مقترح قانون جزائري لمعاقبة الأبناء على وضع آبائهم في دور المسنين

القوانين الرامية إلى حماية المسنين والحفاظ على كرامتهم لا تجد تطبيقا.
الجمعة 2024/03/22
دور رعاية المسنين أفضل من الحياة القاسية خارجها

تقدم نواب في البرلمان الجزائري بمقترح قانون جديد لحماية كبار السن من “تعسّف أبنائهم”، ويتضمن عقوبات تصل إلى 6 سنوات لمن يتخلّون عن آبائهم في دور المسنين، في حين تثير الخطوة جدلا بشأن مصلحة المسنين بين أبناء لا يريدونهم أم في دور رعاية تحفظ كرامتهم.

الجزائر - يناقش نواب في البرلمان الجزائري مقترحا قانونيا يعاقب كل من يضع والديه أو أحدهما في دور المسنين، في خطوة مثيرة للجدل بشأن مصلحة المسنين وإمكانية تعرضهم لتعسف الأبناء والمعاملة المسيئة في حال إجبارهم على رعاية والديهم خصوصا مع شهادات سابقة بهذا الخصوص.

وبادرت مجموعة من النواب في المجلس الشعبي الوطني بمقترح قانون جديد يحمي كبار السن من “تعسّف أبنائهم”، ويتضمن عقوبات تصل إلى 6 سنوات حبسا وغرامة مالية تقارب الـ500 دولار.

وبحسب مصادر محلية، فإن هدف القانون المقدّم هو “تشديد العقوبات على الأبناء الذين يتخلّون عن آبائهم في دور المسنين، باعتبار أنّ الواجب الأخلاقي والديني يفرض على هؤلاء تحمّل مسؤولية أوليائهم”.

وتكشف الأرقام تزايد أعداد كبار السن في الجزائر التي فاقت 12 مليون نسمة من مجموع السكان البالغ عددهم أكثر من 45 مليونا، وتفيد وزارة التضامن الجزائرية بأنّه تمّ عام 2021 تسجيل 1444 مسنّا مقيما في مؤسسات استقبال الأشخاص المسنين.

جدل بشأن مصلحة المسنين وإمكانية تعرضهم لمعاملة قاسية من الأبناء الذين سيجبرون على رعاية والديهم

 وكانت الحكومة الجزائريّة فتحت العديد من دور المسنين ومراكز الشيخوخة خلال ثمانينات القرن الماضي، بخاصة على مستوى المدن الكبرى للبلاد، بهدف إيواء كبار السن المشرّدين، لكنها أصبحت ملاذا للكثير من الأبناء الذين يودون التخلص من والديهم.

ورغم تراجعها في السنوات الأخيرة، غير أنّ الأرقام لا تزال تكشف عن انتشار الظاهرة، كما تشهد المجالس القضائية قضايا التعدّي على الأصول وإخراج أحد الوالدين من البيت عُنوة. وذلك مع وجود قانون تجريم فعل التعدّي على الآباء.

ويبدو أن القوانين الجزائرية بهذا الخصوص لا تجد مكانا للتطبيق على أرض الواقع، حيث يتضمن قانون المالية لسنة 2011 جملة من المواد الرامية إلى حماية المسنين والحفاظ على كرامتهم ومكانتهم الاجتماعية ودفع الأبناء والأحفاد إلى الاهتمام أكثر برعايتهم، ويحظر التخلي عنهم من خلال “رميهم” في دور العجزة.

ونصت تدابير قانون المالية 2011 على استحداث هياكل صحية خاصة بطب الشيخوخة، بقصد توفير الرعاية الصحية الكاملة لهم وعدم تركهم عرضة لمختلف الأسقام والأمراض التي لم يكونوا يستطيعون معالجتها بانتظام لقلة ذات يدهم.

وتقول السلطات إن هذه الإجراءات ترمي إلى حماية المسنين وتوفير الرعاية الاجتماعية والصحية والنفسية الكاملة لهم، لكن ومع وجود أكثر من 32 دارا للمسنين تتوزع عبر 28 محافظة في الجزائر، يجري الحديث داخلها عن قصص مأساوية للآلاف من كبار السن، حيث يعتبر أغلبهم أن أبناءهم هم السبب في وجودهم بهذا المكان، فيما يشير خبراء اجتماع إلى انتشار ظاهرة العقوق في المجتمع الجزائري، وتحدث آخرون عن إهمال من جانب الدولة.

