مقتدى الصدر يستعرض قوّته الجماهيرية تمهيدا لانتخابات رهانها موقع رئاسة الحكومة

التظاهرات الحاشدة التي نظمّها تيار رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر الجمعة، في بغداد وعدد من مدن وسط جنوب العراق هي بمثابة اختبار للقوة الجماهيرية للرجل الذي يرى في الانتخابات القادمة فرصة كبيرة لتولي موقع متقدّم في قيادة البلد ظل يحلم به منذ سنوات طويلة لكن حال دونه والوصول إليه خصوم سياسيون أشدّاء يبدون اليوم منبوذين من قبل الشارع الذي استهدفهم بانتفاضته غير المسبوقة.
بغداد - خرج أتباع الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر الجمعة، بأعداد كبيرة إلى شوارع بغداد وعدد من مدن وسط وجنوب العراق، في استعراض واضح للقوّة الجماهيرية من قبل رجل الدين ذي الطموحات السياسية التي أعاد التعبير عنها مؤخّرا بإعلانه التراجع عن قراره بمنع تياره من المشاركة في الانتخابات النيابية المبكّرة المقرّر إجراؤها الصيف القادم، مؤكّدا أنّ الهدف من المشاركة هو الحصول على أغلبية برلمانية تتيح له تشكيل الحكومة التي ستنبثق عن تلك الانتخابات.
غير أنّ التظاهرات الصدرية كشفت في الوقت نفسه عن وجود معارضة قوية في الشارع لمقتدى الصدر باعتباره جزءا من نظام الأحزاب الدينية، وذلك عندما خرجت مظاهرات مضادّة للصدريين في مدينة الناصرية بجنوب البلاد تصدّى لها هؤلاء بعنف ما أسفر عن سقوط ما لا يقل عن ثلاثة قتلى وقرابة الخمسين جريحا أصيب بعضهم بأعيرة نارية.
وتوفّر المظاهرات العارمة التي نظّمها الصدريون المبرّر لزعيمهم الذي لم يخل تراجعه عن قرار المشاركة في الانتخابات من حرج ومن مساس بمصداقيته، خصوصا وأنّه قد سبق له أن أقسم على عدم المشاركة فيها.
وقال الصدر في وقت سابق إنّه يتجرّع السمّ حينما يفكر في دخول الانتخابات المقبلة.. ويتجرع الويلات إذا قرّر عدم دخولها. لكنّه عاد الأسبوع الجاري إلى القول في تغريدة على تويتر “إن بقيت وبقيت الحياة سأتابع الأحداث عن كثب وبدقة فإن وجدت أن الانتخابات ستسفر عن أغلبية صدرية في مجلس النواب وأنهم (الصدريون) سيحصلون على رئاسة الوزراء، وبالتالي سأتمكن بمعونتهم وكما تعاهدنا سوية من إكمال مشروع الإصلاح من الداخل سأقرر خوضهم للانتخابات”.
وحول قسمه السابق بعدم المشاركة في الاستحقاق الانتخابي أوضح أن “السبب الذي أدى إلى قسمي بعدم خوض الانتخابات سيزول وأكون في حل منه”، قائلا إنّ الدافع إلى قراره الجديد هو تخليص “العراق من الفساد والتبعية والانحراف”.
ويقول متابعون للشأن العراقي إنّ هناك دافعا قويّا وراء قرار الصدر بالمشاركة في الانتخابات، وهو ما يلمسه من فرصة لتحقيق حلمه القديم بتبوؤ موقع قيادي في السلطة من خلال تحقيق الأغلبية في البرلمان وحصول تياره على امتياز تشكيل الحكومة، وذلك بعد أن تهاوت شعبية كبار خصومه من قادة ورموز العائلة السياسية الشيعية بفعل تجربتهم الفاشلة في حكم العراق والتي أفضت به إلى أوضاع كارثية في مختلف المجالات، حيث إنّ الانتخابات المبكّرة تعتبر إحدى نتائج الانتفاضة الشعبية التي شهدها العراق بدءا من أكتوبر 2019 واستمرّت على مدار أشهر طويلة ووصل فيها المحتجّون حدّ رفع شعار إسقاط النظام بدافع اليأس من إصلاحه.
وأدّى أتباع الصدر الذين تجمّعوا في الساحات الرئيسية من عدّة مدن عراقية لتأكيد مشاركة التيار الصدري في الانتخابات البرلمانية المبكرة، صلاة موحدة.
