ملامح تغيير حكومي مرتقب في مصر

القاهرة - بدأت المطالبات تتزايد من قبل إعلاميين قريبين من النظام المصري بضرورة إجراء تغيير كبير في الحكومة يتجاوز تعديل بعض الوزراء أو رئيسها فقط، لأن المشكلة ليست في هؤلاء، فهناك حاجة ضرورية إلى تعديل التصورات التي تعمل بها المنظومة لتمكنها من تجاوز مأزق الأزمة الاقتصادية بصورة جيدة.
وقالت مصادر مصرية لـ"العرب" إن الدولة كانت بحاجة سابقا إلى قدر من الهدوء يمكّن النظام الحاكم من ترتيب الأوضاع عقب ثورتين اندلعتا في البلاد وخلّفتا الكثير من العقبات في مجالات مختلفة، ووجد في مصطفى مدبولي رئيس الحكومة نموذجا لتسيير الأعمال بشكل مريح، وهو ما ينطبق على طريقة اختيار البرلمان وعمل الإعلام، وقطاعات أخرى لم ترض عنها شريحة كبيرة من المواطنين.
وظهرت في المرحلة الماضية أنواع مختلفة من الحسم والصرامة، أو ما يسمى في بعض الأدبيات الرسمية “الصمت العام” بحجة العمل بلا مناكفات سياسية، لأن هناك ما هو أكثر أهمية ويتعلق بتثبيت أركان الدولة في المجالات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لتخطي متاعب مرحلة كانت فيها مصر “شبه دولة”.
وحققت القاهرة جانبا كبيرا من الاستقرار الأمني ونجح النظام المصري في الوصول إلى أهداف كثيرة في تمتين ركائز الدولة، لكن هذه الطريقة لم تحظ بقبول سياسيين ومواطنين، لأنها أخفقت في تخفيف حدة المعاناة الاقتصادية، على الرغم من تبني الكثير من برامج الحماية الاجتماعية.
وفسرت المصادر ذاتها عبارة الرئيس عبدالفتاح السيسي في أحد مؤتمراته مؤخرا "بطلوا هري" أي توقفوا عن الانتقادات والسخرية، بأن ذلك ليس هو المقصود، حيث كان يعني "سأحقق لكم ما تتمنونه من تطلعات، وعليكم فقط الصبر والانتظار وسترون تغييرا حقيقيا في مجالات عدة".
وينسجم هذا التفسير مع الحديث المتزايد حول تغيير الحكومة كاملة الآن، وأيضا مع طرح أسماء غير تقليدية، من خارج الحلقات القريبة من النظام الحاكم، وغالبية الأسماء لديها خبرة اقتصادية كبيرة، ومعروفة بمهنيتها وكفاءتها واستقلالها.
ومن هذه الأسماء وزير الاستثمار السابق ونائب رئيس البنك الدولي محمود محي الدين، ونائب رئيس الوزراء الأسبق زياد أحمد بهاءالدين، وهما من الأسماء ذات الكفاءة والنزاهة العالية والقبول على المستوى السياسي.
ولفت تسريب اسمي محيي الدين وبهاءالدين إلى أن الرئيس المصري ينوي الخروج من عباءة الاختيارات التي افتقرت إلى الرؤى الاقتصادية العلمية، وأنه بحاجة إلى خبراء في مجال الخصخصة، والذي سوف يكون القاعدة التي يستند عليها الأمل في تجاوز الأزمة الاقتصادية الحادة، وكلاهما له باع طويل في هذا المجال.
وبصرف النظر عن اختيار أحدهما أو شخص آخر من خارج بورصة التشريحات المتداولة، فالنظام المصري بحاجة إلى رسائل تطمين اقتصادية وسياسية، لأن المرحلة المقبلة سوف تشهد الاستعدادات لإجراء الانتخابات الرئاسية (منتصف عام 2024) وما لم يتمكن الرئيس السيسي من طي الأفكار القاتمة التي تخيم على سماء البلاد، سوف تصبح عملية إعادة انتخابه شاقة، خاصة إذا لم تتحسن الأوضاع الاقتصادية.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين إن تغيير الحكومة أمر وارد، لكن الأهم وجود إستراتيجية طويلة تسير عليها الدولة، يطبقها الوزراء دون الاتجاه لتغيير أشخاص يفشلون في تحسين البيئة السياسية والاجتماعية.
