ملتقى "السينما والتراث" يستعرض تحولات الملصق السينمائي عبر عقود

آسفي (المغرب) – تسلط فعاليات الدورة الأولى من ملتقى “السينما والتراث” الضوء على موضوع مهم هو الذاكرة السينمائية وتطور الفن السابع عبر عقود.
الملتقى انطلق الأربعاء ويستمر إلى غاية 30 مايو الجاري، بمدينة الفنون والثقافة بآسفي، بحضور ثلة من الفاعلين الثقافيين، وممثلي المجتمع المدني، إلى جانب مهتمين بالفن والتراث.
وتميز انطلاق هذا الحدث الثقافي، المنظم بالشراكة مع برنامج “آكت فور كومينيتي” ومديرية الثقافة بآسفي، ومجموعة من الهيئات الداعمة، تحت شعار “ديما سينما”، بافتتاح معرض فني فريد بعنوان “أفيشات أفلام سينمائية”.
ويضم المعرض مجموعة نادرة من الملصقات الأصلية لأفلام مغربية وأخرى عربية وأجنبية، ما يتيح للزوار فرصة استكشاف التحولات الفنية والتقنية التي عرفها الملصق السينمائي عبر العقود.
وبالمناسبة، أشاد ممثل وزارة الشباب والثقافة والتواصل بآسفي – قطاع الثقافة، سعيد شمسي، بتنظيم هذا المعرض، الذي يعد “محطة هامة لاسترجاع ذاكرة السينما، من خلال عرض أفيشات نادرة، وكاميرات وأجهزة عرض وأدوات إنتاج سينمائية ذات بعد تاريخي.”
وأكد شمسي أن الهدف من هذه التظاهرة يتمثل في تعزيز الثقافة السينمائية لدى الأجيال الصاعدة وإطلاعهم على تاريخ الفن السابع.
وأوضح عبدالرحيم السرغيني، الكاتب العام للنادي المغربي للمخطوطات والمسكوكات والطوابع، أن الملتقى يسعى ليكون تقليدا سنويا يحتفي باليوم العالمي للمتاحف (18 مايو)، ويهتم بالذاكرة البصرية المرتبطة بالسينما، عبر تسليط الضوء على تطور الملصقات السينمائية، انطلاقا من الرسم اليدوي والخط العربي، وصولا إلى أحدث تقنيات التصميم والطباعة الرقمية.
من جانبه، أبرز الباحث في التراث المغربي منير البصكري أهمية تنظيم مثل هذه الفعاليات بمدينة آسفي، بالنظر إلى ما تزخر به من إرث ثقافي غني، مذكرا بمساهمات المدينة في صناعة السينما الوطنية.
وسلط الضوء على أسماء بارزة نشأت في المدينة، من بينها المخرج الراحل محمد عصفور، ومحمد الركاب، مخرج فيلم “حلاق درب الفقراء”، وغيرهما من رواد الشاشة الكبيرة.
ويتضمّن برنامج هذه الدورة التأسيسية للملتقى ندوة علمية حول توظيف التراث في السينما، إضافة إلى عروض أفلام مغربية تناولت موضوع التراث كعنصر من عناصر الهوية الوطنية، فضلا عن فقرات تكريمية لعدد من الفعاليات المسرحية والسينمائية التي ساهمت في إثراء المشهد الثقافي والفني بالمدينة.
وبالعودة إلى بدايات نشأة السينما، لا بد من القول إنه مع بداية السينما الصامتة، ظهرت أولى ملصقات الأفلام كوسيلة دعائية تعتمد على الرسم اليدوي، وكانت تُصمَّم بأسلوب فني قريب من الملصقات المسرحية. وركّزت تلك الأعمال على تقديم نجوم الفيلم أو لحظة درامية بارزة، مع خطوط فنية متقنة وألوان زيتية ناعمة، ولم يكن الملصق مجرد إعلان للفيلم، بل قطعة فنية مستقلة، تنتمي غالبًا إلى فن الآرت ديكو.
اليوم تجاوز الملصق الورقي مفهوم الإعلان، وأصبح جزءًا من إستراتيجية تسويق متكاملة تشمل شبكات التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية
وفي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، سيطرت نجومية الممثلين على الملصقات، حيث بدأت أسماء النجوم تهيمن على الملصق، وبدأت الصور الفوتوغرافية تدخل تدريجيًا لتحل محل الرسوم اليدوية. أما في العالم العربي، فتميزت ملصقات الأفلام المصرية بطابع خاص يجمع بين البورتريهات اليدوية والشعارات الجذابة التي تعكس الطابع العاطفي أو الكوميدي للفيلم.
في السبعينات والثمانينات تحولت الملصقات إلى أدوات تسويقية أكثر تركيزًا على الجذب البصري المباشر. دخل التصميم الغرافيكي بقوة، وبدأت التقنيات الرقمية البدائية بالتأثير في الطباعة، وظهرت ملصقات شهيرة صارت أيقونية مثل ملصق فيلم “ستار وورز” حيث صار الملصق جزءًا من هوية الفيلم. وفي السينما العربية، بدأت تدخلات السوق تتحكم أكثر في المظهر الدعائي، فتراجعت القيمة الفنية للملصق لصالح الإثارة البصرية.
مع ظهور برامج التصميم الرقمي في التسعينات وبداية الألفينات، أصبحت الملصقات أكثر تركيبًا وابتكارًا، وساد توجه لتصميم ملصقات رمزية أو مجردة تختزل فكرة الفيلم دون كشف تفاصيله. وفي هذه المرحلة، كان تصميم الملصق يُنظر إليه كجزء من بناء العلامة البصرية للفيلم.
أما اليوم تجاوز الملصق الورقي مفهوم الإعلان، وأصبح جزءًا من إستراتيجية تسويق متكاملة تشمل شبكات التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، وفي أغلب الحالات يُطلق الفيلم بملصقات متعددة تجريبية تستهدف فئات جماهيرية مختلفة. كذلك، يشهد المشهد العربي مؤخرًا اهتماما بالجانب الفني للملصقات، خاصة في المهرجانات السينمائية. وهناك أيضا توجهات نحو تنظيم معارض عن تاريخ الملصقات وأخرى تستعرض أشهر ملصقات السينما العربية الكلاسيكية.