مقاهٍ بلا قهوة

سحر القهوة استهوى أفئدة الناس في جميع أنحاء العالم حتى أن عدد فناجين القهوة المستهلكة وصل إلى أكثر من ملياري فنجان يوميا.
الخميس 2022/09/01
كيف ستسير الأمور إذا اختفت القهوة

لا يعير شقيقي السياسةَ الكثير من الاهتمام، ولا يريد سوى أن يستمتع يوميا بشرب فنجان من القهوة في المقهى المحاذي لمنزله بصحبة أصدقائه، لكنّ عمل المقاهي في تونس بات شبه مستحيل، بسبب أزمة نقص الماء والقهوة والسكر، ما أثر على نفسيات فئات اجتماعية مختلفة بشكل عميق، لاعتقادها أنه لا يوجد مشروب آخر يمكن أن يكون بديلا عن القهوة التي صارت ضمن عاداتها الغذائية وارتبطت بطقوسها اليومية.

يخشى أصحاب المقاهي توقفَ أنشطتهم تماما، بينما تتزايد المخاوف بشأن سبل معيشة العاملين في هذا القطاع إذا اختفى زبائن المقاهي، ولم تنجُ القهوة من صدمة أزمة الغذاء العالمي واضطراب سلاسل الإمداد، لاسيما مع استمرار الاضطرابات ونقص الطاقة.

فيما لا يتقبل معظم رواد المقاهي فكرة الجلوس في المقهى دون احتساء القهوة والتكيف مع الظروف الجديدة، وهذا لا يعني فقط تغيير ما اعتادوا عليه من مشروب، بل وتغيير أسلوب حياتهم، وأيضا طبيعة أعمالهم المشحونة التي تفرض عليهم شرب أقداح من القهوة يوميا، فضلا عن أهمية الجلوس في فضاء المقاهي للتفاعل الاجتماعي والثرثرة وسماع أخبار الأصدقاء، أو رغبة في التخلص من أعباء الحياة وهمومها.

بالطبع، ليس من السهل على أي شخص تغيير عاداته الخاصة بسهولة، كأن يستغني عن مشروب القهوة الذي كان يحبه ويعوضه بمشروب البابونج الذي كان يكرهه، كما لا يمكنه التخلي عن ثقافة المقاهي التي لم تعد مجرد فضاء لاحتساء القهوة أو الشاي وتدخين النارجيلة ولعب الورق، بل هي “المكان الثالث” الذي يأتي بعد المنزل ومؤسسات العمل، حيث يقضي فيه الناس معظم أوقاتهم.

استمتع التونسيون كغيرهم من شعوب العالم بتناول القهوة منذ مئات السنين، وأطلق عليها في تونس اسم “الشاذلية” نسبة إلى القطب الصوفي أبي الحسن الشاذلي صاحب الطريقة الحاملة لاسمه، وقد ولد سنة 1196 بقبيلة الأخماس الغمارية، وتفقه وتصوف في تونس، وتوفي بوادي حميثرة في صحراء عيذاب المصرية حين كان متوجها إلى مكة في أوائل ذي القعدة سنة 1258.

ومن المتعارف عليه أن أبا الحسن كان أول من أدخل القهوة إلى تونس، حيث كانت تعينه على السهر وتنشّطه للصلاة وترتيل القرآن وتلاوة الأوراد الخاصة بطريقته في خلوته التي لا تزال معروفة في جبل المنار بالعاصمة تونس.

استهوى سحر القهوة أفئدة الناس في جميع أنحاء العالم حتى أن عدد فناجين القهوة المستهلكة وصل إلى أكثر من ملياري فنجان يوميا.

لكن على الجانب الآخر ثمة أخبار غير سارة بالنسبة إلى من يحتسون هذا المشروب بنهم؛ هناك عقبات بالجملة أمام الطلب المتزايد على القهوة، أولاها تغير المناخ، فأشجار البن العربي لا تتحمل التقلبات المناخية، وقد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة العالمية وعدم انتظام هطول الأمطار إلى اختفاء هذه الأشجار على المدى الطويل.

ولا أحد يعرف كيف ستسير الأمور مستقبلا، إذا اختفت القهوة، هل ستبقى المقاهي مشرعة الأبواب للباحثين عن قتل الوقت في تونس؟ هذا هو السؤال الصعب.

20