مقتدى الصدر في "صولة فرسان" سياسية استعدادا للانتخابات المبكرة

مسايرة لمزاج الشارع الناقم على نوري المالكي كرمز كبير للفساد.
الجمعة 2021/07/02
استعجال الوصول

هجوم مقتدى الصدر على أكثر الشخصيات السياسية وقادة الميليشيات إثارة لغضب الشارع العراقي ونقمته، جزء من تكتيك حملته الانتخابية الكثيفة والمبكّرة استعدادا للانتخابات البرلمانية المبكّرة التي تشكّل فرصة فريدة لزعيم التيار الصدري لتحقيق طموحه القديم بقيادة العراق، بعد أن ثبت فشل كبار خصومه ومنافسيه في قيادة البلد على مدى الثمانية عشر عاما الماضية.

بغداد - شنّ رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر هجوما كاسحا على أبرز خصومه السياسيين ناعتا إياهم بالفشل والفساد، وذلك في إطار حملة كثيفة يشنّها بشكل مبكّر استعدادا للانتخابات البرلمانية المقرّرة لشهر أكتوبر القادم والتي أعلن في وقت سابق مشاركة تياره فيها بسقف طموحات عالٍ وصل حدّ الأمل في تشكيل الحكومة التي ستنبثق عنها.

وورد في بيان نشره على تويتر صالح محمّد العراقي الذي يوصف بأنّه وزير الصدر أنّ “جميع الأحزاب السياسية أشهرت إفلاسها من خلال استهداف الناجي الوحيد”، في إشارة إلى التيار الصدري الذي قال ذات البيان إنّ سعيه للإصلاح عرقل “تقدمه المالي.. وقد كان يستطيع إعمار مدينة الصدر (معقل التيار في بغداد) من أموال الفساد”.

وشمل الصدر بهجومه الجديد أبرز خصمين له؛ نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق لدورتين متتاليتين والذي ورد ذكره في بيان للتيار تحت مسمّى “ذي الرئاستين”، وقيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق المنشّق عن التيار نفسه، والذي أشير إليه في البيان كأحد أفراد “الثلّة الوقحة” حيث دأب الصدر على نعت العصائب وعدد من الفصائل الأخرى بالميليشيات الوقحة.

كما أشار البيان إلى الفصائل الشيعية المسلّحة التي تعلن نفسها “مقاومة إسلامية” وعلى رأسها العصائب واصفا قادتها بـ”المتشدقين بالمقاومة” ومحذرا من “استعمال الشعب كحطب للحرب واستهداف هيبة الدولة لأغراض انتخابية”، في إشارة إلى الهجمات التي تشنّها ميليشيات شيعية مقرّبة من إيران ضد المصالح الأميركية في العراق والتي يبدي الصدر اعتراضا عليها في سياق تقرّبه من الولايات المتحدة وتقديم نفسه للمجتمع الدولي كرجل دولة مؤهّل لتولي مسؤولية قيادة البلاد خلال المرحلة المقبلة.

ويحاول الصدر بهجومه على المالكي والخزعلي مسايرة مزاج الشارع العراقي الذي ينظر إلى رئيس الوزراء الأسبق كأحد أكبر رموز الفساد في البلاد والمسؤول بشكل كبير على تراجع العراق في مختلف المجالات وتردي أوضاع سكّانه من خلال فترة حكمه الطويلة التي امتدّت من سنة 2006 إلى سنة 2014 واختُتمت بكارثة سيطرة تنظيم داعش على ما يقارب ثلث الأراضي العراقية في ظل انهيار الجيش العراقي الذي نال منه الفساد والطائفية في عهد المالكي.

أما الخزعلي فيمثّل لدى طيف واسع من العراقيين رمزا للتبعية لإيران وخدمة مشاريعها على حساب الدولة العراقية وشعبها، كما أنّه أصبح مكروها على نحو خاص بعد الانتفاضة التي شهدها العراق منذ أكتوبر 2019 وشاركت عصائب أهل الحق إلى جانب عدد آخر من الميليشيات في قمعها بشكل دموي.

وعلى مستوى شخصي، فإن لمقتدى الصدر “ثأرا” قديما من المالكي الذي يرى زعيم التيار الصدري أنّه ساهم بشكل كبير في حرمانه من احتلال موقع متقدّم في قيادة العراق يعتبره حقا أصيلا له بالنظر إلى مكانة أسرته بين شيعة العراق.

