مكتسبات الصحافيين المالية على المحك في أزمة مجلس الإعلام المصري ونقابة الصحافيين

يخشى الصحافيون المصريون أن تكون مكتسباتهم المالية ضحية خلاف بين نقابتهم ومجلس الإعلام إثر توتر سياسي مع الحكومة بسبب مواقف النقيب المحسوب على المعارضة من بعض الأزمات الإقليمية.
القاهرة - تلوح في الأفق بوادر أزمة بين نقابة الصحافيين المصرية والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (حكومي) على خلفية وقف البدل المادي للتدريب والتكنولوجيا لعدد من الصحافيين دون العودة إلى النقابة التي تتولى مهمة صرف الرواتب الشهرية لجموع الصحافيين والتي تقدمها وزارة المالية، وهي مسؤولة عن الحفاظ على حقوق أعضائها، في ظل أبعاد سياسية ليست خافية مع وجود توتر مكتوم بين فئة من الصحافيين وجهات حكومية عقب الانتخابات الأخيرة التي فشل في تجاوزها عبدالمحسن سلامة مرشح الحكومة في مواجهة خالد البلشي مرشح المعارضة، ما قاد إلى غموض بشأن زيادة الموارد التي تقدمها الدولة لنحو عشرة آلاف صحافي.
ودعا مجلس نقابة الصحافيين الأحد إلى عقد اجتماع عاجل مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والذي يتولى مهمة تنظيم عمل وسائل الإعلام لمناقشة أزمة قطع بدل التدريب والتكنولوجيا (يُصرف بشكل شهري وقيمته 80 دولارا) لـ55 صحافيا في جريدة “الطريق” (خاصة)، والإجراءات غير المسبوقة التي اتخذها المجلس الأعلى بلا رجوع إلى النقابة والالتزام بالقواعد المعمول بها منذ عقود.
ودعا الصحافيون المتضررون إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر النقابة بوسط القاهرة الثلاثاء، اعتراضا على هذا الإجراء الذي جاء دون سند قانوني أو إجراء رسمي، ما يمثل “انتهاكا صريحا للحقوق النقابية والمهنية”، لافتين إلى أن التلاعب بحقوق الصحافيين في الجريدة (الطريق) يفتح الباب لسابقة خطيرة قد تُستَخدم لاحقا للنيل من مكتسبات صحافيين آخرين في مؤسسات مختلفة.
ورغم أن الأزمة في جوهرها ترتبط بنزاعات العمل القائمة بين الملاك والصحافيين، غير أن غياب التنسيق بين الجهات المسؤولة عن التعامل مع الأزمة يشي بوجود توتر، عززته انتقادات من دوائر قريبة من الحكومة للنقيب خالد البلشي حول استخدام درج النقابة لترديد شعارات معارضة لمواقف الحكومة من بعض الأزمات الإقليمية، ومشاركة نشطاء حقوقيين وشخصيات سياسية معارضة في احتجاجات قبل أيام وكانت مثار انقسام مهني بين الصحافيين.
ومنذ انتهاء انتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحافيين في بداية مايو الماضي، تشهد العلاقة بين الصحافيين وجهات حكومية حالة من التوتر، انعكست على الخطاب الذي استخدمه النقيب، حيث تحدث عن شن النقابة حملة لتعديل قانون تنظيم الصحافة والإعلام، المنظم لعمل المجلس الأعلى للإعلام، ويركز البلشي على تعديل المادة 12 الخاصة بالحصول على إذن للتصوير في الأماكن العامة والرجوع إلى الحالة القديمة التي تتيح للصحافي حرية الحركة.
وصمتت الحكومة المصرية عن مسألة زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا المقررة مطلع يوليو المقبل، ما أثار جدلا حول هذا الموقف وارتباطه باتجاه الصحافيين لمساعدة النقيب الحالي المحسوب على المعارضة للنجاح للمرة الثانية، ما يجعل المشكلات المهنية تأخذ منحنى سياسيا في ظل اختلاف وجهات النظر وعدم وجود توافق على الأولويات بين حكومة ترى أن الوضع الحالي لا يسمح بإثارة قضايا الحريات العامة، وبين نقابة تسعى لتحسين أوضاع مهنة تراجعت على نحو كبير.
