مكاسب السياحة التركية تقضمها واردات الطاقة

إسطنبول - تواجه تركيا مفارقة في طريق تحقيق بعض التوازن المالي بعدما قضمت التكاليف الباهظة لواردات النفط والغاز ومنتجات الخام الأخرى مكاسب القطاع السياحي، الذي حقق انتعاشا قويا بعد تعليق قيود الإغلاق الاقتصادي.
وسجلت عائدات السياحة رقما قياسيا بلغ 46.3 مليار دولار في 2022 رغم تضخم عجزها التجاري إلى أكثر من 109 مليارات دولار، حيث أدت تداعيات الحرب في أوكرانيا إلى زيادة عدد الوافدين الروس، لكنها أدت أيضا إلى توسع عجز في بند الطاقة.
وجاء المعلمان الأساسيان لاقتصاد السوق الناشئ الكبير في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس رجب طيب أردوغان انتخابات رئاسية في مايو المقبل، وبينما يتقدم بسياسة غير تقليدية تتمثل في خفض أسعار الفائدة لتحقيق فائض في الحساب الجاري في نهاية المطاف.
ويقول محللون إن هذا الهدف تعقد بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز في النصف الأول من العام الماضي، وبسبب تراجع عملة الليرة نتيجة السياسة النقدية نفسها.
وأظهرت بيانات من معهد الإحصاء الثلاثاء أن إيرادات السياح قفزت بنسبة 53 في المئة في 2022 مقارنة بالعام السابق، وتجاوزت أعلى مستوى سابق بلغ 34.5 مليار دولار في 2019 قبل انتشار جائحة كورونا.
وذكرت وزارة السياحة أن إجمالي عدد الوافدين الأجانب بلغ 44.6 مليون في العام الماضي، أي أقل بقليل من ذروة 2019 البالغة 45.1 مليون.
وتلاشت قيود كوفيد تقريبا في عام 2022. وجاء الروس، الذين احتلوا المرتبة الثانية بعد الألمان على مستوى الوافدين الأجانب، بأعداد كبيرة نتيجة قيود الطيران التي فرضتها الدول الغربية على موسكو بسبب شنها حربا على جارتها.
وكانت روسيا أكبر مصدر للسياح إلى تركيا خلال 2020، بمعدل 13 مليون شخص، على الرغم من قيود الإغلاق.
وتشير التقديرات إلى انتقال مئات الآلاف من الروس العام الماضي إلى تركيا التي يُنظر إليها على أنها ملاذ آمن للاستثمار في المنازل والأصول الأخرى.
وثمة رغبة تركية في أن يكون الثلث الأول من هذا العام نشطا للغاية مع استمرار الدول في تخفيف القيود على السفر.
لكن قد تكون تكاليف الرحلات الجوية أو حتى البحرية والإقامة، التي باتت مرتفعة بسبب تكاليف الطاقة والغذاء، حاجزا أمام تحقيق أية فرصة للتعافي المطلوب.
وتوقع وزير السياحة محمد نوري آرصوي في بيان الثلاثاء أن يشهد العام الحالي تحقيق إيرادات تصل إلى نحو 56 مليار دولار من السياحة.
إيرادات السياح قفزت بنسبة 53 في المئة في 2022 مقارنة بالعام السابق
وتكشف البيانات الرسمية أنه حتى في الوقت الذي جلب فيه الوافدون الأجانب على شواطئ المتوسط والمواقع التاريخية في تركيا العملات الأجنبية، ارتفعت واردات الطاقة بأكثر من 90 في المئة إلى 96.55 مليار دولار في عام 2022.
وأدت الحرب خلال العام الماضي في البداية إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، مما أدى إلى إجهاد تركيا، التي تستورد فعليًا جميع احتياجاتها من الطاقة.
وأظهرت البيانات أن العجز الإجمالي في التجارة الخارجية ارتفع بنسبة 137 في المئة على أساس سنوي ليصل إلى نحو 109.5 مليار دولار في عام 2022، وفقًا لنظام التجارة العامة، بينما زاد عجز ديسمبر بنسبة 42 في المئة عن العام السابق.
وفي العام الماضي ارتفعت الصادرات بنسبة 12.9 في المئة إلى نحو 254.1 مليار دولار، وقفزت الواردات بنسبة 34 في المئة إلى 363.7 مليار دولار. وبلغ العجز التجاري 9.7 مليار دولار في ديسمبر الماضي.
وفي إطار برنامج أردوغان الاقتصادي الذي كشف عنه في عام 2021، تهدف تركيا إلى التحول من العجز المزمن إلى فائض الحساب الجاري من خلال الصادرات القوية والمعدلات المنخفضة.
ولدى الكثير من المحللين قناعة بأن ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأولية على مستوى العالم يزيد من صعوبة تحقيق هذا الهدف.

ويبدو هدف أردوغان، المتمثل في ربط الاقتصاد بطفرة في الصادرات، مُعرضا للخطر حيث يلوح خطر الركود في أوروبا، أكبر شريك تجاري لتركيا.
وتسبب خفض أسعار الفائدة في انهيار العملة المحلية خلال أواخر ذلك العام، مما أدى إلى خفض بنسبة 44 في المئة من قيمة الليرة، وانعكس ذلك على التضخم الذي ارتفع في نهاية العام الماضي أكثر من 85 في المئة.
وقال مسؤولون حكوميون ومصرفيون وعاملون في السياحة إن ضعف قيمة الليرة، بما في ذلك انخفاض آخر بنسبة 29 في المئة في 2022، اجتذب السياح الأوروبيين والعرب في العام الماضي.
في المقابل أدت القيود المشددة على الإقراض حتى مع خفض الفائدة إلى 9 في المئة، ببلد يعاني من أعلى مستوى تضخم في مجموعة العشرين بعد الأرجنتين، إلى التأثير على إنفاق رأس المال الخاص.