ملاحظات على هامش تعيين الشيخ حمدان بن محمد وزيرا لدفاع الإمارات

أهم ما يلاحظ في التعيينات التي يتم إقرارها في دولة الإمارات هو تمكين الشباب من المشاركة الفاعلة في ممارسة الحكم عبر التطبيق العملي للرؤى المعتمدة من قبل الآباء المؤسسين والسائرين على خطاهم.
الأربعاء 2024/07/17
تهيئة الأجيال الجديدة تقليد إماراتي راسخ

بالتزامن مع عيد ميلاده الخامس والسبعين، وبمباركة من رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تعيين الشيخ حمدان بن محمد بن راشد وزيرا للدفاع في حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، في سياق تعديل وزاري محدود شمل كذلك تعيين الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان نائباً لرئيس مجلس الوزراء، بالإضافة إلى مهامه وزيرا للخارجية واعتماد هيكلة رئيسة جديدة لمنظومة التعليم، وتعيين وزير للرياضة، ووزيرة دولة لريادة الأعمال.

وزير الدفاع الجديد الذي يعرف أيضا باسم فَزَّاع (41 عاما) تخرّج في العام 2001 في أكاديمية “ساندهيرست” العسكرية الملكية، وحصل على عدد من الدورات التدريبية الاقتصادية المتخصصة في كلية لندن للاقتصاد وكلية دبي للإدارة الحكومية، وفي 31 يناير 2008 أصدر والده الشيخ محمد بن راشد بصفته حاكما لإمارة دبي مرسوما أميريا بتعيينه وليا لعهد دبي اعتبارا من 1 فبراير 2008، وكان ذلك بعد حوالي عامين من تولي الشيخ محمد بن راشد منصب حاكم الإمارة في الخامس من يناير 2006.

والى جانب أن الشيخ حمدان يعتبر العضد الأيمن لوالده في إدارة شؤون الإمارة لاسيما من حيث توليه رئاسة المجلس التنفيذي منذ العام 2004، فإنه يمكن الوقوف عند جملة من الملاحظات من بينها:

◄ كما كان الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الأب المؤسس لنهضة دبي يرى نفسه في ابنه محمد منذ بداية الستينات من القرن الماضي، وكان يؤهله للحكم ويرى أنه سيسير على منواله

أولا، أهمية الخصوصية الاعتبارية والرمزية لتزامن القرار مع الذكرى الخامسة والسبعين لميلاد الشيخ محمد بن راشد (15 يوليو 1949) في أسرة يتحدر فيها الوالد الشيخ راشد من أسرة آل مكتوم، والوالدة الشيخة لطيفة من أسرة آل نهيان، حيث أنها ابنة الشيخ حمدان بن زايد الحاكم التاسع في سلسلة حكام أبوظبي.

ويأتي ذلك في سياق تقليد إماراتي راسخ يتمثل في تهيئة الأجيال الجديدة لتحمل مسؤوليات المستقبل انطلاقا من الممارسة العملية، حيث إن الشيخ محمد بن راشد كان قد تولى الإشراف على حقيبة الدفاع منذ قيام دولة الإمارات، عندما تم تشكيل أول حكومة اتحادية برئاسة شقيقه الأكبر الشيخ مكتوم بن راشد وأعلن عنها رسميا يوم 9 ديسمبر 1971، أي بعد أسبوع واحد من الإعلان عن الدولة الوليدة بقيادة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

وقد كان الشيخ محمد آنذاك في الثانية والعشرين من عمره، بحيث كان يعتبر أصغر وزير دفاع في العالم. ولم تكن القوات المسلحة الإماراتية قد تشكلت بعد على أسس علمية عصرية كما هي عليه اليوم، بل إن قرار توحيدها لم يتحقق إلا في 6 مايو 1976، لتكون تحت علم واحد وقيادة مركزية واحدة تسمّى القيادة العامة للقوات المسلحة، وذلك لتوطيد دعائم الاتحاد وتعزيز مسيرته.

ثانيا، يعتبر منصب وزير الدفاع منذ تأسيس الدولة في العام 1971 من نصيب إمارة دبي إلى جانب رئاسة مجلس الوزراء ووزارة المالية ومسؤوليات أخرى، في ما يتولى حاكم أبوظبي منصب رئيس الدولة ومنصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويتولى ولي عهده منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة. وقد تم إرساء هذا العرف السياسي في صياغة البناء الحكومي من خلال التوافقات التي حصلت بين الشيخ زايد مهندس دولة الاتحاد والشيخ راشد الذي كان أبرز شركائه في ذلك.

