مكونات ليبية تنتقد عدم إشراكها في الملتقى التحضيري لمؤتمر المصالحة

طرابلس – يواجه الملتقى التحضيري لمؤتمر المصالحة الوطنية في ليبيا انتقادات واسعة بسبب عدم إشراك بعض المكونات والمنظمات المدنية، وذلك بعد خمسة أيام على اختتام أعماله، لإنهاء الأزمة في البلاد تمهيدا لإجراء انتخابات عامة.
واختتمت الخميس أعمال الملتقى التحضيري لمؤتمر المصالحة الوطنية في العاصمة طرابلس بحضور النائب بالمجلس الرئاسي عبدالله اللافي ومبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا عبدالله باتيلي، وبمشاركة ممثلين عن أطراف العملية السياسية والمدن الليبية.
وأعلن مجلس مؤسسة شيوخ ليبيا تحفظه على آلية انعقاده، داعيا المجلس الرئاسي إلى إعادة النظر في تنظيم مؤتمر وطني شامل وفق معايير قانونية وعلمية وفنية يعمل على صياغة قانون محكم للمصالحة، ومراجعة واعتماد قانون العدالة الانتقالية وإقرار الآليات اللازمة للتنفيذ.
وعاب المجلس في بيان نشره مساء السبت آلية انعقاد الملتقى، وقال إنها لم تسمح بدعوة "المعنيين الحقيقيين بالمصالحة الوطنية" من الحكماء والأعيان الفاعلين الذين يمثلون الشعب الليبي وروابطه وممثلي الضحايا، وكذلك الخبراء المختصين في مجال المصالحة والعدالة الانتقالية.
وأعرب المجلس عن "استغرابه" من دعوة ممثلين غير ليبيين في شأن وطني صرف، والتكاليف الباهظة للاستضافة غير المبررة في الوقت الراهن، وأكد نجاح المصالحة بين العديد من المدن الليبية مثل تاورغاء ومصراتة عبر وسطات ليبية وطنية دون تدخلات أجنبية، داعيا إلى انتخابات شاملة تتغير فيها جميع الأجسام القائمة في السلطة المعرقلة لإجراء الاستحقاق.
كما استنكرت المنظمة الليبية لحقوق الإنسان الأحد كل الإجراءات التي اتخذها ويتخذها المجلس الرئاسي بشأن المصالحة الوطنية، مشددة على أن ذلك حق يراد به باطل.
وقالت المنظمة في بيان "الشخصيات الليبية التي حضرت الملتقى تم اختيارها بمعرفة الرئاسي، في الوقت الذي ليس للمنظمين ولا عبدالله اللافي أي دور سابقا وحديثا في كل ما يتعلق بالمصالحة الوطنية".
وأضافت "اختتم اللقاء. كم هو الافتتاح مجهول الهوية بلا علم لدولة ليبيا وبلا نشيد وطني يعزف، بعد مرور 11 سنة من فبراير 2011، ونعبر عن أسفنا من كل هذا الإهدار للمال والوقت مقابل بقاء كيانات من صنيعة ستيفاني ويليامز لأطول مدة ممكن".
وتابعت "رجال المصالحة الوطنية الحقيقيون لم يحضر منهم أحد، والمشكلة في البلاد ليست لها علاقة بالخلافات الأيديولوجية، بل مرتبطة كليا بوجود هذه الأجسام المتحكمة بالمشهد السياسي دون قاعدة شعبية، والدعم الخارجي الواضح لها، مما سهل لها احتراف الفساد وإغراق الدولة الليبية في صعوبات ومشاكل ومختنقات ليس لها آخر، والبلاد تحتاج إلى التنمية بدل الفساد وبعدها سوف يتصالح الليبيون من دون الرئاسي وغيره".
وأضافت "هذا الملتقى التحضيري لن يكون له أي دور في أي مصالحة وطنية كما يزعمون، ولن يؤسس لشيء، وهو أحبار على أوراق بالية، كان من الممكن أن تطرح هذه الأفكار بداية 2012 وليس الآن، ونطلب من أبناء شعبنا ألا يلتمسوا الحلول من هذه الكائنات المغتصبة للسلطة، والتي تقف أمام عدم إجراء الانتخابات بكل ما أوتيت من دعم من الأطراف الخارجية والمخابرات الدولية".
