مقتل عابرة جنسيا عراقية يعيد هذه الفئة إلى دائرة الضوء في المجتمع العراقي

دهوك (العراق) – أدانت الولايات المتحدة الخميس، مقتل عابرة جنسيا عراقية على يد أخيها بمدينة دهوك، مطالبة السلطات بالتحقيق في هذه الجريمة وتقديم مرتكبيها إلى المحاكمة. وقالت القنصلية الأميركية في أربيل إنها تابعت بقلق التقارير الإعلامية التي أفادت بمقتل أزاد دوسكي، ضحية لما يعرف باسم “جرائم الشرف”.
وأضافت القنصلية في بيان “إننا ندين بشكل قاطع هذا العنف والتمييز اللذين لا ريب في أنهما أصل هذه الجريمة. نطلب من السلطات إجراء تحقيق شامل في هذه الجريمة ومحاكمة الجاني إلى أقصى حد يسمح به القانون”.
والثلاثاء، قتلت دوسكي بالرصاص على يد شقيقها بمحافظة دهوك التابعة لإقليم كردستان العراق، حيث تم العثور على جثتها قرب قرية بابوخكي، حسبما أفاد الناطق الإعلامي باسم قيادة شرطة دهوك هيمن سليمان.
وأوضح سليمان في حديثه لموقع “ارفع صوتك” التابع لشبكة الشرق الأوسط للإرسال أن “القاتل الذي يقيم خارج إقليم كردستان، توجه قبل أيام عدّة من خارج العراق إلى محافظة دهوك” قبل ارتكاب جريمته.
وأضاف سليمان أن الضحية (23 عاما) كانت تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تضع الماكياج على وجهها وترتدي شعرا مستعارا، لأنها كانت مشهورة بالعمل في مجال التجميل بمدينة دهوك.
بحسب تقديرات منظمة "عراق كوير"، فإن عدد القتلى عام 2017 بلغ 220 فردا من مجتمع الميم، وجميع هذه الجرائم "لم تتم محاسبة مرتكبيها أو حتى اتخاذ خطوات لمقاضاتهم"
ولاذ القاتل وهو شقيق الضحية بالفرار إلى مكان مجهول بعد أن قتلها، وهو لا يعيش في إقليم كردستان العراق، وفق البيان. وعاد القاتل إلى دهوك قبل بضعة أيام واقتاد شقيقته بمفرده إلى مكان قتلها فيه بسلاح “كلاشنيكوف”، ثم فر، ولم يعرف مكانه بعد، بحسب المتحدث باسم شرطة دهوك.
ولا توجد إحصائية رسمية عن عدد العابرات جنسيا في العراق، لكن المؤشرات تقول إنهن يشكلن مع العابرين جنسيا و”مجتمع الميم”، الآلاف في البلاد. وتواجه العابرات جنسيا الاضطهاد والعنف والقتل بشكل شبه يومي.
والعبور الجنسي، يعني اختلاف الهوية الجندرية للذكر أو الأنثى عن الجنس المحدد له عند الولادة، أي عدم تطابق الهوية الداخلية للإنسان مع جسده ويتم إجراء عملية العبور الجنسي، من أجل تطابق الهوية الجندرية للإنسان الذكر أو الأنثى مع جسده الذي يشعر أنه ينتمي إليه، وتتم إما عبر أدوية عادية وإما بعمليات جراحية.
واجه الأشخاص من المثليين والمثليات ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحوّلين جنسيا في العراق تحديات قانونية واجتماعية، وكثيرا ما يقعون ضحايا جرائم القتل. ولا يفهم القانون العراقي الحالي، معنى العبور الجنسي، ولا توجد ضوابط ومواد قانونية تخصه مطلقا، ويتعامل القضاء العراقي مع الموضوع وفق اجتهاداته.
