ملتقى الرواية بأغادير يعيد تأمل العلاقة بين الكتابة والقراءة

الرباط – ينظم بيت الرواية بالمغرب خلال الفترة من 21 إلى 23 نوفمبر الجاري بأغادير، الدورة التاسعة لملتقى الرواية (المهرجان الأدبي الدولي)، وذلك تحت شعار “الرواية: القراءة، التأويل والترجمة”.
ويأتي طرح هذا الشعار في وقت تعرف فيه الروايات اتجاهات مختلفة تلاحق الواقع في الحاضر والماضي، وتصنع لها خيالها الخاص وقضاياها الراهنة بأساليب مختلفة. ونحتاج إلى بحث مسألة التأويل إذ في أزمنة الحروب والأحداث المفجعة الكبرى يحضر التاريخ الشخصيّ غير المرويّ كرافد لا مرئيّ لقراءة تاريخ تلك الأزمنة من زوايا مختلفة، بحيث تكون لكلّ امرئ روايته، بحسب موقعه في سياق الأحداث وموقفه منها، ويكون في تبنّي الروائيّ لوجهة نظر بعينها، أو تدعيمها، انتصار لصاحب الموقع والموقف نفسه الذي يسانده بطريقته الفنّيّة، بينما تكون عملية القراءة كتابة أخرى للنص، بل وصار فعل القراءة هو المؤسس.
أما الترجمة فهي وإن كانت ليست بالقضية الجديدة، بل تعود جذورها إلى قرون خلت، فإنها اليوم صارت أكثر إلحاحا بل وضرورة في ظل تشابك مختلف الجغرافيات وتقاطع الثقافات والترابط الكبير الذي خلفته التكنولوجيا في المجتمعات البشرية، وبالتالي فإن ترجمة الروايات والأدب عموما باتت أمرا بالغ الأهمية للتواجد الثقافي.
وذكر بلاغ للمنظمين أن المهرجان يأتي في لحظة ثقافية تستدعي إعادة تأمل العلاقة بين الكتابة والقراءة، وفي سياق كوني يتطلب تجديد أدوات التأويل وتوسيع آفاق الترجمة، مشيرا إلى أن هذا الملتقى يحتفي بالسرد في تجلياته المتعددة، ويسائل مآلات النص في زمن التحولات العميقة.
ويعي القائمون على المهرجان أن قارئ الرواية العربية، منذ ثمانينات القرن الماضي، لاحظ أن فيض الدراسات المهتمة بتحليل الظاهرة التجريبية لا يفي بالحاجة لفهم قوى الاندفاع فيها، وإدراك أبعاد المغامرة الجمالية والوجودية، وبالتالي فإن الورقات البحثية واللقاءات التي يقترحها تقدم رصدا شاملا من مختلف الزوايا للعلاقة بين القراءة والتأويل والنص ورصد حركة التجريب وتقبلها.
وأضاف البيان أن هذه التظاهرة التي تحتضن فعالياتها قاعة إبراهيم الراضي ببلدية أغادير، وكلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بأيت ملول، تسعى لأن تكون فضاء للتقاطع بين الرؤى والتجارب، وملتقى للذوات المبدعة التي تسائل الراهن عبر الكتابة، وتستشرف المستقبل من خلال النص.
وتشارك في هذه الدورة نخبة من أبرز الأصوات الروائية والنقدية في المشهد الثقافي العربي والمتوسطي، من ضمنهم، من المغرب، الأكاديمي سعيد بنسعيد العلوي، والروائي والناقد عبدالقادر الشاوي، والروائيون إسماعيل غزالي، ويونس أوعلي، ومحمد حسيم، ورشيد خويا، وعماد الصالحي، ومن إيطاليا، المترجمة والأديبة فرانشِسكا فالينته، والمترجمتان الباحثتان كريستينا دوزيو وغراتسيا ديللورو.
كما يثري المهرجان حضور أصوات روائية عربية بارزة من ضمنها الروائيتان السورية مها حسن، والتونسية فائقة قنفالي، والمصرية نجلاء والي، والروائيون السعودي عبده خال، واليمني عبدالرب سروري، إلى جانب الكاتب والناشر الفلسطيني خالد سليمان الناصري.
وحسب البلاغ، فإن هذا التنوع في الحضور يعكس رؤية المهرجان في خلق فضاء للتلاقح الثقافي والتبادل المعرفي، حيث تلتقي التجارب السردية المختلفة لتنسج حوارا خصبا حول الكتابة والقراءة والترجمة.
وفي لفتة تكريمية تستحضر العمق الفكري والإبداعي، يحتفي المهرجان هذه الدورة بأربع شخصيات بارزة هي المغربي سعيد بنسعيد العلوي، والإيطالية فرانشِسكا فالينته، واليمني حبيب عبدالرب سروري، والسعودي عبده خال.
ويتميز برنامج هذه الدورة بانفتاحه على فضاءات متعددة في جهة سوس ماسة، متجاوزا الفضاءات التقليدية نحو المؤسسات التعليمية والمقاهي الثقافية والساحات العمومية، بشكل “يترجم رؤية المهرجان في دمقرطة الثقافة، والعدالة الأدبية المجالية، وجعل الفعل الإبداعي ممارسة يومية حية تتجاوز النخبوية نحو تشكيل وعي جمالي جماعي”.
وتتنوع فقرات البرنامج بين لقاءات مفتوحة مع الكتّاب تسائل تجاربهم الإبداعية وتكشف عن مختبراتهم السردية، وجلسات نقدية تتناول إشكاليات القراءة والتأويل في ضوء التحولات المعرفية والرقمية المعاصرة، وورشات تكوينية تستهدف صقل المواهب الشابة وتطوير أدواتها التعبيرية، علاوة على تنظيم معارض للكتب تحتفي بالمنجز الإبداعي وتتيح التواصل المباشر بين المبدعين والقراء، ودردشات أدبية في فضاءات غير تقليدية تكسر الحواجز بين النص ومتلقيه.
وأشار البلاغ إلى أنه بهذا “الحضور النوعي” للمبدعين والمفكرين، يؤكد المهرجان دوره كمنصة حيوية لإنتاج المعنى وتجديد أدوات القراءة والتأويل، بما يجعل منه “فعلا تأسيسيا يسهم في بلورة وعي نقدي وجمالي جديد، قادر على مواكبة تحولات العصر وطرح الأسئلة الجوهرية حول مصير الكتابة والقراءة في زمن التحولات الجيو – ثقافية.”