مقتدى الصدر عائد إلى الساحة السياسية لنثر معسكر حلفاء إيران في العراق وإعادة تشكيله

طهران لا ترى في زعيم الصدريين خصما مطلقا ولا ترغب في منحه مكانة أكبر من حجمه.
الاثنين 2024/05/13
نهاية موسم البَيَات السياسي

عودة مقتدى الصدر عن قرار مقاطعته الحياة السياسية ومشاركة تياره في الانتخابات البرلمانية القادمة في العراق، لا تعنيان بالضرورة التأثير على مكانة حلفاء إيران في تجربة الحكم القائمة في البلاد، بقدر ما تعنيان حدوث تغييرات في التحالفات والاصطفافات داخل معسكر هؤلاء الحلفاء أنفسهم، بعد أن يكون الإطار التنسيقي الذي يجمعهم قد استكمل عمره الافتراضي وزالت الحاجة التي وقفت وراء تشكيله.

بغداد- قالت مصادر متعددة إن رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر يمهد الطريق لعودته إلى المشهد السياسي بعد عامين من فشل محاولته تشكيل حكومة بدون منافسيه الشيعة.

وظهر الصدر خلال السنوات الأخيرة في مظهر المعارض للقوى الشيعية المقرّبة من إيران والتي حكمت العراق في فترة ما بعد حكم نظام حزب البعث، وقد نجح بالفعل في كسب قدر من الشعبية من خلال انتقاده الحادّ لفساد تلك القوى التي تشاركه الانتماء إلى نفس العائلة السياسية الشيعية وفشلها في إدارة شؤون الدولة وتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.

ويقود ذلك إلى التساؤل عما إذا كانت عودة رجل الدين الشيعي إلى الساحة من خلال خوضه الانتخابات البرلمانية المنتظرة سنة 2025، تشكّل تهديدا فعليا لنفوذ الأحزاب والفصائل الشيعية المسلحة القريبة من إيران.

ويجيب مطّلعون على الشأن العراقي بأن ذلك يبدو مستبعدا إلى حدّ كبير حتى وإن تمكّن الصدر فعلا من اكتساح الانتخابات، لأن تلك القوى متمكنة بشدّة من مفاصل الدولة وتمتلك الكثير من الوسائل للدفاع عن مكانتها وحماية مواقعها في السلطة.

حمزة حداد: على الصدريين أن يعودوا إلى الساحة أقل عدائية
حمزة حداد: على الصدريين أن يعودوا إلى الساحة أقل عدائية

لكنّ هؤلاء يشيرون إلى أنّ عودة الصدر يمكن أن ترجّح كفة أطراف في ذلك المعسكر على حساب أطراف أخرى، بعد أن بدأت الخلافات تتسرّب إلى صفوف الكيان الجامع لها والمتمثّل في الإطار التنسيقي الذي كان قد تشكّل أصلا لمواجهة الصدر نفسه إثر الانتخابات الماضية، وبعد أن بدأت مصالح قيادات الإطار تتناقض.

ويستدلون على ذلك بأنّ عودة الصدر ستتم بتنسيق وتوافق مع بعض مكونات الإطار التنسيقي بهدف التحالف معه ضدّ مكونات أخرى ترى أنّها ستشكل خطرا عليها في المستقبل.
وكان نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق من أوائل من أعلنوا عن إمكانية عودة زعيم التيار الصدري عن قرار مقاطعة الانتخابات.

وقال المالكي، الذي يرأس حزب الدعوة الإسلامية ويقود ائتلافا برلمانيا تحت مسمّى ائتلاف دولة القانون، في حديث لوكالة الأنباء العراقية إنّ هناك معلومات عن توجهات لدى التيار الصدري للمشاركة في الانتخابات القادمة سواء تمت في موعدها أو أجريت بشكل مبكّر. وأشار إلى أنّ الصدريين هم الأكثر مطالبة بإجراء انتخابات مبكّرة.

وبحسب مراقبين سياسيين، فإنّ حديث المالكي المعروف ببراغماتيته السياسية وبراعته في تشكيل التحالفات السياسية المصلحية والظرفية عن عودة التيار الصدري إلى العملية السياسية أبعد ما يكون عن القيام بدعاية مجانية للتيار.

ولا يستبعد هؤلاء أن يكون زعيم دولة القانون بصدد التهيئة لإبرام اتفاق سياسي مع غريمه القديم الصدر لمواجهة قوى شيعية أخرى صاعدة بشكل لافت من خلال الإطار التنسيقي المشكّل للحكومة الحالية.

وتمثّل شعبية الصدر في صفوف الأوساط الناقمة على الأحزاب والشخصيات التي قادت العراق خلال العشريتين الأخيرتين، نقطة قوّته التي تجعله واثقا من العودة إلى الحياة السياسية التي سبق له أن أعلن مقاطعته لها. ويرجح أن يرحب كثيرون من الغالبية الشيعية في البلاد بعودة الصدر لاسيما أنصاره ومعظمهم من أتباعه المتدينين والفقراء الذين يعتبرونه نصير الضعفاء.

وتحدثت وكالة رويترز بشأن عودة الصدر مع أكثر من عشرين مصدرا، منها ساسة شيعة من التيار الصدري وفصائل منافسة ورجال دين وسياسيون في مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة ومسؤولون حكوميون ومحللون.

وقال نائب سابق عن التيار الصدري “هذه المرة لدى التيار تصميم أقوى من ذي قبل على الفوز بعدد أكبر من المقاعد لتشكيل حكومة أغلبية”، رغم أن القرار النهائي للترشح لم يُتخذ رسميا.

