مقطع فيديو يثير جدلا دينيا واجتماعيا حول اعتقال المفطرين في العراق

رجال دين وصفوا محاسبة المجاهرين بالإفطار بأنها "مخالفة للقوانين"، ولا يحق لأي جهة المساس بكرامة الإنسان علنا.
الخميس 2025/03/20
العقاب يشمل الجميع

بغداد - تداول ناشطون على شبكات التواصل في العراق مقطع فيديو يظهر فيه عدد من أفراد الشرطة متجمعين حول أحد العمال لاعتقاله بذريعة التجاهر بالإفطار وانتهاك حرمة رمضان، الأمر الذي أثار موجة جدل ديني واجتماعي بشأن شرعية محاسبة المفطرين.

وأثار اعتقال العشرات من الأشخاص بتهمة الإفطار في نهار رمضان من قبل الأجهزة الأمنية جدلا واسعا، في ظل غياب قانون صريح يجرّم ذلك، ويزداد الجدل حدة مع ورود تقارير تفيد باستخدام العنف في بعض حالات الاعتقال، وكتب ناشط:

jafaralaaraji82@

اعتقال عامل من المسطر في محافظة البصرة لتناوله “لفة فلافل” بشكل علني في شهر رمضان بتهمة الإفطار العلني.

خاف ما كرهتوا الناس بدينها وبمذهبها، هسه حتى عن الإسلام تطلع…

إنت شفت ظروفه مثلا؟

سألته إذا متطلع عماله ابنك يتحمل يبقى دون حليب؟

وعلق ناشط على قرار وزارة الداخلية الذي تم فيه منه الإفطار العلني وبيع الكحول قائلا:

ZaidXMostafa@

هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلاد الرافدين: يمنع على العاملين الأجانب في العراق مخالفة تعليمات منع الإفطار العلني وخلاف ذلك سيتعرضون “للتعزير” والمنع والإبعاد من البلاد وعلى جميع الشركات المؤسسات والأفراد إبلاغ نص هذا البيان للعاملين لديها وتحذيرهم من مخالفته.

وزعم البعض أن كل الدول الإسلامية تمنع الإفطار العلني في رمضان وتحاسب من يتم ضبطه، وجاء في تعليق:

saleemustafa@

وكأنه فقط في العراق هذه الحالة

كل الدول تفعل نفس الشي

والله لو لم تمنع الحكومة الإفطار العلني سوف نرى ناس يمسحون بالحكومة الأرض بالمنشورات وقد تكون المظاهرات.

وقالت ناشطة:

tami_alaa@

قرار عادي جدا نحن في العراق منذ السبعينات الإفطار العلني ممنوع فقط هناك مطاعم معينة تكون مفتوحة خلال رمضان.

مصدر أمني يقول إن توقيف المخالفين يجري استنادا إلى المادة (1) من قانون وزارة الداخلية رقم (20) لسنة 2016

وفي 27 فبراير الماضي، أصدرت وزارة الداخلية العراقية بيانا شددت فيه على احترام حرمة الشهر الفضيل، ومنعت الإفطار العلني نهارا، حتى لغير المسلمين، وحظرت تقديم المشروبات الكحولية وإغلاق المخازن الخاصة بها، إضافة إلى غلق المطاعم والمقاهي عدا المجازة منها حتى الإفطار.

وأكدت الوزارة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين، مشيرة إلى أن غير العراقيين المخالفين سيتعرضون للإبعاد.

وأكد مصدر أمني، أنه منذ بداية شهر رمضان تم اعتقال 35 شخصا في مختلف مناطق العراق بسبب الإفطار العلني، ولم تتجاوز مدة التوقيف يوما واحدا في بعض الحالات، فيما يُفرج عن بعض المعتقلين بكفالة بعد توقيعهم تعهدا، ليتم إطلاق سراحهم في اليوم ذاته.

وأشار المصدر إلى أن إجراءات الاعتقال تتم وفق الأطر الدستورية والقانونية، معتبرا أن توقيف المخالفين يجري استنادا إلى المادة (1) من قانون وزارة الداخلية رقم (20) لسنة 2016.

غير أن رجال دين وصفوا هذه الإجراءات بأنها “مخالفة للقوانين،” مشيرين إلى أنه لا يحق لأيّ جهة المساس بكرامة الإنسان علنا، مؤكدين في الوقت ذاته أن الدين لا يُلزم أحدا بالعبادات قسرا.

