مقاطعة الصدر للانتخابات العراقية بين تحركات الإطار والعزوف الشعبي

الإطار التنسيقي يدفع بحركة بابليون لإقناع الصدر بالعدول عن مقاطعة الاستحقاق البرلماني تحت ذريعة ضعف المعارضة والأصوات الداعية إلى التصحيح.
السبت 2025/04/05
الإطار التنسيقي يراهن على عدول الصدر عن قرار المقاطعة

بغداد - في تطور لافت يعكس القلق المتزايد بشأن مستقبل العملية السياسية في العراق، وجّه ريان الكلداني، أمين عام حركة بابليون والمقرب من الإطار التنسيقي، نداءً علنياً إلى الزعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر، داعيا إياه بالعدول عن قراره بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر إجراؤها في الربع الأخير من العام الجاري.

 وقد استند الكلداني في مناشدته إلى ما وصفه بـ"ضعف المعارضة والأصوات الداعية إلى التصحيح" في المشهد السياسي الحالي، وذلك في منشور له عبر صفحته على فيسبوك.

وتأتي هذه المناشدة في ظل توقعات واسعة النطاق تشير إلى فتور شعبي كبير واحتمالية عزوف واسع عن المشاركة في الانتخابات المقبلة، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي واحتمالات تشكيل حكومة مستقرة تحظى بشرعية شعبية واسعة.

وقال الكلداني مخاطباً الصدر "الى سماحة السيد مقتدى الصدر شعبكم بحاجة الى وقفتكم الشجاعة والاصطفاف معه لتصويب ما انحرف من مسار العملية السياسية".

وأضاف أن "انسحاب نواب التيار الصدري زاد الوضع سوءا بعد ان ضعفت المعارضة والاصوات الداعية الى التصحيح"، مشيراً إلى أن "مسؤولية التيار الوطني الشيعي أكبر من كل القوى السياسية بالتصدي الى مخطط تغيير الشرق الأوسط، ولن تستقيم العملية السياسية دون مشاركة التيار الوطني الشيعي".

وختم الكلداني منشوره بالتعبير عن أمله في "العدول عن قرار الانسحاب من الانتخابات البرلمانية".

ويُعد قرار الصدر مقاطعة الانتخابات المقبلة، الذي أعلنه في 27 مارس الماضي بسبب مشاركة من وصفهم بـ"الفاسدين"، تطوراً هاماً بالنظر إلى القاعدة الشعبية الواسعة التي يتمتع بها تياره وقدرته على حشد الناخبين. وقد أثار هذا القرار جدلاً واسعاً وتساؤلات حول مستقبل التوازنات السياسية في البلاد.

وترى حركة بابليون، وهي إحدى فصائل الحشد الشعبي التي تأسست عام 2014 وتُعرف بأنها تمثل المسيحيين في العراق ويرأسها ريان الكلداني، أن مشاركة التيار الصدري ضرورية لضمان وجود معارضة قوية داخل البرلمان قادرة على مساءلة الحكومة والدفع بالإصلاحات.

ويرى مراقبون أن دعوة الكلداني تأتي بعد فشل محاولات أخرى، بما في ذلك من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، لإقناع الصدر بالعدول عن قراره. ويشيرون إلى أن قوى سياسية مختلفة تتخوف من بقاء التيار الصدري خارج العملية الانتخابية لما يمتلكه من قدرة على إثارة الاضطرابات كقوة شعبية موحدة القيادة.

وفي السياق ذاته، أكد المحلل السياسي المقرب من التيار الصدري، رافد العطواني، أن مقاطعة الانتخابات سيكون لها تأثيرات كبيرة، منها تقليل حظوظ "البيت الشيعي" في الحصول على مقاعد إضافية وتأثير سلباً على نسبة المشاركة العامة.

وأوضح أن الصدر يعتقد أن العملية الانتخابية الحالية "لا جدوى منها" وأنها تصب في مصلحة "الفساد والفاسدين". وأن القوى السياسية مستمرة في اتباع نهج المحاصصة الذي يعوق أي تغيير حقيقي"، مبينا أن "نسبة المشاركة بالانتخابات ستنخفض بشكل كبير، إذ قد يمتنع نحو 1.5 مليون ناخب من التيار الصدري عن ذلك، وربما دعوات أخرى للمقاطعة قد تشجع آخرين على عدم الانتخاب".

واشار إلى "تراجع الصدر عن قراره وارد في عالم السياسة، وذلك بطلب من قوى سياسية مختلفة أو بتدخل شخصيات شيعية نافذة للتأثير عليه، أو قد يصدر الإطار التنسيقي بيانا أو وثيقة تدعوه للعدول عن قراره، أو تحدث متغيرات قبل الانتخابات تُغِّير موقفه".

ويتزامن هذا الجدل مع توقعات واسعة بفتور شعبي كبير وعزوف محتمل عن المشاركة في الانتخابات المقبلة.

ويرى رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، أن "الانتخابات في العراق تعرضت لضربات كثيرة في مصداقيتها على مدار التجارب السابقة، ولهذا فإن العراقيين لم يعودوا يهتموا بها كثيراً، بل وفقدوا الثقة بهذه الآلية الديمقراطية".

وأضاف الشمري في تصريح لعدد من وسائل الإعلام المحلية، أنه "زاد ذلك تعليقات واعترافات الأحزاب نفسها بعمليات تزوير سابقة في الانتخابات والقيام بالتلاعب في النتائج"، معتبرا أن "صعود قوى السلاح (الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة) على حساب القوانين والأعراف، مع وجود مال سياسي كبير يؤدي إلى السيطرة على الدولة، ناهيك عن انكفاء النخب الوطنية جرّاء الإقصاء الذي تعرضوا له، بالتالي فإن هذه الأسباب تعاظمت وقد تكون الانتخابات المقبلة هي الأكثر عزوفا".

ويشير تاريخ الصدر السياسي إلى تذبذب مواقفه تجاه المشاركة في العملية السياسية، حيث سبق له أن لوّح واعتزل العمل السياسي عدة مرات قبل أن يعود. ويرى مراقبون أن تراجعه عن قرار المقاطعة يبقى وارداً بناءً على تطورات سياسية أو تدخل شخصيات نافذة.

وكانت مفوضية الانتخابات قد أعلنت عن انطلاق عملية تحديث سجل الناخبين استعداداً للانتخابات المقبلة التي ستجرى وفق نظام الدوائر المتعددة الذي تم اعتماده مؤخراً. وتشير الأرقام إلى إضافة أكثر من مليون ناخب جديد من مواليد عام 2007، ليرتفع العدد الإجمالي للناخبين إلى أكثر من 29 مليوناً.

ويبقى المشهد السياسي العراقي ينتظر ما ستؤول إليه الأمور بشأن قرار الصدر، وتأثير ذلك على مستوى المشاركة الشعبية ونتائج الانتخابات المقبلة، التي ستحدد مسار البلاد في المرحلة القادمة.