ملتقى جزائري افتراضي حول الأدب المقارن عند العرب

الثقافة العربية تحتاج اليوم إلى تكثيف البحوث حول الأدب المقارن لتجاوز المغالطات والأحكام المسبقة وتحقيق الانفتاح.
الثلاثاء 2020/12/08
الأدب العربي أثر وتأثر (لوحة للفنان نجا المهداوي)

الجزائر – يعتبر الأدب من أهم أشكال التعبير البشري، والتي من خلالها يمكن للإنسان أن يعبر عن كل ما يجول في نفسه من أفكار ومشاعر وعواطف وهواجس وخواطر بأسلوب راق وجميل، ويندرج تحت مفهوم الأدب الكثير من الأشكال والألوان الأدبية منها: النثر والشعر والقصة والرواية والمقالة والخاطرة وغيرها.

لكن الأدب لا يرتبط بالذات فحسب، بل هو في ارتباط وثيق باللغة التي يُكتب فيها وبالتالي بالأمة أو الشعب أو الجماعة التي ينتمي إليها من خلال اللغة، كما أنه يتجاوز الارتباط اللغوي إلى الارتباط التاريخي، حيث يعد الأدب المخزن التاريخي والثقافي واللغوي للأمم، لكن هذه الأمم تتأثر بأمم أخرى، وفي تلاقح الأمم يتأثر الأدب، ومن هنا ولد مصطلح “الأدب المقارن”.

يمكن تعريف الأدب المقارن بأنه علم يقوم على دراسة الآداب خارج حدود بلد معين، أي مقارنة أدب ما مع أدب آخر مختلف أو مع مجموعة من الآداب الأخرى، ويشمل أيضا مقارنة الأدب مع مجال آخر من مجالات التعبير الإنساني ودراسة علاقة هذا الأدب بذاك المجال، أي علاقة الأدب بأشكال أخرى من أشكال المعرفة والفنون والتعبير كالرسم والعمارة والموسيقى والنحت والديانات والفلسفة والاقتصاد وعلم الاجتماع والتاريخ وغيرها.

ويبحث الأدب المقارن في العلاقات التي تنطوي على التشابه والتأثير والقرابة بين مختلف الأمم، ويحاول أن يقرب بين الأدب ومجالات المعرفة ومجالات التعبير الأخرى. وكذلك يسعى للتقريب بين الظواهر والنصوص الأدبية، وذلك رغم وجود خلاف حول دقة مدلول هذا المصطلح والمراد منه، لأن الأدب المقارن منهج في دراسة الأدب وليس أدبا إبداعيا.

وترجع نشأة الأدب المقارن إلى العقد الثالث من القرن التاسع عشر، وربما إلى سنة 1827 حين بدأ الفرنسي أبل ڤييمان يلقي محاضرات في السوربون بباريس حول علاقات الأدب الفرنسي بالآداب الأوروبية الأخرى. والجدير بالذكر أنه استعمل فيها مصطلح “الأدب المقارن” وإليه يعود الفضل في وضع الأسس الأولى لمنطقه ومنطقته، في وقت بدأ يشهد تصاعد اهتمام العلوم الإنسانية في أوروبا بالبعد المقارني في المعرفة، إذ نشأ “القانون المقارن” و”فقه اللغة المقارن” و”علم الاجتماع المقارن” وغيرها.

ويلاحظ في التعريف السابق للأدب المقارن أنه ينطلق من فكرة التأثر والتأثير ليتجاوزها إلى المشابهة، أي أنه يركز على العلاقات ولا يجعلها شرطا لازما، وأنه يضيف بعدا جديدا إلى منطقة الأدب المقارن بدفعه إلى دراسة العلاقات بين الأدب وحقول المعرفة الأخرى ولاسيما الفنون. وبذلك يسجل نقطة إضافية شديدة الأهمية.