وسبق للمالكي أنّ استخدم القوات المسلّحة العراقية أثناء ولايته الأولى في مواجهة ميليشيا الصدر التي كانت آنذاك تحمل اسم جيش المهدي، وذلك في حملة عسكرية تمت سنة 2008 وتعرف بـ”صولة الفرسان”.

ويبدو أن تراجع مكانة المالكي السياسية بتراجع شعبيته الذي تجسد في انتخابات سنة 2018 والتي لم يحصل فيها الائتلاف التابع له والمعروف بدولة القانون سوى على 25  من المقاعد الـ329 للبرلمان بينما حصل تحالف سائرون المدعوم من الصدر على 54 مقعدا، يشكل فرصة لزعيم التيار الصدري لتصفية الحسابات القديمة مع رئيس الوزراء الأسبق.

وتعتمد الدعاية الانتخابية المبكّرة التي  يقوم بها التيار الصدري على تقديم نفسه كمرشّح فوق العادة للفوز بالانتخابات والحصول على امتياز تشكيل الحكومة القادمة.

وقال العراقي معلّقا في البيان على موضوع القوات الأميركية التي تعمل الفصائل الشيعية الأكثر قربا من إيران على إخراجها من البلاد “لتعلموا أن المحتل على أبواب الانسحاب وإن لم ينسحب فرئيس الوزراء الصدري قادم”.

الدعاية المبكرة التي يقوم بها التيار الصدري تقوم على تقديم نفسه كمرشح فوق العادة للفوز بالانتخابات وتشكيل الحكومة

ورغم هذا الموقف من وجود القوات الأميركية في العراق، يتّهم خصوم التيار الصدري زعيمه بالتقّرب من الولايات المتّحدة لضمان عدم اعتراضها على لعبه دورا سياسيا كبيرا في المستقبل.

وعلى هذه الخلفية ركّز الصدر خطابه خلال الأشهر الأخيرة على ضبط فوضى السلاح وكبح الهجمات التي تشنّها فصائل مسلّحة على القوات الأجنبية في البلاد وقوافل إمدادها وعلى مقرّ السفارة الأميركية في بغداد على الرغم من أنّ الصدر نفسه يقود إحدى أقوى الميليشيات وهي سرايا السلام وريثة ميليشيا جيش المهدي.

كما سبق له خلال الانتفاضة العارمة التي شهدتها مدن وسط وجنوب العراق أن وظّف ميليشيا أطلق عليها اسم “القبّعات الزرق” في مواجهة المحتجّين في الشوارع وساحات الاعتصام ضمن مشاركته في ضرب الحراك الاحتجاجي حماية للنظام الذي يُعتبر الصدر جزءا منه.

ومعروف عن الصدر خطابه الواثق الذي يحرص من خلاله على وضع نفسه في مرتبة صاحب السلطة المطلقة من خلال توجيه الأوامر والإنذارات ومنح المهل الزمنية المحدودة، وهو ما يتناقض جذريا مع منطق الدولة الذي يتنباه عندما يدعو إلى ضبط فوضى السلاح.

ولزعيم التيار الصدري مشاركة في العملية السياسية القائمة منذ سنة 2003  لا يمكن مقارنتها بالأدوار القيادية في الدولة التي قام بها كبار خصومه ومنافسيه من داخل العائلة السياسية الشيعية.

لكنّ رجل الدين المنتمي إلى أسرة مرموقة في مجال التديّن الشيعي في العراق استثمر عدم تورّطه بشكل كبير في تجربة الحكم الفاشلة التي جرّت على الطبقة الحاكمة غضبا شعبيا عارما ليصوّر نفسه مختلفا عن باقي قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية وليقدّم نفسه كناطق باسم الشعب ومدافع عن قضاياه وكداعية إصلاح ومحارب للفساد.

ويرى الصدر في فشل منافسيه في الحكم فرصة للوصول إلى المكانة القيادية في أعلى هرم السلطة التي يرى نفسه جديرا بها، لاسيما وأنّ الاستحقاق الانتخابي القادم سيجري في ظلّ مستجدّات كثيرة قد تفضي إلى إعادة رسم خارطة الحكم في البلاد.

3