مقتدى الصدر يواجه تبعات خياره غير الموفّق بمقاطعة الانتخابات المحلية

انحسار نفوذ مقتدى الصدر في محافظات جنوب العراق بفعل الواقع الجديد الذي خلقته الانتخابات المحلية الأخيرة في مقابل توسّع نفوذ خصومه وعلى رأسهم نوري المالكي، بات بمثابة كارثة ذات أبعاد سياسية ومادية سيتعين على التيار الصدري العمل بسرعة على تقليل وقعها والحد من خسائرها قبل موعد الانتخابات القادمة.
النجف (العراق) - مثل حصول أبرز الخصوم السياسيين على المناصب القيادية في الحكومة المحلية لمحافظة النجف ذات القدسية الاستثنائية لدى الشيعة ضربة معنوية كبيرة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وإنذارا له بشأن تراجع نفوذه في معاقله التقليدية بسبب رهانه غير الموفّق على إفشال الانتخابات المحلية الأخيرة باختياره عدم مشاركة تياره فيها.
وأثار تقدّم نفوذ ألد خصوم الصدر رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في النجف التي يتخّذ منها زعيم التيار الصدري معقلا دينيا وسياسيا له، حالة من الامتعاض لدى أتباع التيار عكست عدم رضاهم عن انتهاج زعيمهم سياسة الانسحاب من الساحة السياسية ومقاطعة الانتخابات.
وحصل ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي ممثلا بحسين العيساوي على منصب رئيس مجلس المحافظة، بينما ذهب منصب المحافظ ليوسف كناوي من تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم.
وكانت النجف قبل تشكيل حكومتها المحلية الجديدة تدار منذ سنة 2021 من قبل التيار الصدري ممثّلا بالمحافظ السابق ماجد الوائلي الذي عيّنه في المنصب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
ولم يتردّد بعض أتباع الصدر في التعبير عن حسرتهم على خروج زمام الحكومة المحلية للنجف من يد تيارهم لوثوقهم من إمكانية السيطرة على مختلف مناصبها القيادية فيما لو سمح لهم زعيمهم بالمشاركة في الانتخابات الأخيرة.
وعلى غير ما هو معتاد من انضباط أتباع الصدر وحرصهم على انتظار أوامره، خرج عدد منهم للتظاهر في المدينة معبّرين عن رفضهم للتشكيلة الجديدة لمجلس المحافظة.
وردّ الصدر على ذلك عبر حساب منصة إكس الذي دأب أن ينشر عليه مواقفه وأوامره تحت مسمى صالح محمد العراقي (وزير الصدر) بتوجيهه أمرا بوقف التظاهر.
وورد في تدوينة على الحساب المذكور أنّ “محافظة النجف الأشرف بعيدة عن كل مظاهرة بلا مركزية وإن كانت عفوية”، وأنّ “إبعاد محافظ نزيه لصالح جهة تريد إضعاف الإصلاح في المحافظة.. لا يعني زعزعة أمن المحافظة وإثارة الفتن فيها”.
وبدا من خلال هذا الأمر بوقف التظاهر في النجف أنّ زعيم التيار الصدري لا يرى جدوى في اللجوء إلى استخدام الشارع الذي يمثّل نقطة قوته الأساسية، لمقارعة خصومه في الوقت الحالي.
كما بدا أنّه بصدد الاعتراف بالواقع الجديد الذي ترتّب على الانتخابات المحلّية الأخيرة والتسليم بتبعات الخيار غير الموفّق لمقاطعتها.
ولم تقتصر تبعات مقاطعة الصدريين للانتخابات على مجرّد خسارة ذات بعد رمزي كبير في محافظة النجف، لكنّها تجاوزت ذلك إلى تقلّص حقيقي في نفوذ التيار الصدري في مناطق شيعة العراق في محافظات الجنوب.
وبالإضافة إلى خسارة التيار لتمثيله في مجلس محافظة النجف، خسر كذلك قيادته لكل من محافظة ميسان وذي قار اللتين كان يقودهما عن طريق كل من علي دواي ومحمد هادي الغزي.
وتنطوي سيطرة القوى السياسية على مجالس المحافظات العراقية التي تمتلك سلطات واسعة في محافظاتها وتتحكّم بالمشهد الأمني والاقتصادي هناك وتدير مشاريع التنمية وتتصرّف بموازنات معتبرة، على امتيازات كبيرة لتلك القوى التي تتنافس في ما بينها بشراسة على تأمين موارد مالية مستدامة تغطّي مصاريفها الكبيرة وتضمن لها القدرة على فرض وجودها بين خصومها ومنافسيها.
