ضخم لشراء 12 غواصة فرنسية، ما أثار أزمة حادة وغضبا فرنسيا.
لكن جان - بيار مولني، نائب مدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية، قال إن "قضية أوكوس تجسد مبدأ بريطانيا العالمية المطبق في آسيا"، وتندرج في "إطار منطق" بريكست، مضيفا أن "الصعوبة الحقيقية هي أن بريطانيا التي لم تعد عضوا في الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن، تلعب ضد الاتحاد الأوروبي"، وهو لا يتوقع تغييرا على المدى القصير في ظل حكومة تراس.