وقال رجل الدين السيد رحيم أبورغيف إن للدولة الحق في فرض القوانين والتعليمات التي تساهم في حفظ أمن المجتمع وحقوقهم وحماية حرياتهم المكفولة حسب القانون والضوابط.

وأضاف في حديثه لوكالة “شفق نيوز” المحلية، أنه من الناحية الشرعية، لا إلزام على المواطنين – والمسلمين بوجه خاص بممارسة العبادات والطقوس.

وأشار أبورغيف إلى أهمية احترام حرية العقيدة، وتجنب ما قد يسيء إلى مشاعر المسلمين، ومن ذلك إشهار الإفطار، مؤكدا ضرورة توجيه المخالفين باستعمال أساليب تُشعرهم باحترام مشاعر الآخرين الدينية، بعيدا عن العنف والتجاوز والاعتقال، إلا إذا تمادى الشخص في الاستخفاف والإساءة المتكررة لعقائد الآخرين.

بدوره، أكد الشيخ عبدالرحمن الساعدي أن عقوبة الضرب والتعزير لا تشمل الإفطار العلني، مشيرا إلى أن التعاليم الدينية لا تُفرض على أحد، إذ هناك طائعون وآخرون يعصون التشريعات الإسلامية، والناس أحرار في اختياراتهم.

مفوضية حقوق الإنسان، بصفتها جهة رقابية، تواصلت مع الوزارات الأمنية لتنبيهها إلى الممارسات التي تمس حقوق الإنسان

وقال الساعدي إنه لا يحق لأيّ شخص، سواء كان مسلما أو من ديانة أخرى، أن ينتهك حرمة شهر رمضان بأي شكل، مؤكدا أن القوانين المدنية في العراق تكفلت بحفظ عقائد الناس ومنع الاستهزاء بها، بما في ذلك منع مظاهر الإفطار العلني.

وشدد على ضرورة أن تكون العقوبات بحق المخالفين متوافقة مع الأسس القويمة للدين الإسلامي، الذي يضع كرامة الإنسان في مقدمة أولوياته، لافتا إلى إمكانية تطبيق قوانين حكومية بحق المتجاوزين على حرمة الشهر الفضيل دون اللجوء إلى الإساءة أو التعدي على كرامة الناس.

ورغم عدم وجود قانون يجرّم الإفطار العلني في رمضان، إلا أن المطاعم تُغلق في جميع محافظات العراق، ويُعتبر تناول الطعام أمام الصائمين أمرا غير مقبول اجتماعيا.

وتتم محاسبة المفطرين وفق المادة 240 من قانون العقوبات العراقي، التي تعاقب بالحبس لمدة تصل إلى ستة أشهر أو بالغرامة في حالة مخالفة الأوامر والتعليمات الصادرة من الجهات الحكومية، وتتراوح الغرامة بين 200 ألف دينار إلى مليون دينار عراقي.

ويطبق هذا القانون على جميع الموجودين داخل الأراضي العراقية، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين أو أجانب، ويشمل القانون المطاعم وعربات البيع، إلا في الحالات التي تحصل على موافقات رسمية.

كما أن إطلاق سراح المفطرين بالكفالة لا يُسقط عنهم التهمة، إذ يُحال الملف لاحقا إلى محكمة الجنح.

وفي هذا الصدد، قالت عضو مفوضية حقوق الإنسان السابقة فاتن الحلفي، إن الفيديو الذي يظهر فيه أحد المفطرين وهو يتعرض للضرب من قبل الشرطة يُعد انتهاكا لحقوق الإنسان.

وأضافت الحلفي، أن ما يرافق عمليات اعتقال المفطرين من اعتداءات يُشكل “كارثة بحق الإنسانية،” مشيرة إلى أنه كان الأجدر بالقوات الأمنية تنبيه المفطرين إلى خطئهم بدلا من الاعتداء عليهم.

وتؤكد الحلفي أن قانون العقوبات العراقي لا يتضمن مادة تجرّم الإفطار العلني، وإنما تتم محاسبة المفطرين على أساس مخالفة التعليمات والقرارات الحكومية فقط.

وأشارت إلى أن مفوضية حقوق الإنسان، بصفتها جهة رقابية، تواصلت مع الوزارات الأمنية لتنبيهها إلى الممارسات التي تمس حقوق الإنسان، مؤكدة أن على الجهات الأمنية الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

5