ملاحقة سويسرا لوزير الدفاع الجزائري الأسبق تنكأ جراح العشرية الدموية

الجزائر - شكل توجيه الاتهام رسميا للجنرال ووزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار من طرف القضاء السويسري صدمة للنخبة الحاكمة أثناء العشرية الدموية، فتهم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الموجهة إليه ستحيي جراح المرحلة الدموية، بما حملته من شكوك حول ضلوع ضباط وقيادات عسكرية في تصفيات جماعية لمدنيين بدعوى الحرب على الإرهاب، كما تضع السلطة في موقع حرج تجاه التعاطي مع القضية رغم أن الرجل متقاعد وفي وضع صحي حرج.
ووجهت محكمة فيدرالية سويسرية بشكل رسمي تهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لنزار، ليصل بذلك مسلسل ملاحقة الرجل من طرف ضحايا وجمعيات ناشطة والذي بدأ منذ سنوات إلى مرحلة مفصلية، بما تحمله الخطوة من دلالات حول مصير ومستقبل الرجل (85 عاما) وكوكبة من القيادات والضباط الذين أداروا المرحلة آنذاك في شقيها السياسي والأمني.
وأفاد بيان النيابة العامة الفيدرالية السويسرية بأن “خالد نزار باعتباره شخصاً مؤثّرا في الجزائر بصفته وزيرا للدفاع وعضوا بالمجلس الأعلى للدولة، وضع أشخاصا محل ثقة لديه في مناصب رئيسية، وأنشأ عن علم وتعمد هياكل تهدف إلى القضاء على المعارضة الإسلامية”.
وأضاف “تبع ذلك جرائم حرب واضطهاد معمم ومنهجي لمدنيين اتُهموا بالتعاطف مع المعارضين”، وهو ما سيفتح المجال أمام إعادة تقليب ملفات المرحلة (1990 – 2000)، والتي حاول الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة طيها إلى الأبد من خلال مبادرتي الوئام المدني العام 1999، والمصالحة الوطنية في 2005، الأمر الذي سمح بعودة نحو 20 ألف مسلح إسلامي إلى المجتمع، وحماية قادة المؤسسة العسكرية من المساءلة والمتابعة.
في العام 2017 طوت النيابة العامة السويسرية الملف على أساس أن الحرب الأهلية في الجزائر لا تشكّل “نزاعا مسلّحا داخليا”
ورغم دور المبادرتين في استعادة الأمن في ربوع البلاد ووقف حمام الدم الذي راح ضحيته نحو ربع مليون جزائري بحسب بيانات رسمية، إلا أنهما لم تقنعا بشكل نهائي بعض الجمعيات الناشطة والأفراد المستقلين على غرار “جمعية الدفاع عن المفقودين”، ومن يصفون أنفسهم بـ”ضحايا” العنف الرسمي لمؤسسات الدولة (الجيش والأمن).
ويعرف الجنرال نزار بـ”قائد صقور المؤسسة العسكرية” الذين تدخلوا نهاية العام 1991 من أجل إلغاء المسار الانتخابي الذي استحوذ عليه آنذاك الإسلاميون في جبهة الإنقاذ بدعوى “حماية الجمهورية من الظلامية والتطرف الديني”، وهي النخبة التي يتهمها البعض بارتكاب مجازر جماعية في حق المدنيين خلال تسعينات القرن الماضي، في إطار ما كان يعرف حينها بـ”الحرب على الإرهاب”.
وأمام استحالة إرساء مصالحة وطنية حقيقية، بحسب جمعيات ومستقلين محسوبين على جبهة الإنقاذ، فقد لجأوا إلى متابعة بعض رموز المرحلة لدى محاكم أوروبية في باريس وجنيف، وتم توقيف الرجل بفرنسا في مطلع الألفية للنظر في شكوى رفعت ضده، غير أن السلطة السياسية بقيادة بوتفليقة سارعت لإنقاذ الرجل وتهريبه عبر طائرة خاصة من باريس إلى الجزائر.
وفي العام 2011 تم توقيف الجنرال نزار في جنيف لاستجوابه من طرف النيابة العامة بناء على شكوى قدمتها ضدّه منظمة “ترايل إنترناشيونال” غير الحكومية التي تحارب الإفلات من العقاب على جرائم الحرب، لكنه تم إطلاق سراحه وغادر سويسرا.
وفي العام 2017، طوت النيابة العامة السويسرية الملف، على أساس أن الحرب الأهلية في الجزائر لا تشكّل “نزاعاً مسلّحاً داخليا”، وأنّ سويسرا لا تملك صلاحية إجراء محاكمات لمتهمين بارتكاب جرائم حرب محتملة في هذا السياق.
مصادر مقربة من نزار تتحدث عن أنه يعاني من مشاكل صحية متعددة، ويعد أيامه الأخيرة
لكن الاستئناف الذي تم أمام المحكمة الجنائية الفيدرالية أعاد فتح الملف من جديد العام 2018 استنادا إلى أن “الاشتباكات في الجزائر كانت كثيفة إلى درجة أنها مشابهة لمفهوم النزاع المسلح على النحو المحدّد في اتفاقيات جنيف والسوابق القضائية الدولية، في قرار ألزم النيابة العامة بإعادة النظر في القضية”.
وبناء على ذلك، أحيلت قضية الجنرال نزار إلى المحكمة الجنائية الفيدرالية على خلفية “انتهاكات للقانون الإنساني الدولي بالمعنى المقصود في اتفاقيات جنيف بين عامي 1992 و1994 في سياق الحرب الأهلية في الجزائر، وعلى خلفية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية”.
وتتحدث مصادر مقربة من الرجل عن “أنه يعاني من مشاكل صحية متعددة، وأنه قد تم نقله إلى مقر سكنه بمسقط رأسه في محافظة باتنة (450 كيلومترا شرق العاصمة)، وأن الجنرال القوي يعد أيامه الأخيرة”.
ويواجه الرجل تعقيدات صحية وقضائية كبيرة، فهو إلى جانب قدراته الصحية التي لا تسمح له بمواجهة أطوار المحاكمة وتقبل أي عقوبة تصدر عنها، مما يطرح فرضية تغيبه عنها وانتظار تعاطف السلطة بعدم تسليمه، فإنه بات يشكل عبئا وحرجا للسلطة، قياسا بما قد يكشفه عن مشاركة أشخاص آخرين في الجرائم المتهم بها، خاصة إذا كانوا على قيد الحياة أو يمارسون مهام رسمية في الظرف الراهن.
ويشتبه في أن نزار قام على الأقل بـ”الموافقة وتنسيق وتشجيع، عن علم وتعمد، التعذيب وغيره من الأعمال القاسية واللاإنسانية والمهينة، وانتهاكات للسلامة الجسدية والعقلية، واعتقالات وإدانات تعسفية، فضلا عن عمليات إعدام خارج نطاق القضاء”.
وذكرت منظمة “ترايل إنترناشيونال” أنه “بعد ما يقرب من 12 عاما من الإجراءات المضطربة، فإن الإعلان عن المحاكمة يجدد الأمل لضحايا الحرب الأهلية في الجزائر (1991 – 2002) في الحصول على العدالة أخيرا”.