وثقت منظمة “ألوان” 368 انتهاكا ضدهم، منذ 2019 وحتى أبريل 2021. وقالت المنظمة المعنية بحقوق “مجتمع الميم” في توثيقها، إن “شخصا واحدا يتعرض كل يومين تقريبا إلى نوع من أنواع الانتهاكات، التي شملت الاغتصاب والتعذيب والتهديد والسرقة”.
وكشف تقرير نشرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” عام 2019 عن الانتهاكات التي تطاول مجتمع الميم في العراق، وقال “جيش المهدي نفذ عمليات ضد أفراد من مجتمع الميم في العراق”، وقد وثق التقرير عددا من تصريحات لقيادات جيش المهدي التابع للزعيم السياسي مقتدى الصدر، تحث على “قتلهم وتطهير المجتمع العراقي منهم”.
دعوات إلى اتباع مقاربة إقليمية للتعامل مع العبور الجندري والآخر الجنسي لجهة الحقوق والصحة تحديدا” لمجتمع "الميم"
في تقرير آخر أُنجز عام 2016، تذكر المنظمة أن الحملة ضد مجتمع الميم في العراق تكررت عام 2012 من جهات مسلحة. لكن التقرير أورد بيانا للزعيم الشيعي مقتدى الصدر دعا فيه إلى “ضرورة تقبلهم وإيقاف العنف ضدهم وهدايتهم بالطرائق العقلانية”. وبعد أعوام، ومع اجتياح فايروس كورونا العراق، غرّد الصدر عبر حسابه على تويتر أن “الفايروس بسبب زواج المثليين”، وهو ما عده نشطاء هجوما على كل مجتمع الميم في العراق وليس على المثليين فقط.
ولم يقتصر استهداف مجتمع الميم على عناصر من جيش المهدي، فقد كشف تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأميركية عام 2018، أن مجموعة “عصائب أهل الحق” وهي الجناح المسلح لكتلة “صادقون” النيابية، أعدّت قائمة اغتيالات بحق أفراد من مجتمع الميم، ونفذت فعليا حكم الإعدام ببعضهم. يشبّه التقرير هذه الممارسات بما يمارسه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في المناطق التي سيطر عليها ضد العابرين والعابرات والمثليين.
وبحسب تقديرات منظمة “عراق كوير” فإن عدد القتلى عام 2017 بلغ 220 فردا من مجتمع الميم، وجميع هذه الجرائم “لم تتم محاسبة مرتكبيها أو حتى اتخاذ خطوات لمقاضاتهم”.
يذكر أن العراق وبعد موجة من العنف ضد العابرين أو العابرات من مجتمع الميم، شكل لجنة حكومية خاصة بشؤونهم في أواخر 2012، لكن هذه اللجنة سرعان ما اختفت عن الساحة، فبحسب تقرير “هيومن رايتس ووتش” فإن عضوين من اللجنة اختفيا عام 2015 وترك آخرون في اللجنة عملهم ليتقلص عدد أعضائها إلى أربعة فقط من أصل تسعة.
وكانت شبكة M.COALITION والبرنامج الصحي في المؤسسة العربية للحريات والمساواة، أجريا عام 2020 دراسة تهدف إلى تقييم احتياجات العابرات ووضعهن على صعيد مجموعة مختارة من 11 بلدا عربيا: المغرب والجزائر وتونس ومصر والسودان ولبنان وسوريا والأردن والعراق وفلسطين والكويت.
ولم تكن نتائج الدراسة صادمة بطبيعتها نظرا للتاريخ الطويل من “النبذ الاجتماعي والتمييز والعزلة والملاحقات الشرطية والاجتماعية” ضد أفراد مجتمع “الميم” في المنطقة.
ودعت الدراسة إلى “اتباع مقاربة إقليمية للتعامل مع العبور الجندري والآخر الجنسي لجهة الحقوق والصحة تحديدا” لمجتمع “الميم”، إذ اعتبرته أمرا ممكنا بفضل العوامل الكثيرة التي تربط بلدان المنطقة، بما في ذلك التشابه في أنماط انتشار فايروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والاستراتيجيات الوطنية والقوانين القامعة.