مقتدى الصدر يمهد أرضية عودته إلى المعترك السياسي بتكثيف خطابه الشعبوي

عبارات غير دبلوماسية في الدعوة إلى طرد السفيرة الأميركية وحملة طائفية لتسويق عطلة الغدير.
الأربعاء 2024/05/29
استخدام الرموز تعويضا عن ضآلة التأثير في الواقع

القرارات الخارجة عن المألوف والمواقف الصادمة كانت دائما جزءا لا يتجزّأ من التكتيك السياسي لرجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر. وهو الآن في حاجة ماسة إلى اعتماد التكتيك ذاته في مرحلة إعادة تموضعه بين كبار خصومه ومنافسيه من داخل العائلة السياسية الشيعية التي ينتمي إليها، وفي فترة تجاوز حالة الركود السياسي لتياره بسبب قراره السابق بمقاطعة الحياة السياسية.

بغداد - كثف رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بشكل ملحوظ من حضوره في المشهد العام بالعراق من خلال سلسلة من التعاليق والمواقف أطلقها عبر منصة إكس واكتست طابعا شعبويا واضحا، ولم تخل من منزع طائفي في بعض الأحيان.

ويرتبط نشاط زعيم التيار الصدري الذي غيّر مؤخرا تسمية تياره إلى "التيار الوطني الشعيي"، حاليا، بالاستعداد للعودة عن قراره مقاطعة الحياة السياسية، والذي سبق أن أعلنه احتجاجا على قيام قوى شيعية منافسة له بانتزاع امتياز تشكيل الحكومة منه رغم تحقيقه نتائج جيدّة في الانتخابات التشريعية الماضية.

ويقوم تكتيك الصدر في استنفار قاعدته الجماهيرية وتعبئتها لخوض الاستحقاقات السياسية القادمة، بما في ذلك الانتخابات التشريعية المقررة لسنة 2025، على منازلة خصومه ومنافسيه داخل العائلة السياسية الشيعية على الأرضية نفسها التي يقفون عليها، وباستخدام الخطاب الشعبوي ذاته الذي يعتمدونه في التوجّه إلى الجمهور الشيعي بالأساس.

وحمّلت الحرب في قطاع غزّة وما اقترفته إسرائيل من فظاعات بحق سكّانه الملف الفلسطيني شحنة عاطفية إضافية جعلت من الملف موضوعا دعائيا مثاليا لدى الأحزاب والميليشيات الشيعية العراقية التي تصنّف نفسها ضمن "محور المقاومة" الذي تتزعمه إيران في المنطقة.

وسارع الصدر إلى أخذ نصيبه من تلك الدعاية مقدّما نفسه كزعيم للمقاومة من خلال المطالبة بطرد السفيرة الأميركية في العراق ألينا رومانوسكي وإغلاق مقر السفارة في بغداد احتجاجا على المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في رفح.

◙ قوى عراقية تستخدم ارتفاع الشحنة العاطفية للملف الفلسطيني في التغطية على فشل تجربتها في الحكم

واختار زعيم الصدريين مصطلحات قاسية لصياغة تلك المطالبة عبر منصة إكس واصفا السفيرة بـ"السفيهة"، وملمّحا إلى أنّ البديل عن طردها بالطرق الدبلوماسية هو استخدام القوّة. وقال في تعليقه عبر المنصة "أكرر مطالبتي بطرد السفيهة الأميركية من العراق وغلق السفارة بالطرق الدبلوماسية المعمول بها، دون أي إراقة دم لكي نظهر خُلقنا وسلميتنا أمام إرهابهم ووقاحتهم".

ووصف الصدر إسرائيل بـ"دولة الشغب والإرهاب"، معتبرا أنّها “لا تستحق أن تكون حكومة وخصوصا أنها تحمل اسم نبي الله إسرائيل". وأضاف قوله "من هنا يحرم بكل الشرائع السماوية تسميتها بهذا الاسم العظيم لأنها تعادي الأنبياء وتشوه سمعتهم وتقتل الأديان التوحيدية والإبراهيمية، وهي عبارة عن كيان استيطاني طرد أصحاب الوطن ويتوق للتوسع شرقا وغربا.. وكل ذلك بدعم من الخرف الأميركي وبكل وقاحة وظلم".

كما دعا منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية إلى "أخذ دور فعّال في إنهاء المجازر والتعدي على أهلنا في غزّة". واستهدفت إسرائيل مساء الأحد مخيما للنازحين في مدينة رفح جنوبي القطاع ما أسفر عن مقتل خمسة وأربعين شخصا، وخلّف موجة دولية من الإدانات والتنديد بالعملية. واعتبر رجل الدين الشيعي أنّ طرد السفيرة “أشد أذى لهم (للأميركيين) وأكثر ردعا من استعمال القوة كي لا تكون لهم حجة لزعزعة أمن العراق وشعبه".

ويتمتع الصدر بنفوذ سياسي واسع في العراق ويحظى بقاعدة شعبية كبيرة. واشتهر بمناهضته للغزو الأميركي للعراق في عام 2003 وشكّل أول فصيل مسلح لقتال القوات الأميركية خلال فترة عدم استقرار امتدت لسنوات.