وأعلنت بلدية مصراتة السبت رفضها "التام" لأعمال الملتقى التحضيري لمؤتمر المصالحة الوطنية، وعدم التزامها بمخرجات الملتقى، معتبرة أن ما حدث "صفقة مشبوهة"، مشددة في ذات الوقت على تمسكها بتحقيق "مصالحة وطنية حقيقية شاملة" ترتكز على الإعلان الدستوري وقانون العدالة الانتقالية وتقديم الجناة للعدالة، و"أسس ومبادئ فبراير".
وبررت البلدية في بيان موقفها بعدم استناد مخرجات الملتقى إلى "أحكام شريعتنا الإسلامية، وأسس العدالة الانتقالية، والأعراف والتقاليد الليبية"، وأكدت أن مدينة مصراتة هي جزء رئيسي في أي مشروع حقيقي للمصالحة.
وأعربت البلدية عن "الاستهجان والرفض القاطع" لما شاب الملتقى من "أحداث"، دون أن توضحها، وقالت إن "ما حدث لا يعدو عن كونه صفقة سياسية مشبوهة ولا يصل إلى مبادرة حقيقية للمصالحة".
وأكدت البلدية التمسك بـ"مبادئ وقيم وثوابت ثورة السابع عشر من فبراير"، وحمّلت المجلس الرئاسي وممثله بملف المصالحة المسؤولية الأخلاقية والقانونية حيال "التلاعب بملف المصالحة والمساس بمبادئ فبراير والسلم الاجتماعي".
وتعتبر المصالحة الوطنية أبرز ملفات وتحديات السلطة الجديدة في ليبيا، لاسيما وأنها تعد ركيزة بناء الدولة بعد الانتخابات العامة المقررة في ديسمبر المقبل.
وتستهدف الخطوة، التي تحدوها جملة من الملفات الشائكة وبشكل خاص في غرب البلاد، إعادة الثقة بين الليبيين وإزالة الخلافات.
وانطلقت في العاصمة طرابلس الأحد الماضي فعاليات الملتقى التحضيري لمؤتمر المصالحة الوطنية، بحضور رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي وممثلين عن الاتحاد الأفريقي وعدد من السفراء المعتمدين لدى ليبيا وأعضاء من مجلسي النواب والدولة والمشايخ والأعيان من مختلف مناطق ليبيا.
والأربعاء، قال المجلس الرئاسي في بيان إن الملتقى ناقش خمس قضايا رئيسية بحضور أكثر من 140 مشاركا من جميع الأطراف والمكونات والمناطق الليبية. ويستهدف الملتقى نقل توصيات محددة إلى المؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية لاتخاذ قرارات بشأنها. ووفقا للمجلس الرئاسي، فقد توصل المجتمعون إلى توافقات في العديد من القضايا، فيما لا تزال بعض القضايا محل النقاش، "في بيئة إيجابية دون إقصاء لأحد".
وقال المبعوث الأممي عبدالله باتيلي إن "المصالحة لن تكتمل في ليبيا إلا بحكومة موحدة ونظام اقتصادي واجتماعي وسياسي موحد".
وأضاف باتيلي، في تصريحات لوسائل إعلام ليبية محلية، أن الأمم المتحدة تدعم المصالحة الوطنية بوصفها مشروعا مهما، وهي خطوة جيدة نحو تأسيس ليبيا، مشددا على أن "كل قائد أو مواطن عليه أن يدرك الوضع الذي هو فيه ويتحمل مسؤولياته للتوصل إلى حلول، وإلا فإن ليبيا ستنقسم إلى أشلاء".
ومنذ مارس الماضي، تشهد ليبيا صراعا سياسيا، حيث منح مجلس النواب الليبي الثقة لحكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، بدلا من حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة التي ترفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.
ولحل هذه الأزمة، أطلقت الأمم المتحدة مبادرة قادت إلى تشكيل لجنة مشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة للتوافق على قاعدة دستورية لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، لكن هذا المسار تعثر.
ويأمل الليبيون أن يقود إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية إلى نقل السلطة وإنهاء نزاعات مسلحة وصراعات سياسية يعاني منها منذ سنوات بلدهم الغني بالنفط.