نوري المالكي: هناك معلومات عن توجهات لدى التيار الصدري للمشاركة في الانتخابات
نوري المالكي: هناك معلومات عن توجهات لدى التيار الصدري للمشاركة في الانتخابات

وفاز التيار الصدري في الانتخابات البرلمانية عام 2021 لكن الصدر أمر نوابه بالاستقالة، ثم أعلن في العام التالي الانسحاب بشكل نهائي من العملية السياسية في البلاد بعد أن أحبطت أحزاب شيعية منافسة محاولته تشكيل حكومة أغلبية مع الأحزاب الكردية والسنية فقط.

ويندد الصدر، وهو شخصية بارزة في العراق منذ الغزو الذي قادته واشنطن عام 2003، بنفوذ كل من إيران والولايات المتحدة في العراق.

ومع ذلك فإنّ إيران لا تنظر بسلبية مطلقة إلى دور مقتدى الصدر في تجربة حكم الشيعة في العراق ومازالت تعتبره ضمانة لتواصل التجربة بدليل دوره في مواجهة الانتفاضة الشعبية العارمة التي اندلعت في أوساط شيعة البلاد سنة 2019 وتمكّن الصدر بفضل قوّته الجماهيرية من اختراقها من الداخل وتحويلها بعيدا عن هدف إسقاط حكم الأحزاب الشيعية الذي رفعه المنتفضون كشعار.

وما ترفضه إيران تحديدا هو تطلعات الصدر المبالغ فيها وسعيه إلى الاعتراف به كقوة مهيمنة ومنفردة. ومن جهتها ترى الولايات المتحدة، التي حاربت مسلحين موالين للصدر بعد أن أعلن الجهاد ضد قواتها سنة 2004، في زعيم التيار الصدري تهديدا لاستقرار العراق الهش، لكنها تعتبره أيضا أداة لمواجهة النفوذ الإيراني.

ويقول الكثير من العراقيين إن أحوالهم تسوء بغض النظر عمن يتولى السلطة بينما تستنزف النخب ثروة البلاد النفطية.

ومن مؤشرات عودة الصدر وتياره عقده اجتماعا نادرا مع المرجع الأعلى لشيعة العراق علي السيستاني الذي اضطلع بدور محوري في إنهاء اشتباكات دامية بين الشيعة في عام 2022 قبل انسحاب الصدر من الساحة السياسية.

وقالت ستة مصادر من التيار الصدري إن الصدريين يفسرون اللقاء الذي جري في 18 مارس الماضي مع السيستاني، الذي ينأى بنفسه عن المشهد السياسي المعقد ولا يلتقي عادة بالسياسيين، على أنه تأييد ضمني.

وقال رجل دين مقرب من السيستاني إن الصدر تحدث عن عودة محتملة إلى الحياة السياسية والبرلمان وخرج من هذا الاجتماع المهم “بنتيجة إيجابية”.

وبعد مرور أيام على الاجتماع دعا الصدر نواب الكتلة الصدرية الذين استقالوا عام 2021 إلى تجميع صفوفهم والتواصل مجددا مع القاعدة السياسية للتيار.

وقال مصدر مقرب منه إن الصدر أعاد بعد ذلك تسمية التيار ليحمل اسم “التيار الوطني الشيعي”، في انتقاد مُبطن للفصائل الشيعية المنافسة التي يعتبرها غير وطنية وتدين بالولاء لإيران، وكذلك في محاولة لحشد قاعدته الشعبية الشيعية.

عودة الصدر يمكن أن ترجّح كفة أطراف في ذلك المعسكر على حساب أطراف أخرى، بعد أن بدأت الخلافات تتسرّب إلى صفوف الكيان الجامع لها والمتمثّل في الإطار التنسيقي

وفي حين يتوقّع بعض المحللين حدوث حالة من الارتباك جراء عودة الصدر إلى المشهد السياسي، يقول آخرون إنه قد يعود أكثر تواضعا بسبب هزيمة أنصاره خلال مواجهات مسلحة مع فصائل شيعية منافسة، وكذلك النجاح النسبي الذي حققته حكومة بغداد الحالية، بما في ذلك موازنة العلاقات مع إيران والولايات المتحدة. وقال حمزة حداد، وهو محلل عراقي وزميل زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، “بالطبع، يزيد دائما خطر الاضطرابات عندما يزيد عدد الفصائل في عملية توازن السلطة، خاصة عندما تكون مسلحة. لكن على الصدريين أن يعودوا بشكل أقل عدائية”. وأضاف “الفصائل السياسية تعلم أنه من الأفضل تقاسم السلطة بدلا من خسارتها بالكامل”.

وقال سياسي بارز من الصدريين إن التيار قد يسعى إلى التحالف مع بعض الفصائل الشيعية الحاكمة، مثل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي يحظى بشعبية كبيرة مع استبعاد آخرين بمن في ذلك منافسه اللدود قيس الخزعلي. وقال مستشارون للسوداني إن رئيس الوزراء يبقي خياراته مفتوحة.

وذكر السياسي الصدري “هناك فصائل في الإطار تربطنا بها علاقات طويلة الأمد ويمكن أن نتحالف معها قبل الانتخابات أو بعدها. وما لا نقبله هو الدخول في اتفاقات مع الفصائل الفاسدة”.

 

اقرأ أيضا:

        • كشف التعقيدات: فشل الديمقراطية في العراق

3