وأشار في تصريح لـ"العرب" إلى أن "الحكومة تمارس عملها منذ حوالي ستة أعوام وغير واضح إذا ما كان التغيير سيطالها كلها أم مجرد تعديل وزاري في الحقائب الاقتصادية ولا يطال السياسية (..) في كل الأحوال مستويات التغيير المختلفة مطروحة، لأن الدولة لديها رغبة في وجود وزراء يملكون حسا سياسيا ينعكس إيجابًا في قدرتهم على التعامل مع المواطنين".
وشدّد بدرالدين على أن التغييرات الوزارية في مصر مرتبطة باستمرار الحكومة لفترة طويلة أو أنها لم تحقق المطلوب منها من قبل القيادة السياسية أو المواطنين، ووقعت في أخطاء تستوجب التعديل كمساعد في تجاوز مشكلات عديدة.
وأحبطت الأزمة الاقتصادية رهانات الكثير من المواطنين على الرئيس السيسي الذي وعدهم بالرخاء والرفاهية في بداية حكمه، دون أن يعلم حجم الأزمة وعلاقتها بتطورات عالمية خارج إرادته.
وبدأت الأزمة تفقده جزءا كبيرا من شعبيته التي جاء بموجبها إلى السلطة، وما لم يستطع تبديد الهواجس الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية بدرجة أقل التي تلازم فئة ليست هينة، سيكون تمرير الانتخابات الرئاسية المقبلة بصورة مناسبة مشكوكا فيه.
◙ تغيير الحكومة أمر وارد، لكن الأهم وجود إستراتيجية طويلة تسير عليها الدولة يطبقها الوزراء دون الاتجاه لتغيير أشخاص
ويستطيع الرئيس السيسي اجتياز الانتخابات المقبلة بسهولة مع وجود مرشح منافس على سبيل الديكور أو “المسرحية السياسية”، فهذه النوعية فقيرة شعبيا وأصحابها لا يملكون كاريزما أو حضورا في الشارع، فضلا عن اقترابهم من نظامه بشكل أو بآخر.
ويبدو أن السيسي يتحفظ على تكرار مسرحية الانتخابات الماضية، ونافسه فيها (شكلا) رئيس أحد الأحزاب الضعيفة، والمثير أن هذا المنافس في خضم فترة الترشيح والدعاية أعلن تأييده للسيسي، وبالتالي المطلوب استعادة الشعبية أولا، ثم التأكيد على أن كل ما تم من مشروعات قومية كان ضرورة وليس رفاهية.
ولذلك فليس المطلوب تشكيل حكومة جديدة في مصر لمجرد التغيير أو الإيحاء بأن الرئيس يستجيب لطموحات شعبه، لكن حكومة تستطيع إحداث التغيير والفارق بصورة عملية، فالأسماء لا تهم الناس بقدر ما تهمهم القدرة على تخفيف المعاناة.
وخلّفت المرحلة الماضية قناعات بأن النظام المصري يستريح إلى فرض إرادته وهيمنته بالطريقة التي يراها مناسبة ومريحة له، ودون اعتداد بأي انتقادات لتغول بعض الأجهزة الأمنية في الحياة العامة، أو إخفاقات حدثت في الشق الاقتصادي.
وأكدت المصادر ذاتها لـ”العرب” أن النظام المصري اعتاد ألا يكشف كل أوراقه مرة واحدة، وغير صحيح أنه لا يملك خطة للتعامل مع القضايا الداخلية والخارجية، وحتى لو بدا كأنه خسر بعضها، فالتدقيق في عبارة السيسي التي يرددها من حين لآخر (لن أضيعكم يا مصريين) تشير إلى أن لديه أدوات لا نعرفها سيظهرها لاحقا.