مكاتب سماسرة الزواج في مصر.. المصلحة تعلو على تأسيس الأسر المستقرة

أدى تراجع العلاقات الأسرية وانحسار دور الأسر الممتدة التي أصبحت منعزلة إلى ظهور مكاتب تيسير الزواج، وهي مكاتب يسيطر عليها السماسرة إذ بعثت لغايات ربحية وليس لبناء أسر مستقرة. وغالبا ما يقع العديد من الأزواج ضحية لتلك المكاتب التي لا تعمل على حماية سرية البيانات أو التأكد من مناسبة الطرفين لبعضهما البعض.
القاهرة– انتشرت في مصر مكاتب تيسير الزواج لتطارد الشباب بدءا من إعلانات على جدران المنازل وصولا إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتخاطبهم بلغة تدغدغ عواطفهم وتلعب بطموحاتهم لتأسيس عائلات مستقرة بأبسط الأعباء المالية من دون مغالاة في مهر أو شقة أو تنمر على المستوى الاجتماعي.
تمارس تلك المكاتب السمسرة بكل معانيها، فلا تطبق المعايير التي تتحدث عنها بشأن حماية سرية البيانات أو التأكد من مناسبة الطرفين لبعضهما البعض، وغالبا ما تسرب ميول الشاب والفتاة لخلق جسر من الهوايات المشتركة بينهما، ويظهر زيفها بمجرد عقد القران، ثم يصبح الأبناء والكيان الأسري الضحية الأولى.
لا تحصل تلك المكاتب علي رخصة رسمية لمزاولة العمل والغالبية تتخذ من الأماكن الراقية مقرا لها ولا تضع مسؤولية كبيرة على مديريها، والاعتماد في المقام الأول يكون علي الاتصالات الهاتفية والرسائل النصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وإرسال الموقع “لوكيشن” عبر خدمات غوغل للخرائط.
ولا يتعدى عدد العاملين في تلك المؤسسات أصابع اليد الواحدة، مدير ومعه موظفتان حسنتا المظهر، إحداهما للاستقبال والثانية لأعمال السكرتارية.
التعامل مع تلك المكاتب يتباين وفقا للبيئة، فهي مرفوضة في المجتمعات المحافظة وتنتشر بشكل أوسع بين المثقفين
تبدأ رحلة زائر المكان بتوقيع استمارة تعارف مع صورة شخصية ودفع رسوم تختلف قيمتها حسب سن العميل وجنسيته والشروط المطلوبة في العريس أو العروس.
وقعت العديد من اللاجئات بمصر، خاصة من السوريات، ضحية لتلك المراكز، فبعد إتمام الزواج ينكشف المستور، حيث يدعي العريس أنه غير متزوج من أخرى، ثم يتضح العكس، مستغلا عدم تحديث بياناته في بطاقة الهوية، أو عاطل عن العمل زعم بأنه يعمل بمهنة شريفة بدخل جيد، أو حتى الاستظهار ببطاقات هوية مزيفة ويهرب العريس بعد شهر العسل ولا يستدل على عنوانه.
تصبح المشكلة أكثر تعقيدا حينما يترك الزوج أسرته بعد إنجاب أطفال لتجد الزوجة نفسها في وضع صعب، خاصة وأن المقبلين على زواج المكاتب من ذوي الظروف المالية الصعبة، فيصبح لزاما عليها سداد فواتير المنزل، إيجار ومرافق وتعليم أبناء.
ينشط السماسرة إقليميا عبر ما يعرف بـ”زواج التوكيل” الذي يسمح بعقد قران شاب على فتاة في بلدين مختلفين، بما يمكن الزوجة من السفر إلى زوجها فيما بعد، ويتيح الوسيط في هذه الحالة التعارف بينهما وجها لوجه عبر تطبيقات مثل زوم، وذلك بعد الحصول على العمولة وإنهاء الإجراءات.
تجمع المصلحة أطراف تلك العلاقة، كما تقول “ل. ع” مهندسة ديكور مصرية لم تفكر يوما في الزواج أو تأسيس أسرة وتراه تقييدا لحريتها، حتى جاءتها فرصة عمل في السعودية قبل عشر سنوات، واحتاجت حينها إلى مرافق فوجدت ضالتها في مكتب لسمسرة الزواج، وبالفعل وقع التعارف وتم عقد القران.

تقول إن كل ما كان يهمها هو الفرصة وتعايشت مع زوجها كزميلي سكن أكثر من زوجين فكل منهما معني بتنظيف غرفته وإعداد طعامه، ومع إلحاحه على تطوير العلاقة إلى مستوى آخر والإنجاب حصل الانفصال، فمن البداية لم يكن هناك ما يجمعهما سوى مصلحتها في السفر، ورغبته في إيجاد فرصة عمل أفضل.
