ملامح صفقة بين البرهان ومناوي لتحويل دارفور إلى ساحة استنزاف لقوات الدعم السريع

يرى متابعون أن دعوة حاكم دارفور لسكان الإقليم لحمل السلاح ليست بريئة، خاصة وأنها تأتي بعد دعوة مماثلة أطلقها الجيش في الخرطوم وباقي الولايات، ويحذر هؤلاء من أن الأمور تنساق نحو صراع متعدد الأبعاد، سيكون من الصعب جدا احتواؤه.
الخرطوم - تثير دعوة مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور وزعيم “حركة تحرير السودان” لسكان الإقليم الواقع غرب السودان إلى حمل السلاح مخاوف من دخول الصراع في البلاد منعرجا جديدا قد يصعب معه تحقيق أي سلام على المدى المنظور. ويرى متابعون للشأن السوداني أن دعوة مناوي مؤشر على خروج الحركات المتمردة في دارفور من دائرة الحياد “المزعوم”، والانخراط صراحة مع الجيش السوداني في الحرب التي يخوضها ضد قوات الدعم السريع.
ويرجح المتابعون أن صفقة جرت بين قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وزعيم حركة تحرير السودان من أجل تحويل دارفور إلى ساحة استنزاف لقوات الدعم السريع، بما يعقد مهمة الأخيرة في إرسال تعزيزات إلى العاصمة الخرطوم لمعاضدة القوات المنتشرة هناك. وكتب زعيم المتمردين السابق على حسابه على موقع تويتر الاثنين "أدعو مواطنينا الكرام جميعا، أهل دارفور شيبا وشبابا، نساء ورجالا، إلى حمل السلاح لحماية ممتلكاتهم".
وبرر مناوي دعوته بأن "الاعتداءات على المواطنين تضاعفت والكثيرين لا يرغبون في سلامة وحقوق المواطنين ويتعمدون تخريب المؤسسات القومية". وقال "نحن حركات الكفاح سنساندهم في جميع حالات الدفاع".
وجاءت هذه الدعوة بعد أيام قليلة من توجيه الجيش السوداني رسالة إلى العسكريين المتقاعدين يحثهم فيها على العودة إلى صفوفه مرة أخرى، في سياق الاستعداد لجولة قتال جديدة أكثر شراسة مع قوات الدعم السريع. كما استدعت وزارة الشرطة عناصرها المتقاعدين والقادرين على حمل السلاح، في العاصمة الخرطوم والولايات، بدعوى تأمين الأحياء السكنية والمناطق الحيوية.
◙ البرهان يعتقد أن باستمالته للمتمردين سينجح في هزيمة الدعم السريع لكنه يجازف بإدخال البلاد في متاهة
ويرى مراقبون أن انخراط مناوي في الصراع الدائر من شأنه أن يؤدي إلى تعقيد مهمة الوسطاء في تحقيق تهدئة في السودان، لافتين إلى أن زعيم المتمردين السابق يستعد منذ فترة إلى هذه الخطوة على ما يبدو.
وكان مناوي غادر في الثامن من مايو الجاري العاصمة الخرطوم على رأس رتل عسكري ضم أكثر من 300 سيارة مدججة بالسلاح والمقاتلين. ولاحقًا، قررت الحركات المسلحة الموقّعة على اتفاق السلام والتي يشغل قادتها مناصب عليا في الدولة نشر مقاتليها بداعي حفظ الأمن في ولاية شمال دارفور على أن تنفتح تدريجيًا لتشمل كل الإقليم.
وتعيش مدن الفاشر بشمال دارفور والجنينة بغرب دارفور وزالنجي بوسط دارفور، في حالة اقتتال دامٍ وسط مخاوف من تحوله إلى نزاع أهلي. وكانت الحركات المتمردة ولاسيما حركة تحرير السودان قد أظهرت في البداية حرصا على البقاء على الحياد في الصراع المتفجر منذ أبريل، على الرغم من كونها قريبة نسبيا من قائد الجيش.
وسعت هذه الحركات إلى لعب دور الوسيط بين البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميديتي)، طارحة مبادرة في هذا الصدد لم تحقق أيّ اختراق. ويعتقد المتابعون أن البرهان نجح على ما يبدو في تغيير موقف حركة تحرير السودان، وقد يكون قدم حزمة من المغريات لزعيمها، على أمل قلب المعادلة القائمة لصالحه.