وانتقد بيان لمجلس نقابة الصحافيين ما وصفه بـ”ازدواجية المعايير” بشأن تعامل مجلس الإعلام مع بدل التدريب، وأن الأخير خاطب النقابة سابقا بصرف بدل لشخص غير عضو، بناء على حكم قضائي، في وقت تم فيه حرمان 55 صحافيا من البدل رغم عضويتهم الرسمية، ما يعكس مفارقة صارخة في تطبيق القواعد.
وقال سكرتير عام نقابة الصحافيين جمال عبدالرحيم إن الأزمة الراهنة تحمل أبعادا مهنية، والمشكلة أن رئيس مجلس إدارة الصحيفة الخاصة (الطريق) تقدم ببلاغ قضائي بأن عقود الصحافيين مزورة، ما دفع نقابة الصحافيين إلى وقف قيدهم إلى حين الفصل في البلاغ، وبالفعل قامت النيابة العامة بحفظ البلاغ، وجرى قبول الصحافيين وقيدهم في جداول النقابة، وأخطرت النقابة مجلس الإعلام بصرف بدل التدريب والتكنولوجيا لهم، وهو ما حدث بالفعل.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “لكن رئيس مجلس إدارة الصحيفة أرسل بلاغات إلى مجلس الإعلام المصري ووزارة المالية، مفادها أن الصحيفة أغلقت ولا يحق للصحافيين صرف تلك الأموال في شكوى كيدية ضد الصحافيين ليقرر المجلس وقف البدل دون الرجوع إلى نقابة الصحافيين أو الاستماع لوجهة نظرها، في حين أنه في مرات سابقة كانت مثل هذه القرارات تصدر بعد التنسيق والتشاور، وأن النقابة تهدف إلى حل المشكلة وديا بلا تصعيد وسوف يكون هناك اجتماع مع مجلس الإعلام فور عودة نقيب الصحافيين من الخارج.”
ورفض عبدالرحيم الربط بين الأزمة الأخيرة وحالة القلق بشأن علاقة نقابة الصحافيين ومؤسسات حكومية تحدد قيمة بدل التدريب والتكنولوجيا، وأن الخطأ نابع هذه المرة من مجلس الإعلام، لأنه لم يخاطب النقابة ولا أحد يعرف السبب في ذلك.
ويشير الموقف الراهن إلى أن العلاقة بين نقابة الصحافيين وجهات رسمية تسير على طريق مليء بالأشواك، ما يجعل التوتر المصاحب للغموض مستمرا في وقت تبدي فيه قطاعات عديدة من الصحافيين رغبة في أن تتحسن أوضاعهم المهنية والاقتصادية دون أن يخضع الأمر لحسابات سياسية معقدة بين الحكومة والمعارضة.
وأكد رئيس لجنة استقلال الصحافة (حقوقي) بشير العدل أن التوتر واضح بين نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ممثلا في الهيئة الوطنية للصحافة، باعتبار أن هذه الجهات تمثل السلطة التنفيذية والأمر لا يرتبط ببدل التدريب والتكنولوجيا، لكنه أخذ مسارات أبعد تتعلق بسعي النقابة لتحقيق بعض المكتسبات المهنية عبر تعديل قانون تنظيم الصحافة، وهو ما يخضع للإطار التشريعي.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن نقابة الصحافيين تتحمل جزءا من مسؤولية المشكلة الحالية، لأن هناك حالة من التسيب وعدم الالتزام الكامل بالقوانين ولوائح القيد بالنقابة وهناك صحف تصدر بانتظام ولم يتم تكويدها، أي الاعتراف بها كصحف تعمل بانتظام، بالتالي يتم فتح الباب أمام قبول العاملين فيها بجداول النقابة وثمة صحف غير منتظمة استطاعت أن تقيد صحافييها، بما يفرز أزمات بشأن وضعية هؤلاء.
وأشار إلى أن الصحافيين يدفعون ثمن خطأ مجلس الإعلام الذي لم يتواصل وينسق مع نقابتهم أولا، كذلك أخطاء النقابة في التعامل مع قيد الصحافيين الجدد، بخاصة وأنه جرى حرمانهم من حقوقهم المادية، بشكل يثير مخاوف فئة من الصحافيين.
واتهمت نقابة الصحافيين مجلس الإعلام بمخالفة القواعد والأعراف السابقة في التعامل مع مشكلات القيد وفقا للائحة قانون تنظيم الصحافة والإعلام، ومخالفة الأحكام القضائية الصادرة في وقائع مماثلة ومخالفة التوجيه الرئاسي الذي تحدث عن أن بدل التدريب والتكنولوجيا حق مكتسب للصحافيين.