مقتدى الصدر يودّع آخر المحرمات ويتحاور مع المالكي

بغداد – اعتبرت أوساط سياسية عراقية أن اتصال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بغريمه نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون لم يكن مفاجئا. وقالت إن الأمر كان متوقعا وإن ضغوط إيران على الطرفين وخاصة على الصدر قادت إلى هذا الاتصال الذي سيؤسس لعودة الدفء إلى العلاقة بين مختلف الفصائل والميليشيات الموالية لإيران ويفتح الطريق من جديد لسيطرتها على الحكومة وقطع الطريق على أيّ أجندات خارجية.

إبراهيم الزبيدي: ليس عاقلا من يصدق بأن الصدر يحاول الخروج من أحضان إيران
وأشارت هذه الأوساط إلى أن العارفين بالصدر كانوا على ثقة من البداية أن تصريحاته عن حكومة وطنية عراقية “لا شرقية ولا غربية” كان الهدف منها إضفاء مصداقية على مواقفه والإيحاء بأنه شخصية مؤثرة ويمكن أن يسلك طريقا خاصا به، لكن في النهاية فإنه يعود ليقبل بما تطرحه إيران سواء بشكل علني أو من خلال زيارات مسؤوليها إلى بغداد وخاصة قائد فيلق القدس بالحرس الثوري إسماعيل قاآني، أو عبر مبادرات أخرى.
ولفتت الأوساط ذاتها إلى أن الصدر انتهى في الأخير إلى الأخذ بمبادرة مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني التي تدعو إلى إدخال الإطار التنسيقي (الكتل الموالية لإيران) ضمن مفاوضات تشكيل الحكومة وتمكينه من حصته في الحقائب الوزارية، وأن المالكي شخصية محورية بالنسبة إلى إيران في المرحلة القادمة سواء اتفق مع الصدر أو اختلف معه.
وقال الكاتب السياسي العراقي إبراهيم الزبيدي إن إيران هي صاحبة القرار والصدر واحد من أبنائها رغم كل مشاكساته، وإن البيت الشيعي الذي استحدثوا له اسم الإطار التنسيقي يديره ويمسك بمقوده المالكي بأوامر مشددة من طهران، مضيفا أنه لا الصدر ولا حلفاؤه بمقدورهم أن يقلبوا الطاولة على البيت الشيعي ويبعدوا المالكي.
وأشار الزبيدي في تصريح لـ”العرب” إلى أن التيار الصدري لم يفز بالأغلبية المطلقة التي تخوّل له أن يكون سيد نفسه وأن يعد الشعب العراقي بإصلاح العملية السياسية وسحب سلاح الفصائل الولائية وترشيد الحشد الشعبي وسوق الفاسدين كبارا وصغارا إلى ساحة القضاء وبأثر رجعي، معتبرا أن هذه الوعود تعني طرد النظام الإيراني من العراق، وأن الصدر كان يعرف هذه الحقائق ويعرف أنه لن يستطيع الوفاء بأيّ منها.
وخلص إلى أنه “ليس عاقلا من يصدّق بأن الصدر خرج أو يحاول أن يخرج من أحضان الولي الفقيه وأصبح حرا ومستقلا ولا يستظل بالخيمة الإيرانية أسوة بباقي قادة العملية السياسية الآخرين”.