ويشير المتابعون إلى أن البرهان يعتقد أنه باستمالته للحركات المسلحة سينجح في كسر شوكة قوات الدعم السريع لكنه يجازف بإدخال البلاد في أتون حرب متعددة الأبعاد، وسيكون الخاسر الأكبر فيها السودانيون. وقد تقود هذه الحرب إلى انفصال جديد في السودان.
ومنذ 15 أبريل، أسفر النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع عن مقتل المئات ونزوح أكثر من مليون شخص داخليا وفرار أكثر من 300 ألف شخص إلى الدول المجاورة. وبحسب بيانات موقع النزاعات المسلحة ووقائعها (أيه سي إل إي دي)، بلغت حصيلة القتلى منذ اندلاع المعارك 1800 شخص سقط معظمهم في العاصمة وفي مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور.
ومن المقرر أن تنتهي مساء اليوم الاثنين هدنة هشة استمرت أسبوعا تم التوصل إليها بوساطة سعودية – أميركية بمدينة جدة. ودعت واشنطن والرياض الأحد الطرفين المتحاربين إلى مواصلة النقاش لتمديد وقف إطلاق النار من أجل تسهيل "إيصال المساعدات الإنسانية التي يحتاجها الشعب السوداني". وقال الجانبان في بيان مشترك نقلته وكالة الأنباء السعودية إنه على الرغم من أن “الاتفاق ليس كاملا، فإن التمديد سيسهل إيصال المساعدات الإنسانية التي يحتاجها الشعب السوداني".
وذكر البيان أنه تم تسجيل على مدى أيام الهدنة عدة انتهاكات من قبل الطرفين أعاقت بشكل كبير إيصال المساعدات الإنسانية. وأعلنت قوات الدعم السريع استعدادها الكامل لمواصلة المباحثات لمناقشة إمكانية التوصل إلى تجديد اتفاق وقف إطلاق النار. وأكدت قوات الدعم السريع” في بيان "التزامها باتفاق وقف إطلاق النار قصير الأمد والترتيبات الإنسانية، الذي تم توقيعه بمدينة جدة السعودية في 20 مايو الجاري".
وأبدت "استعدادها الكامل لمواصلة المباحثات خلال آخر يومين من الهدنة تحت رعاية الوساطة السعودية – الاميركية لمناقشة إمكانية الوصول إلى تجديد اتفاق وقف إطلاق النار والترتيبات الإنسانية". وقالت إن "اتفاق وقف إطلاق النار قصير الأمد ألزم كلا الطرفين بإخطار لجنة المراقبة والتنسيق، باستعداده للموافقة على تمديد الاتفاق".
وذكرت أنه "بناء على ما تقدم، ستستمر قوات الدعم السريع في مراقبة الهدنة الحالية إلى نهايتها في 29 مايو الحالي، لاختبار مدى جدية والتزام الطرف الآخر للمضي في تجديد الاتفاق من عدمه".
وفي المقابل لم يبد الجيش حماسة لتمديد الهدنة قائلا إنه يبحث تلك الفرضية. واجتاز أكثر من 300 ألف شخص حدود السودان منذ اندلاع القتال، واتجهت الأعداد الأكبر شمالا من الخرطوم إلى مصر أو غربا من دارفور إلى تشاد. وطالت عمليات النهب والتدمير مصانع ومكاتب ومنازل وبنوكا في الخرطوم. وكثيرا ما تشهد العاصمة السودانية انقطاع الكهرباء والمياه والاتصالات، كما تعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية وكذلك نفاد الإمدادات الغذائية.
وقالت سامية سليمان (29 عاما)، وهي موظفة بشركة خاصة ومن سكان الخرطوم، لرويترز وهي في طريقها إلى مصر "نحن في طريقنا عبر البر إلى مصر خرجنا بسبب الحرب، لا يوجد علاج مع تدهور الكهرباء وشبكات الهاتف. لديّ أطفال أخشي عليهم من عدم وجود العلاج، أيضا أريد فرصا في المدارس لأطفالي، لا أعتقد أن الأوضاع سوف تعود قريبا في الخرطوم".
وأدى اتفاق الهدنة لتوقف القتال العنيف، لكن الاشتباكات المتفرقة والضربات الجوية استمرت. وتقول الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة إنه على الرغم من الهدنة فإنها تكابد للحصول على موافقات وضمانات أمنية لتوصيل المساعدات وفرق الإغاثة إلى الخرطوم وغيرها من الأماكن التي تحتاج إليها. كما تعرضت العديد من المستودعات للنهب.