ملامح تحول كويتي في كفاءة إدارة الأصول السيادية

تحاول الحكومة الكويتية من خلال نظرة مختلفة لمستقبل الاستثمار جعل صندوقها للثروة السيادية، الأقدم في العالم، يستعيد بريقيه لمواكبة نشاط نظرائه الطموحين في منطقة الخليج العربي، وتحديدا في السعودية والإمارات، كأقطاب في أكبر الصفقات.
الكويت - يرسم قرار الكويت إعادة صناديق الثروة السيادية تحت إدارة وزارة المالية عقب تشكيل الحكومة الجديدة هذا الأسبوع ملامح تحول في سياسة الارتباك التي شابت حوكمة التصرف في أصول الدولة والعمل على تنميتها وتعزيز كفاءتها.
وأدمجت الحكومة حقيبة الشؤون الاقتصادية والاستثمار، التي كانت معنية بإدارة الهيئة العامة للاستثمار وصندوق احتياطي الأجيال القادمة، في وزارة المالية، حيث سيتولى الوزير الجديد أنور المضف قيادتها في المرحلة المقبلة.
ويسلّط تولي المضف، الذي يتمتع بخبرة واسعة في مجال المال والاقتصاد والسياسة، للمنصب الضوء على المصاعب والتحديات التي تواجه الهيئة تحديدا، كونها أعرق صندوق سيادي في المنطقة والعالم والأكبر حجما.
ويواجه أمير الكويت الجديد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، الذي اعتبر في أول خطاب بعد توليه الحكم أن “الإصلاح والتطوير” هما عنوان المرحلة المقبلة، الوضع السياسي ذاته الذي أثر على الاقتصاد وعرقل الإصلاحات لسنوات.
وعلى مدار سنوات خيمت حالة من عدم اليقين على الهيئة، وهي الأداة الاستثمارية الرئيسية للحكومة، في ظل الأزمات السياسية التي شهدتها البلاد بعد تصاعد الخلافات حول تشكيل مجلس الإدارة المكون من تسعة أعضاء قبل إعادة هيكلتها منذ عامين.
وفي 2022 رحل عن الهيئة العديد من كبار المديرين، بمن في ذلك رؤساء لأقسام رئيسية، في أعقاب إقالة رئيس مكتب الهيئة في لندن صالح العتيقي، ما عكس الانقسامات الداخلية في الصندوق.
وأحال وزير المالية السابق فهد الجارالله، الذي كان يرأس أيضا مجلس إدارة هيئة الاستثمار، في أكتوبر الماضي تجاوزات في مكتب الاستثمار الكويتي بلندن إلى النيابة العامة.
وقالت وزارة المالية في بيان آنذاك إن “القرار جاء بعد انتهاء لجنة من التحقيق بشأن التجاوزات بين عامي 2018 و2022، ومن بينها الدخول غير المشروع وإفشاء معلومات سرية، وإتلاف معلومات تخص الهيئة إلى جانب تجاوزات أخرى”.
ويعد البلد العضو في أوبك إحدى أغنى دول العالم، لكنه افتقر على مدى سنوات طويلة إلى وجود حكومة مستقرة، وغالبا ما كان يعيش حالة من الجمود السياسي الذي يتناقض مع واقع السلطة في دول الخليج المجاورة.
ويرى صندوق النقد الدولي أن تأخر الكويت في القيام بالإصلاحات اللازمة قد يؤدي إلى تضخيم مخاطر السياسة المالية المسايرة للدورة الاقتصادية وتقويض ثقة المستثمرين.
ومن شأن مثل هذا التأخير أيضا أن يعيق التقدم نحو تنويع الاقتصاد، ما يجعله أكثر عرضة لمخاطر التحول المناخي.
وخلال سنوات الطفرة النفطية عززت الكويت ثرواتها بفضل صادراتها الهائلة، وهو أمر وضع محرك اقتصادها في صدام مع تقلبات الأسواق، مع الجمود الذي يخيم على برنامج الإصلاح الطموح ضمن رؤية 2035.
وعلى عكس جاراتها في المنطقة، وخاصة السعودية والإمارات، لم تحدد الكويت منذ سنوات أسلوبا واضحا في طريقة تنمية الأصول السيادية مكتفية بالاستثمار في الأسهم والعقارات في الخارج.
