ملفات الفساد في الجزائر رهن جدية السلطات في متابعة المتورطين

الجزائر - كشف مجلس المحاسبة في تقريره السنوي عن تحويل 15 تقريرا تفصيليا عن ملفات فساد عديدة إلى النواب العامين المختصين إقليميا، لمتابعتها وملاحقة المتورطين، غير أن البعض يعتبر أن الرهان على المحاسبة ليس مضمونا في الضغوط السياسية.
وأكد مجلس المحاسبة أن هذه التقارير تتعلق بقضايا مالية وإدارية تستدعي الملاحقة القضائية. كما أشار إلى أن المجلس قام بإنجاز 718 عملية رقابة من أصل 742 مسجلة، منها 613 تقريرا رقابيا تم إعداده.
ويعتبر ملف الفساد في الجزائر شائكا إذ إن المحاسبة نسبية ولا يكفي إعداد التقارير وإصدار التوصيات إذا لم تكن هناك متابعة حقيقية وتحقيقات لاحقة تساهم في الكشف عن الجناة ومحاسبتهم مهما كانت مناصبهم.
واعتبر الخبير الاقتصادي فارس هباش في تصريح لوسائل إعلام محلية، أنه رغم الجهود المبذولة فإن فعالية تقارير مجلس المحاسبة تتوقف على المتابعة وتنفيذ التوصيات، مشددا على أن المجلس كان يمثل أحد أعمدة الشفافية، ولكن للتحقيق تأثيرا أعمق ومستوى فعالية أنجع، يجب تعزيز دوره بالتنسيق مع السلطات الأخرى ومختلف أجهزة الرقابة.
وأضاف أن إصدار واحد وثلاثين تقريرا تفصيليا تتعلق بمخالفات الميزانية والمالية يعكس جدية المجلس في التعامل مع مختلف التجاوزات، كذلك في ما يخص قراءة عمل المجلس من ناحية الصلاحيات القضائية فإصدار 929 قرارا قضائيا بما فيها قرارات مالية وشخصية يبرز الدور الرقابي الحازم للمجلس، وفرض غرامات مالية وتوجيه تقارير للنيابة العامة خطوة مهمة لكنها بحاجة إلى المزيد من الدعم القضائي والتنفيذي لضمان تنفيذها
وأشار إلى ضرورة تفعيل تقارير المجلس، مؤكدا أنه يجب الاعتماد على تعزيز الاستقلالية حيث إنه يجب ضمان استقلالية مجلس المحاسبة عن أي ضغوط إدارية قد تعيق عمله حتى يتمكن من إصدار توصيات جريئة وقابلة للتنفيذ، كذلك تشكيل لجان حكومية مختصة لمتابعة تنفيذ التوصيات الصادرة عن تقارير المجلس والتأكد من اتخاذ الإجراءات المناسبة بحق في الوقت المناسب.
◙ لا توجد رغبة حقيقية لمعالجة الفساد في غياب إرادة حكومية في الكشف عن الأسباب الجوهرية التي تقف وراء انتشار الظاهرة لمعالجتها
وساهمت مشاركة المواطنين وجمعيات المجتمع المدني بالضغط على السلطة لتفعيل آليات حماية المبلغين عن الفساد التي يضعها القضاء تحت تصرفهم وسط حملات واسعة للحد من الفساد ومطالب بمحاسبة المتورطين.
وأنشأت الجزائر عدة آليات لمكافحة الظاهرة أبرزها الديوان المركزي لقمع الفساد، والسلطة العليا للشفافية والوقاية منه ومكافحته، كما منحت السلطات الأمنية صفة الضبطية القضائية بما في ذلك بعض الأسلاك الاستخباراتية للتحقيق في مختلف القضايا.
لكن متابعين يقولون إن ملف الفساد بشموليته ورغم الترسانة القانونية التي وضعت لمكافحته إلا أنه لا توجد نتيجة حقيقية لمعالجة الفساد، بغياب الرغبة الحكومية في الكشف عن الأسباب الجوهرية التي تقف وراء انتشار الظاهرة لمعالجتها.
وكانت السلطة في الجزائر عمدت إلى إطلاق سلسلة من التحقيقات الواسعة في قضايا فساد بعد الحراك الشعبي عام 2019، وتمت متابعة وتوقيف أبرز رموز النظام السابق، في مقدمتهم أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال اللذان شغلا منصب وزير أول، ووزراء وولاة ورجال أعمال، ومسؤولون آخرون، ومست المحاكمات “قضايا استيراد وتركيب السيارات وصفقات عمومية مختلفة والحصول على امتيازات عير مستحقة وعرقلة سير القضاء”.
وأصدر مجلس قضاء العاصمة في شهر فبراير الماضي حكما استئنافيا بالسجن لخمس سنوات نافذة بحق وزير عيّن في عهد الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، وهو نسيم ضيافات المكلف بالمؤسسات الصغرى، بتهم “تبديد المال العام واستغلال النفوذ والثراء غير المشروع”.
وذكر مصدر مطلع أن طبيعة منظومة الحكم في الجزائر تسمح بانتشار الفساد، إذ إن الاقتصاد المبني على الريع، وعدم وجود أسس وضوابط واضحة في التعاطي مع الاقتصاد الوطني، كلها عوامل تسهم مجتمعة في بروز ممارسات غير سوية في الاقتصاد.
كما أن الآليات الراهنة الضعيفة بداية من المنظومة المالية والبنكية الهشة التي يغلب عليها طابع السوق الموازية في التعاملات المالية بالعملة الصعبة، والخلل المسجل في هذه المنظومة، من الأسباب الكبرى التي تجعل من الفساد معادلة من الصعب التغلب عليها، بما يسمح بانتشار التجاوزات بحق الاقتصاد والمال العام.
وفي بعض الأحيان لا تنفصل متابعة قضايا الفساد عن الأهداف السياسية، إذ وجهت النيابة العامة في الجزائر تهما بالفساد لثلاثة أشخاص رُفضت ملفات ترشحهم إلى الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر الماضي، بزعم الاشتباه في ضلوعهم في دفع أموال لجمع التوقيعات الضرورية للترشح. كما أعلنت عن توقيف 68 شخصا احتياطيا في القضية ذاتها.
ولم يذكر بيان النيابة العامة أسماء المرشحين الثلاثة، لكن وسائل إعلام جزائرية أشارت إلى أسماء من بينها سيدة الأعمال المعروفة سعيدة نغزة، ورئيس التحالف الوطني الجمهوري بلقاسم ساحلي، وعبدالحكيم حمادي وهو مرشح حر، بينما شكك الكثيرون بهذه الاتهامات.