تضع تلك المكاتب رسوما تختلف حسب جنسية العميل فإذا كان عربيا خليجيا يرتفع المقابل ليبلغ في المتوسط ما يعادل 5 آلاف جنيه (نحو 300 دولار) سواء بالعملة المصرية أو ما يعادلها من العملات الأجنبية، وحال وجود فروق كبيرة في السن ترتفع العمولة إذا كان العريس مسنا ويريد أن يعيد عجلة الزمن إلى الوراء.
ذكر أحمد علاء، وهو شاب يبلغ من العمر 24عاما، أن تلك المكاتب انعكاس حقيقي لانتشار مواقع التعارف والزواج على الإنترنت التي يدفع فيها المشترك مبلغا ماليا وتتيح له التعرف على فتيات من أماكن مختلفة.
13
ألفا مغربية متزوجة من مصري، وفق تصريح لمحام متخصص في عقود الزواج
ويعتبر علاء الأمر فرصة للارتباط بأجنبية ما يضمن السفر إلى الخارج والحصول على الجنسية والفوز بعمل براتب جيد وحياة أفضل، فالزواج قد يتحول إلى صفقة ولا تتم الخطبة إلا بعد أن تقوم كل أسرة بتحميل الطرف الآخر أكبر قدر من الأعباء المالية.
لا يرى الشاب غضاضة في الاختلافات الفكرية والبيئية بين الطرفين ووجهة نظره أن المرأة الغربية أفضل بمنحها مساحة حرية لزوجها، كما أن الزواج بمصرية لا يضمن حياة مستقرة كبيرة بعدما سجلت مصر النسبة الأعلى في الطلاق عالميا.
وزارة التضامن الاجتماعي لا تمنح تصاريح لأي مؤسسة تعمل في مجال الزواج وبعضها يتستر وراء رداء جمعية أهلية وتحت شعار “سترة الفتيات” ونشاطها يشبه بالضبط مكاتب سمسرة العقارات المنتشرة في ربوع مصردون رخص قانونية.
وما يصعب من مهمة رصد تلك المكاتب أن بعضها تتم إدارته من طرف محامين متخصصين في توثيق عقود زواج الأجانب بوزارة الخارجية المصرية، ويعرفون ثغرات القانون التي تؤهلهم لممارسة ذلك الدور في إطار ظاهره قانوني سليم.
أكد أحد المحامين المتخصصين في عقود الترويج أن ذلك النمط لا يحمل مشكلة اجتماعية أو قانونية فالأمر شبيه بـ”الدلاّلة” قديما التي كانت تحمل صور رجال ونساء لأجل تزويجهم مقابل أتعاب أو منطق “يا بخت من وفق راسين في الحلال(طوبي لمن يوفق بين عروسين)”.
وزعم المحامي بأن ذلك النمط من الزواج أكثر استقرارا من الزواج التقليدي فكل طرف يقبل الآخر وفق شروطه من البداية ودون ضغوط من الأسر، وغالبية الحالات التي وثقها تعيش حياة طبيعية دون مشكلات ونسبة الطلاق فيه أقل بكثير من نظيرتها في المجتمع، وكان ذلك سببا في انتشاره، فالمغربيات المتزوجات من مصريين ارتفع عددهن إلى 13 ألفا حاليا، على حد قوله.
ينشط السماسرة إقليميا عبر ما يعرف بـ"زواج التوكيل" الذي يسمح بعقد قران شاب على فتاة في بلدين مختلفين
لا ينكر المحامي وجود زواج قائم على المصلحة، فالمسألة تتوقف على قبول الطرفين والتفكير المادي موجود بالفعل في شريحة من المجتمع، وتساءل: ألا توجد عائلات تزوج بناتها لكبار في السن من أجل النفع المالي، وألا توجد فتيات يحلمن بالزواج من أغنياء بصرف النظر عن السن؟
أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة الراغبين بالزواج من الأجانب بين الجنسين، خاصة قنوات اليوتيوب التي يتحدث فيها شباب وفتيات عن مزايا الارتباط بجنسية أخرى، وما دام من الصعب العثور على أجنبية فاللجوء إلى المكاتب هو الحل الأفضل.
وقالت أستاذة علم الاجتماع أن تلك المكاتب انتشرت في البداية بسبب التغيرات في المجتمع، وتراجع العلاقات في عصر لم يعد الجار يعرف فيه جاره، وتحولت العائلة الكبيرة التي تضم الأعمام والأخوال إلى أسر صغيرة منعزلة لا ترى بعضها كثيرا، وتخشى بعض الأسر من شبح العنوسة على بناتها وتقبل بلجوئهن إلى تلك المكاتب.
وأضافت لـ”العرب” أن تقبل التعامل مع تلك المكاتب يتبابن وفقا للبيئة، فهي مرفوضة في المجتمعات المحافظة، وتنتشر بشكل أوسع بين الأوساط الثقافية مقارنة بمحدودي الثقافة الذين غالباً ما يتم الزواج لديهم في إطار شبكة المعارف.