وكان نفوذ مقتدى الصدر داخل عدد من محافظات جنوب العراق قد ضمن لأعضاء تياره خلال السنوات السابقة وجودا منتظما وكثيفا في مختلف الإدارات والمرافق العمومية، وأتاح لأتباعه الفوز بالعديد من المشاريع الخدمية والتنموية، وصولا إلى السيطرة على قطاعات بأكملها كما هي الحال بالنسبة إلى القطاع الصحي الذي يديره التيار بشكل رئيسي في عدد من محافظات الجنوب، ويجني من وراء ذلك أرباحا مادية مجزية.
ولهذا السبب سادت صفوف الصدريين مخاوف من تحمّل تبعات سياسية ومادية كبيرة مترتّبة على مرور زمام السلطة المحلية في محافظات الجنوب، بالإضافة إلى محافظة العاصمة بغداد، إلى أيدي خصومهم المتجمّعين تحت مظلّة الإطار التنسيقي.
وكان الإطار المذكور المكوّن من أبرز الأحزاب والفصائل الشيعية المسلّحة قد تشكّل أصلا لمواجهة التيار الصدري ومنعه من تشكيل الحكومة الاتّحادية إثر الانتخابات البرلمانية التي أجريت سنة 2021 وحصل فيها التيار على أكبر عدد من مقاعد البرلمان الأمر الذي جعله على رأس القوى المرشّحة للفوز بامتياز تشكيل الحكومة لولا تحالف قوى من داخل العائلة السياسية الشيعية التي ينتمي إليها، ضدّه وتعاونها مع قوى سنيّة وكردية على إزاحته.
وتعبيرا عن غضبه واحتجاجه أعلن مقتدى الصدر المعروف بمواقفه الحادّة وقراراته المفاجئة منع جمهور تياره من الترشح والانتخاب في الانتخابات المحليّة التي أجريت في ديسمبر الماضي تجنّبا لمشاركة الفاسدين في هذه المناسبة، بحسب تعبيره.
ومع ذلك أجريت الانتخابات وأسفرت عن مزيد تمكين خصوم الصدر المسيطرين أصلا على دفّة الحكم عبر حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني.
وما يضاعف من امتعاض أتباع التيار الصدري أنّ أبرز المستفيدين من الوضع الحالي المترتّب على الانتخابات البرلمانية ومن بعدها الانتخابات المحلّية في العراق ليس سوى زعيم حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي المتزعّم للإطار التنسيقي والحاصل على حصّة مجزية من المناصب القيادية في الحكومات المحلّية.
على غير ما هو معتاد من انضباط أتباع الصدر وحرصهم على انتظار أوامره، خرج عدد منهم للتظاهر في المدينة معبّرين عن رفضهم للتشكيلة الجديدة لمجلس المحافظة
وتعلم قيادة التيار الصدري أنّ المالكي الذي لم يتوان من قبل في استخدام القوة العسكرية للدولة في محاولته تحييد زعيم التيار عن الساحة السياسية وإلغاء دوره فيها من خلال شنّه سنة 2008 حين كان رئيسا للوزراء حملة عسكرية تحت مسمى صولة الفرسان ضدّ ميليشيا جيش المهدي التابعة للصدر، لن يتوانى في استخدام نفوذه المتنامي في المحافظات لتحجيم وجود أتباع التيار داخل مؤسسات الدولة هناك وزرع أعضاء ائتلافه داخلها بدلا عنهم.
ورأت مصادر سياسية عراقية أنّ مقتدى الصدر أصبح بفعل مختلف العوامل آنفة الذكر في مأزق سياسي من شأنه أن يجعل طموحه يرتدّ من حكم العراق الذي كان على وشك أن يحققه في إثر الانتخابات البرلمانية الماضية، إلى ترميم وضعه السياسي والحدّ من خسائره أمام خصمه اللدود المالكي توقيا لصولة فرسان سياسية هذه المرّة من شأنها أن تستكمل القضاء على ما بقي له من نفوذ.
وتوقّعت المصادر أن يكون الصدر بصدد التشاور مع مقرّبيه لوضع مخطّط للعودة بقوّة إلى الساحة السياسية من خلال المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة المنتظر تنظيمها سنة 2025، على الأقل لملء الفراغ أمام المالكي الذي أعلن أنصاره أنّه ما يزال يسعى للعودة إلى رئاسة الوزراء.
وأكّد الخبير السياسي العراقي إحسان الشمري أنّ الصدريين عائدون لا محالة إلى الساحة، قائلا في برنامج حواري لإحدى الفضائيات المحلية إنّ المطالبات بالعودة ضاغطة عليهم، ومستبعدا تخلي مقتدى الصدر عن مشروعه.