الأرقام لا تزال تكشف عن انتشار الظاهرة، كما تشهد المجالس القضائية قضايا التعدّي على الأصول وإخراج أحد الوالدين من البيت عُنوة

وقالت سيدة في أوائل الستينات من عمرها، إنها تقيم منذ 9 سنوات بمركز “الدرارية” لرعاية المسنين بالجزائر العاصمة، وتعتبر وجودها في هذا الدار “أفضل من التشرد في الأزقة والشوارع”. وشرحت قصتها قائلة “ابني تخلى عني، فقد كنت أعيش معه ومع زوجته التي تحمّلت معاملتها السيئة لي، لأجد نفسي في نهاية الأمر وحيدة في محطة الحافلات”.

وروت كيف أن ابنها أوهمها بأنه سيرسلها إلى منزل ابنتها، لكنها وجدت نفسها وحيدة على مدى يومين في محطة الحافلات فلم يكن بانتظارها أحد، حتى جاءت الشرطة إليها ووضعتها في هذا المركز.

وفي مركز “صالح باي” للمسنين بولاية سطيف شرق الجزائر، تجلس سيدة أخرى تدعى سعيدة (68 عاما) وحيدة كما اعتادت منذ 12 عاما، فهي من اختارت هذا المكان لأنه “أفضل من العيش مع ابنها”.

وتحدثت سعيدة عن ذكريات معاناتها مع ابنها قائلة “إن كل ما أتذكره عن ابني هو أنه كان يربطني إلى السرير الحديدي، ويكوي جسدي بالسيجارة”. وأكدت أن دخولها إلى مركز رعاية المسنين كان خيارها، بعدما عجزت عن تحمّل المعاناة، “خاصة وأن قسوة ابني ازدادت مع مرور السنوات”. وتضيف أن ولدها لم يزرها يوما طوال السنوات الـ12 التي عاشتها في مركز المسنين.

ويفيد موظفون في الهيئة الجزائرية للبحث والترقية الصحية بأن هناك تقصيرا من جانب الدولة في التعامل مع كبار السن عامة، ونزلاء دور الشيخوخة على وجه الخصوص، بينما يتحمل الأبناء سبب ما يعانيه آباؤهم من كآبة وإحباط وإصابتهم بمختلف الأمراض.

ويعاني غالبية المسنين بهذه المراكز من الاكتئاب، في ظل الأوضاع السيئة التي يعانون منها.

وأشارت الدكتورة منى جبير في رسالة دكتوراه أنجزتها بعلم الاجتماع حول العلاقات الأسرية في الجزائر، إلى أنّ التصرفات القليلة التي كان يقوم بها الجزائريون تجاه آبائهم من “عقوق” على حد وصفها تحولت إلى ظاهرة.

كما أوضحت جبير أنها وجدت من خلال هذه الدراسة أن “11 في المئة من الشباب يعتبرون الآباء مجرد فرد عادي في الأسرة شأنه شأن الإخوة والأقارب، و80 في المئة يرون في دور العجزة والمسنين ملاذا للوالدين بعد تقدّمهم في السن، أما 4 في المئة فلا يجدون أي حرج في استقرار والديهم في بيوت الشيخوخة”.

ويعتبر فوج المنار للكشافة الإسلامية الجزائرية أن عيادة مراكز الشيخوخة ودور العجزة من أبرز المحطات الموسمية التي يولي الفوج اهتماما كبيرا بتنظيمها، حيث يتم تكريم نزلاء المراكز ومواساتهم والجلوس معهم، وقال أحد المشاركين بالفوج “أغلب الوافدين إلى هذه المراكز يعتبروننا أبناءهم يعوضون بنا الفراغ الذي يعانون منه من حيث الحنان العائلي، هم ضحايا عقوق الوالدين ونحن لن ننسى هذه الفئة الجريحة في المجتمع”.

16