ومع ذلك لم تنخرط ميليشيا الصدر، التي تغيّرت تسميتها أكثر من مرّة لتستقر حاليا على مسمّى “سرايا السلام”، في عمليات استهداف القوات الأميركية في العراق والتي كانت قد نفذتها ميليشيات شيعية أخرى مرتبطة بإيران تحت يافطة دعم غزة ومساندة "المقاومة الإسلامية". ويحاول زعيم التيار الوطني الشيعي من خلال التعبير عن حرصه على استقرار العراق تسويق صورته كرجل دولة بعد أن تطورت طموحاته نحو السعي لحكم البلد من خلال احتكار تشكيل حكومته.

وتتنافس العديد من الأحزاب والميليشيات الشيعية في العراق على استخدام الملف الفلسطيني في استمالة الجمهور الذي فقدت ثقة شرائح واسعة منه، بعد فشلها في إدارة الدولة على مدى أكثر من عقدين من الزمن وانغمست بدلا من ذلك في فساد واسع النطاق أهدر أموالا طائلة وأثّر بشكل مباشر على مستوى عيش السكّان.

وكانت قوى منافسة لتيار الصدر قد سبقته إلى المطالبة بطرد السفيرة الأميركية من العراق، وقام نواب عن أحزاب وميليشيات شيعية ممثلة تحت قبة البرلمان العراقي في وقت سابق بجمع التواقيع لأجل الضغط على الخارجية العراقية لتنفيذ ذلك المطلب. ولا يمثّل الموضوع الفلسطيني والمطالبة بطرد السفيرة سوى جزء من حملة الصدر لاستقطاب الأضواء وجلب انتباه الجمهور استعدادا لعودة صاخبة إلى المشهد السياسي.

◙ مقابل الشحنة الطائفية الكثيفة في تعامل مقتدى الصدر مع قضية عيد الغدير سعى الرجل إلى تسويق نفسه كزعيم للتسامح والتهدئة والمصالحة

ولم يستثن الصدر في تهيئة مسار العودة اللعبَ على أوتار الطائفية، حيث جعل من فرض الذكرى السنوية لعيد الغدير عطلة رسمية في العراق وسيلة لاستمالة الجمهور الشيعي المعني دون باقي المكونات الدينية والطائفية العراقية بتلك المناسبة. ووقف الرجل وراء المقترح الذي تحوّل لاحقا إلى بند في قانون العطل الرسمية الذي أقر مؤخرا من قبل مجلس النواب العراقي، وسارع بعد ذلك إلى تسويق الأمر كإنجاز كبير له ولتياره.

وقال الصدر في منشور له على منصة إكس إنّه “بفضل الله وتوفيقه وبجهود أبناء الوطن وأبناء المذهب الإمامي الجعفري بل وكل المنصفين من السنّة بل إخوتنا في الوطن من الأديان والأكراد والقوميات الأخرى، تم التصويت من قبل نواب البرلمان العراقي، مشكورين، على عطلة يوم الغدير، عيد الله الأكبر عطلة عراقية وطنية".

وأضاف “صار لزاما على العراقيين أجمع ولاسيما أبناء التيار الوطني الشيعي التوجه إلى المساجد رافعين راية الغدير، ومتشحين بالوشاح الأخضر للصلاة ركعتين شكرا لله تعالى، ورفع الشهادات الثلاث من منائرها: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن عليا ولي الله".

وفي مقابل الشحنة الطائفية الكثيفة في تعامل مقتدى الصدر مع قضية عيد الغدير، سعى الرجل إلى تسويق نفسه كزعيم للتسامح والتهدئة والمصالحة. وحرّم الصدر على أنصاره استخدام العنف في الرد على من يسيء إليه وإلى أسرته، متوعدا باستخدام القانون والأعراف العشائرية والتصعيد الإعلامي ضد من يمسّه أو يمس تياره.

وقال التيار الصدري في بيان عبر حساب يديره على منصة إكس ويُنسب لصالح محمد العراقي (مجرّد اسم مستعار وفق العديد من المصادر) إن "خطوات سماحة السيد العقائدية والدينية والحوزوية وتكلّلها بالنجاح والتعاطف الشعبي معه وازدياد شعبيته عراقيا ودوليا أزعج الكثيرين. وها هم يلجأون إلى سب وشتم أبيه وشتمه ظنا منهم أن ذلك سيؤخر عجلة تقدمه، وخوفا منهم لاكتساح القواعد الشعبية فتضمحل قواعدهم إن وجدت".

وتابع البيان "من هنا يُمنع العنـف والتهجم على منازل هؤلاء المندسين والحاقدين ومدفوعي الثمن من جهات خارجية أو داخلية وعدم التظاهر إلا بأمر مركزي، ويمنع ذلك على جميع مفاصل التيار المدنية والعسكرية مطلقا". وأوضح أن "غاية ما يمكن فعله هو اللجوء إلى القانون والعرف العشائري والتصعيد الإعلامي ضدهم بما يرضي الله ومن دون اتهامات لجهات أيا كانت.. فهذا ما يريدونه، فلا تفرحوهم ظنا منكم أنكم تؤذونهم". كما تبرأ التيار في البيان من "كل من يخرج عن هذه التوصيات"، قائلا إن من يفعل ذلك "يسيء لقائده وللتيار الوطني الشيعي جهلا أو عمدا، فهو إما مندس أو جاهل".

 

اقرأ أيضا:

         بغداد حين ضاع تبغددها

3