ويربط المسؤولون زيادة محفظة الاستثمار السيادي باستقرار الأسواق الدولية التي عانت من تبعات وباء كورونا ثم الحرب في أوكرانيا، والآن تداعيات التوتر في الشرق الأوسط.
ولطالما سعى أقدم صندوق سيادي في المنطقة، الذي يبقي حجم محفظته ومخصصاته طي الكتمان إلى حد كبير، إلى حماية نفسه من الاضطراب السياسي عبر الالتزام بمهمة إعداد الدولة لمستقبل ما بعد النفط.
ووفق مؤسسة صناديق الثروة السيادية العالمية (أس.دبليو.أف.آي)، فقد استثمرت هيئة الاستثمار 2.8 مليار دولار فقط العام الماضي، مقارنة بنحو 31.6 مليار دولار ضخها صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
وساهمت الإمارات بنحو 29 في المئة من إنفاق الصناديق السيادية العالمية والبالغة 124.7 مليار دولار، إذ استثمرت مبادلة 17.5 مليار دولار وجهاز أبوظبي للاستثمار 13.2 مليار دولار والقابضة (أي.دي.كيو) نحو 5.8 مليار دولار.
وتمثل ندرة الصفقات الكبيرة تحولا جذريا في إستراتيجية الصندوق الكويتي، الذي كان من بين الأكثر نشاطا ضمن صناديق المنطقة. وحتى وقت قريب كانت مكانته محجوزة بين نخبة المستثمرين العالميين ولديه حصص في شركتي بلاك روك ومرسيدس.
وفي خضم الأزمة المالية العالمية عام 2008، استحوذ الصندوق على حصص في بنوك بما في ذلك سيتي غروب. واقتنص مكاسب كبيرة في 2022 بعد أن باع حصته في المجموعة الأميركية خلال 2009 مقابل 4.1 مليار دولار، بأرباح تجاوزت المليار دولار.
وكان مكتب الاستثمار الكويتي مستثمرا رائدا كذلك، حيث شارك في إدراج شركة الأسهم الخاصة تي.بي.جي في الولايات المتحدة.
984
مليار دولار أصول الهيئة، وهي الثالثة عربيا والـ12 عالميا وفق معهد الصناديق السيادية
ووفق أس.دبليو.أف.آي، فإن إجمالي الأصول السيادية للكويت تقترب من حاجز التريليون دولار، إذ تبلغ 984 مليار دولار، لتحتل الدولة المركز الثالث عربيا بعد الإمارات بنحو 2.2 تريليون دولار والسعودية بنحو 1.6 تريليون دولار، والمركز الثاني عشر عالميا.
وتستحوذ هيئة الاستثمار على أغلب قيم الأصول، والمتمثلة في أصول صندوق الأجيال المقبلة بقيمة تبلغ نحو 801 مليار دولار، ما يعادل 81.4 في المئة من إجمالي أصول الثروة السيادية المملوكة للحكومة بجهاتها المختلفة.
في المقابل تبلغ الأصول المدارة من قبل مؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في الكويت حوالي 137 مليار دولار، وهي الجهة المسؤولة عن مخصصات التقاعد في الكويت، وتقدّم مجلس إدارتها العام الماضي باستقالته تحت ضغوط ولم يُستبدل حتى الآن.
وكدليل آخر على مساعي كسر حالة الجمود، تعتزم الحكومة إنشاء صندوق سيادي ثان تحت اسم “سيادة” بهدف دفع التنمية وتعزيز النشاط الاقتصادي المحلي وتنويع الاستثمارات خلال المرحلة المقبلة.
ويستهدف تأسيسُ سيادة البالغ حجمه قرابة 100 مليار دولار إدارةَ استثمارات الحكومة وممتلكاتها في الشركات المختلفة والمشاريع الحيوية الأخرى التي تطرحها الدولة. ومن بين المشاريع التي تستثمر فيها الدولة محطات الكهرباء والماء.
ومن المتوقع أن يضم الصندوق الجديد الأصول التي تديرها هيئة الاستثمار والتي تركز على الاستثمارات الخارجية رغم التقلبات التي تشهدها الأسواق العالمية حاليا في ظل تأثيرات التوترات الجيوسياسية حول العالم.