لكن الأدب المقارن كمبحث في الثقافة العربية ما زال يعاني من قصور رغم أهميته الملحة اليوم، لتنافذ العلوم الإنسانية، ولخلق صورة أكثر انفتاحا وتوازنا للذات وللآخر. ومن هنا جاءت فكرة إنشاء ملتقى خاص بهذا المبحث في الجزائر.

وفي إطلالة على أهم قضايا الأدب المقارن اليوم انتظم الملتقى الوطني الأول حول الأدب المقارن، الذي احتضنته جامعة يحيى فارس بمحافظة المدية جنوب الجزائر، وقد خلص الملتقى إلى أن هذا المجال ما زال يفتقر للبحث والدراسة من أجل تكريس هوية أدبية معينة.

الأدب المقارن كمبحث في الثقافة العربية ما زال يعاني من قصور رغم أهميته الملحة اليوم، لتنافذ العلوم الإنسانية، ولخلق صورة أكثر انفتاحا وتوازنا للذات وللآخر

وشهد الملتقى الذي حمل عنوان “الدراسات المقارنة المعاصرة في العالم العربي، أصولها المعرفية وقضاياها الفكرية”، مشاركة عدد من الباحثين؛ إذ خصص المحور الأول من الملتقى للأصول المعرفية والفلسفية للدرس المقارن العربي المعاصر، في حين تناول المحور الثاني تطورات الدراسات الأدبية المقارنة من حيث الأدب العام، والأدب العالمي، ودراسات الترجمة وجماليات الاستقبال الأدبي، وتناول المحور الثالث التجارب التطبيقية العربية في الدرس المقارن المعاصر، بينما خصص المحور الرابع لمناقشة تحولات الدراسات المقارنة المعاصرة.

وفتح الملتقى الذي استخدمت فيه تقنية التحاضر عن بعد، المجال واسعا أمام الباحثين لعرض رؤاهم بخصوص هذا الموضوع، إذ أشار الباحث عبدالقادر بوزيدة إلى عدم وجود مدرسة عربية في الأدب المقارن، داعيا إلى تضافر جهود المقارنين من أجل تكسير مسألة وجود أدب متفوق على أدب آخر.

وقدم الباحث طيب بودربالة مداخلة عن رؤية الباحث الفرنسي رونيه إيتيامبل للشرق، ركز فيها على مسألة الوعي المبكر في ما يتعلق بانحراف الدراسات المقارنة في فرنسا، وكيف نقد إيتيامبل توجهاتها المركزية، حتى صارت أشبه بمدرسة قائمة بذاتها من خلال دعواته للنظر إلى الآداب والفنون كلها، باعتبار أنها تشترك في خصائص معينة، وأنه لا أفضلية للآداب الخمسة الكبرى (الأوروبية) على غيرها من الآداب، خصوصا العربية والأفريقية.

وتناول الباحث وحيد بن بوعزيز في مداخلته “فخ المنافي أو الأدب في خدمة الإمبراطورية”، مسألة المركز والهامش، وتأثير التصور المركزي الغربي في تحديد السياسة، خاصة تجاه البلدان الأفريقية والآسيوية، ودور الحواضر الأوروبية في تدجين المثقف في العالم الثالث وتعويقه.

يشار إلى أن الملتقى تناول أيضا علاقات الآداب ببعضها البعض، ومسائل الهوية، والاختلاف الثقافي.

وفي انتظار ملتقيات أخرى حول الأدب المقارن، سيظل مصطلح “الأدب المقارن” مصطلحا خلافيا، لأنه ضعيف الدلالة على المقصود منه. وقد نقده الكثير من الباحثين ولكنهم في النهاية آثروا الاستمرار في استعماله نظرا لشيوعه، وتحتاج إليه الثقافة العربية بشدة اليوم لتبيان تأثير الثقافة الغربية فيها، وتجاوز المغالطات والأحكام المسبقة وتحقيق الانفتاح على الآخر.

15