وتلا الشيخ خضير الأنصاري كلمة لمقتدى الصدر قبيل أداء الصلاة في ساحة التحرير ببغداد قال فيها “إننا لسنا طامعين بالحكم لكننا ملتزمون بالدفاع عن العراق من خلال تحقيق أغلبية صدرية في البرلمان مضحيّة بنفسها من أجل الإصلاح لأننا نريد رئاسة الوزراء حتى نحمي العراق من سلطة الأحزاب الفاسدة”.
وأضاف “سندافع بكل سلمية بعيدا عن العنف والقتل لأننا ملتزمون بالدفاع عن العراق أمام الفاسدين ولأن مشروع الإصلاح أمانة في أعناقنا”.
وهتف المتظاهرون بشعارات لدعم الصدر وتوجّهاته لخوض الانتخابات “بكثافة وتحقيق أغلبية كبيرة في البرلمان” تتيح تشكيل حكومة جديدة يقودها الصدريون للسنوات الأربع المقبلة.
كما شهدت عدّة محافظات في وسط وجنوب العراق مظاهرات مماثلة للتي شهدتها بغداد وحملت ذات الشعارات والخطابات في مشهد عد استفتاء مبكرا على خوض الانتخابات البرلمانية.
وتضمنت التظاهرات الصدرية رسالة واضحة بشأن الحضور القوي لمقتدى الصدر على الرغم مما أصاب تجربة حكم الأحزاب الدينية القائمة في العراق منذ أكثر من سبعة عشر عاما من عثرات عمقّت الهوة بين الشارع والزعامات السياسية والدينية القائدة لتلك التجربة الفاشلة.
ويعمل زعيم التيار الصدري باستمرار على ترسيخ فكرة أنّه يمثّل استثناء بين تلك الزعامات مقدّما نفسه كرمز للإصلاح وإنقاذ البلاد من أوضاعها السيئة. وهو يستفيد في دعايته تلك من واقع أنّه يعتبر مهمّشا نسبيا في تجربة الحكم القائمة منذ 2003 إذ لا ترتقي مشاركته فيها إلى المكانة التي يرى نفسه جديرا بها كسليل عائلة تضمّ بعض أكبر علماء الدين الشيعة العراقيين.
وتجمّع عشرات الآلاف من أنصار الصدر الجمعة، لتأكيد استجابتهم لدعوة زعيمهم لهم بالمشاركة بكثافة في الانتخابات المقبلة.
وحقق التيار المدعوم من الصدر نتائج متقدمة في انتخابات 2018 إذ حاز على 54 مقعدا من إجمالي المقاعد 329 المشكلة لمجلس النواب العراقي لكنّها ليست كافية للفوز برئاسة الوزراء إذ أنّ الكتلة الأكبر المخوّلة تشكيل الحكومة تتألف من تحالفات تحت قبّة البرلمان بحسب تأويل لنص الدستور فرضه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لينتزع رئاسة الحكومة من السياسي إياد علاوي الذي فاز عليه في انتخابات سنة 2010.
ومن هذا المنطلق تُطرح تساؤلات بشأن مدى واقعية الصدر في سعيه لتحقيق أغلبية ساحقة في الانتخابات القادمة تسمح لتياره بتشكيل الحكومة، حيث إن جماهيريته وإن تأكّدت مجدّدا في تظاهرات الجمعة تظّل غير كافية نظرا للانقسامات الحادّة في الشارع وتزايد أعداد العراقيين الراغبين في التخلّص من سطوة التيارات الدينية والطائفية على العملية السياسية.
ورفع أنصار التيار الصدري الجمعة أعلام العراق وصورا لمقتدى الصدر يظهر في بعضها وهو يرتدي لباسا عسكريا وتعود إلى فترة تزعمه ميليشيا جيش المهدي المسلحة التي سبق له أن استخدمها في صراع مسلّح ضدّ القوات العراقية خلال حملة أمر بشنّها سنة 2008 نوري المالكي رئيس الوزراء آنذاك تحت مسمّى صولة الفرسان وانتهت بهزيمة الصدر وإعلانه حلّ الميليشيا التي غيّر اسمها إلى سرايا السلام ولا تزال موجودة إلى اليوم وتمثّل الذراع العسكرية القوية له.