مكائد الهواء في الغرام

ليست الحياة سوى واحدة من صور ذلك التحول الهوائي الذي يواجهنا بأشكال تحديات مختلفة.
السبت 2024/07/27
الهواء يقع دائما بين لحظتي اضطراب

يختلف الناس في النظر إلى الشخص الذي يعتبرونه “هوائيا“، فالنظرة الإيجابية تراه مثالا للإنسان الذي يحترم حريته ولا يتخلى عنها فهي عنوانه في الوجود. أما النظرة السلبية فتراه متقلب المزاج يعيش في تناقض مستمر مع نفسه.

هو مثل الريح، مرة تكون نسيما خفيفا عذبا و”يا نسيم الريح قولي للرشا/ لم يزدني الورد إلا عطشا/ لي حبيب حبه وسط الحشا/ إن يشأ يمشي على خدي مشا” كما يقول الحلاج، وهو المتصوف الحسين بن منصور الذي عاش وقُتل في بغداد. ومرة تكون الريح عصفا تأخذ كل شيء في طريقها.

ولا أحد قرأ رواية “ذهب مع الريح” للأميركية مارغريت ميتيشيل أو رأى الفيلم المقتبس عنها إلا واستقر في أعماقه شعور عاصف بالحب في زمن الحرب يختصره عبدالحليم حافظ بـ”زي الهوا يا حبيبي زي الهوا/ وآه م الهوا يا حبيبي وآه م الهوا” وهو ما يعني أن الهواء يقع دائما بين لحظتي اضطراب. لحظة الأمل ولحظة الخيبة.

هل يمكن تفسير المقولة “أكل هوا” قياسا على ذلك الاضطراب؟ ليست الحياة سوى واحدة من صور ذلك التحول الهوائي الذي يواجهنا بأشكال تحديات مختلفة.

 يقول محمد عبدالوهاب “الدنيا ريشة بهوا/ طايرة بغير جناحين/ إحنا النهاردة سوا/ وبكرا هنكون فين” لا يعرف وهو المحمول على الريح ما الذي يخبئه له الغد.

ولكنّ أحدا لا يمكن أن يتنكر للهواء، كونه عنصر بقاء قبل أن يكون دافعا للتلذذ بجمال الطبيعة وفي ذلك تقول ليلى مراد “بحب اثنين سوا يا هناي بحبهم/ المية والهوا طول عمري جنبهم”، ولو أنها ذكرت النار والتراب لاكتملت عناصر الطبيعة وهي في الوقت نفسه الأسباب التي جعلت الحياة ممكنة على الكرة الأرضية وصنعت تاريخا للإنسان. ولكن رضا علي ينظر إلى الهواء من جهة مغايرة حين يقول “أغار من الهوا لو داعب إزلوفك/ خايف من عيون الناس لتشوفك” والتي غنتها عفيفة إسكندر.

بعكس العراقية عفيفة تطمئن الجزائرية وردة إلى الهواء بحيث تقول “على عيني يا حبة عيني/ جايلالك هوا” ذلك ما استلهمته عفاف راضي يوم غنت “هوا يا هوا/ يا نسمة صيف رايحة تعدي على روحي وحبيبي/ خذلو يا هوا/ وياك رسالة ورد يمكن يقرا ويجي حبيبي”، وفي الختام لا أنسى أن فيروز حذرت العاشقين من مكائد الهواء “دق الهوا عالباب قلنا حبابينا/ قلنا الحلو اللي غاب جاي يعاتبنا/ لما فتحنا الباب والشوق ذوبنا/ تاري الهوا كذاب قصدو يلاعبنا”.

18