ثالثا، هذه هي المرة الأولى التي ينضم فيها ولي عهد دبي إلى الحكومة الاتحادية، وقد أشار والده إلى ذلك بالقول إن “ثقتنا كبيرة بأنه سيشكل إضافة كبيرة لحكومة الإمارات.. ومساهم رئيس في صياغة مستقبل دولة الإمارات بإذن الله”. وقد تزامن الإعلان عن القرار مع الاحتفال باليوم العالمي لمهارات الشباب، الذي أكد فيه رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد أن “تمكين الشباب والاستثمار فيه وتأهيله بمهارات المستقبل وعلومه ركن أساسي ضمن رؤية الإمارات التنموية الشاملة”، معتبرا “الشباب هم القوة والطاقة والطموح والثروة الحقيقية، كما أنهم ركيزة التنمية وقادة الغد في مجتمعاتهم وعليهم اكتساب كل ما يمكنهم من الإسهام الفاعل في تقدم بلادهم وصنع المستقبل المزدهر لها”.

◄ وزير الدفاع الجديد الذي يعرف أيضا باسم فَزَّاع (41 عاما) تخرّج في العام 2001 في أكاديمية "ساندهيرست" العسكرية الملكية، وحصل على عدد من الدورات التدريبية الاقتصادية المتخصصة

رابعا، لا يمكن المرور على اسم الشيخ حمدان بن محمد دون الانتباه إلى جملة من المؤشرات، من بينها الشبه الكبير بينه وبين والده في الرؤى والمواقف والتصورات والطموحات، وفي ممارسة الفروسية وسباقات القدرة والصيد وكتابة الشعر والتعلق بالتراث وملاحقة أحدث تقنيات العصر، وقد تخرج كل منهما في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا، حيث أن الشيخ محمد كان قد تخرج في العام 1968 من كلية مونز العسكرية البريطانية في ألدرشوت، هامبشاير، إنجلترا، والتي هي اليوم جزء من أكاديمية ساندهيرست التي تعتبر المدرسة الأم لأبرز القادة في المنطقة ومن بينهم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، والشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر. وكان الشيخ حمدان قال إن “ما يتعلمه المرء في الكليات العسكرية العريقة، مثل ساندهيرست، يتمحور حول قيم الانضباط والمسؤولية والالتزام، وهي قيم حيوية يحتاجها الإنسان في حياته العملية والخاصة إذا كانت تترتب عليه مسؤوليات كبيرة”.

خامسا، كما كان الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الأب المؤسس لنهضة دبي يرى نفسه في ابنه محمد منذ بداية الستينات من القرن الماضي، وكان يؤهله للحكم ويرى أنه سيسير على منواله وسيتمم مشروعه الذي بدأه منذ العام 1958، فإن الشيخ محمد بن راشد بدأ منذ بداية التسعينات يصب كل اهتمامه على ابنه الشيخ حمدان، ويرى فيه انعكاسا لصفاته الشخصية ولاهتماماته، حيث كثيرا ما يؤكد أن الولد سر أبيه، وهو مقتنع بذلك تماما، ومنذ أن أقر تعيينه رسميا وليا للعهد في 1 فبراير 2008، أسند إليه العديد من خطط التنمية المستدامة في إمارة دبي.

لعل أهم ما يلاحظه المرء من وراء مثل هذه التعيينات التي يتم إقرارها في دولة الإمارات سواء على الصعيد الاتحادي أو في مستوى الحكومات المحلية، هو سلاسة تلك القرارات وتلقائية التعامل معها من قبل المواطنين، والنظر إليها دائما على أنها لا تخرج من دائرة الترتيبات الداخلية المعتمدة لتحديد ملامح المستقبل وتهيئة الظروف الملائمة للتعامل مع التحديات التي يمكن أن يحملها معه، خاصة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتمكين الشباب من المشاركة الفاعلة في ممارسة الحكم عبر التطبيق العملي للرؤى المعتمدة من قبل الآباء المؤسسين والسائرين على خطاهم.

9