فاروق يوسف: رهانات الصدر مجرد رسائل للحصول على مكانة عالية لدى إيران
وكان الصدر قد فتح باب التراجعات في الفترة الأخيرة بعد أن قبل التحالف البرلماني الذي يقوده بفتح باب الترشح من جديد لمنصب رئيس الجمهورية استجابة لضغوط بارزاني لتمكينه من تقديم مرشح جديد بعد أن أسقطت المحكمة الاتحادية مرشحه السابق هوشيار زيباري بسبب اتهامات بالفساد، وهو ما يعني أن الصدر الذي بدأ التنازلات لفائدة بارزاني بخصوص برهم صالح، صار الآن مستعدا للتنازل أمام المالكي أيضا.
وقاد هذا التنازل إلى تخلّي الصدر عن التوليفة التي كان يوحي بأنه سيعتمدها لخوض حربه على الفساد بالاعتماد على الرئيس المنتهية ولايته برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وهو ما قد يعني تسليم رئاسة الوزراء إلى المالكي نفسه أو إلى شخصية مقرّبة منه وتكون بموافقة تامة من إيران.
وظهر الكاظمي الجمعة في تصريحات جديدة أوحى فيها بأنه صار ضحية لنجاحه والتزامه، ملمّحا إلى أنه بات خارج التوليفة المرتقبة بين الصدر والمالكي وبارزاني والكتل السنية، وهي التوليفة التي ستعيد الأمور كلها إلى نقطة البداية، أي ارتهان المشهد كله لإيران.
وقال الكاتب العراقي فاروق يوسف إن ما حدث مؤشر على أن إيران لا تزال اللاعب الأكبر على الساحة السياسية العراقية، وأنها وإن انتظرت طويلا فإن النتائج النهائية كانت لصالح فريقها الذي هُزم في الانتخابات واستعاد موقعه خارجها.
واعتبر يوسف في تصريح لـ”العرب” أن رهانات الصدر كانت مجرد رسائل إلى إيران للحصول على مكانة عالية لديها، وأن العودة إلى التوافقية الحزبية ما هي إلا هزيمة تضاف إلى سلسلة الهزائم التي مني بها الشعب العراقي، مضيفا أنه سيكون من الصعب نسيان أن الصدر، الذي لطالما حمى النظام السياسي من السقوط، عمل هذه المرة على هدر أصوات المقترعين والاستخفاف بالإرادة الشعبية.
وأجرى الصدر مساء الخميس اتصالات هاتفية شملت المالكي وبارزاني، وكذلك رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورئيس تحالف العزم الشيخ خميس الخنجر.
وقال المتحدث باسم رئيس ائتلاف دولة القانون هشام الركابي في بيان إن “المالكي تلقى اتصالا هاتفيا من الصدر تناول الجانبان خلاله مستجدات الوضع السياسي، وكيفية إيجاد حلول تنهي الأزمة الراهنة” المتعلقة بتشكيل الحكومة.
وكان الصدر قد أبدى استعداده مرارا للدخول في تحالف مع بقية القوى الشيعية ضمن الإطار التنسيقي باستثناء المالكي، وهو ما ترفضه قوى الإطار التنسيقي.
ويلوم الصدر المالكي الذي ترأس الحكومة لدورتين متتاليتين (2006 – 2014) على “استشراء الفساد وأعمال العنف” في البلاد.
اقرأ أيضا:
ويراهن المالكي على العودة إلى صدارة المشهد السياسي العراقي بقوة بعدما جرى تهميشه في السنوات الأخيرة وتحميله مسؤولية هزيمة القوات العراقية أمام هجوم داعش.
ويشير المراقبون إلى أن إيران تظل تعتمد على المالكي كورقة أساسية خاصة بعد الأدوار التي لعبها في سنوات حكمه الأولى وما قدمه من خدمات للنفوذ الإيراني في العراق، وبفضله تناسلت الكثير من الميليشيات عندما كان رئيسا للوزراء بين 2006 و2010، إذ أسهم في إطلاق العديد من قادتها المحتجزين في المعتقلات العراقية والأميركية خلال تلك المرحلة، ووفّر الدعم للعديد منهم كي يطوّروا عمليات التجنيد والتسليح.
كما شجع متهمين في قضايا على صلة بأحداث العنف الطائفي عام 2006 على الانشقاق من ميليشيا جيش المهدي التي أسسها الصدر، وتشكيل جماعات مسلحة جديدة، مثل عصائب أهل الحق وحركة النجباء وغيرهما.