مفكرون عرب يستحضرون ملامح "الثقافة في الكويت قبل النفط"

ندوة فكرية يصاحبها معرض مصغر للحرف اليدوية التقليدية لفترة ما قبل النفط في الكويت.
الاثنين 2025/04/28
آراء متفقة على أن الكويت رائدة ثقافيا في المنطقة

القاهرة - يسلط نخبة من المفكرين العرب الضوء على الجذور الثقافية للكويت في مرحلة ما قبل “اكتشاف النفط” وهي المرحلة التي برز فيها الوعي المجتمعي والإنتاج الثقافي في أوساط الدواوين والمجلات والمجتمع المدني بشكل أسهم في تكوين ملامح الشخصية الكويتية.

يأتي ذلك في ندوة فكرية بعنوان “الثقافة في الكويت قبل النفط”، تقام ضمن فعاليات احتفالية الكويت عاصمة الثقافة والإعلام العربي لعام 2025، وينظمها المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب الأحد وتستمر حتى مساء الاثنين، وذلك بمشاركة نخبة من المفكرين والأكاديميين الكويتيين والعرب.

وتقام الندوة في إطار اهتمام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بتوثيق وتحليل ملامح الهوية الثقافية الكويتية عبر محطاتها التاريخية المختلفة، وذلك بمشاركة مفكرين وأكاديميين من الكويت والسعودية والبحرين ومصر.

ويستعرض المشاركون، وفق أجندة الندوة، أوراقهم البحثية من خلال ست  جلسات، ثلاث جلسات منها انعقدت الأحد، فيما تقام الاثنين ثلاث جلسات أخرى، وتتناول محاور متكاملة تشمل التاريخ الثقافي والدور الاجتماعي والاقتصاد والتعليم والهوية، وغيرها من العوامل التي شكلت ثقافة الكويت قبل التحول الاقتصادي الكبير الذي تزامن مع ظهور النفط.

وأدار الجلسة الأولى الدكتور خالد الجسار، أمين عام المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب، وتضمنت مناقشة ثلاث أوراق بحثية: الورقة الأولى بعنوان “الجذور الثقافية في الكويت”، والثانية بعنوان “المشهد الثقافي في الكويت قبل النفط”، والثالثة بعنوان “الواقع الاقتصادي والثقافة”.

h

وتناولت الجلسة الثانية التي أدارتها الدكتورة موضى الحمود، موضوعات عدة من بينها “عوامل تشكل العقل الكويتي”، و”الهوية الكويتية”، و”دور الديوانية الثقافي”، و”دور المرأة الاجتماعي وانعاكاساته الثقافية”، وناقشت الجلسة الثالثة التي أدارتها الدكتورة جميلة سيد علي، موضوعي “ثقافة القرية”، و”ثقافة المدينة”.

وتنعقد الجلسة الرابعة، الاثنين، ويديرها الدكتور سعيد الدحية الزهراني، وتتناول موضوعات “الصلات الثقافية مع دول الخليج والجزيرة العربية.. البحرين نموذجا”، و”العلاقات الثقافية العربية”، و”الأثر الثقافي للبعثات التعليمية العربية”، فيما تستعرض الجلسة الخامسة ويديرها الباحث طلال الرميضي، موضوعي “المرأة والتعليم”، و”إصدارات المجلات والمطبوعات والدور الثقافي الشعبي”.

وتختتم الندوة بجلسة سادسة يديرها الدكتور خالد القلاف، وتتناول “الأغنية الكويتية قديما”، و”فن الموسيقى.. فن الصوت نموذجا”، و”العمارة الكويتية القديمة”، و”الزي الكويتي الشعبي”.

كما يصاحب الندوة الفكرية معرض مصغر للحرف اليدوية التقليدية لفترة ما قبل النفط مثل حرفة السدو وحرفة القلاف (صناعة السفن) وركن لمطبوعات المجلس الدورية ومجلة العربي.

قبل اكتشاف النفط في العام 1938، كانت الكويت مركزا ثقافيا نشطا في الخليج العربي، وتميزت بوجود مدارس تقليدية مثل “الكتاتيب” التي كانت تُعلم القرآن واللغة العربية. كما كانت الديوانيات تُعد ملتقيات ثقافية واجتماعية هامة. وساهمت هذه العوامل جميعها في تشكيل هوية ثقافية غنية ومتنوعة.

كانت الديوانيات قلب الحياة الاجتماعية والثقافية، إذ كانت تُقام فيها الحوارات والقصص والشعر وتبادل الآراء في شؤون الدين والسياسة والاقتصاد.

والديوانية هي غرفة أو مجلس في بيت أحد أفراد العائلة، يُفتح للضيوف يوميًا أو في مناسبات محددة، وتُعد ملتقى للرجال لتبادل الأحاديث، ومناقشة أمور الحياة، والسياسة، والدين، والتجارة.

الكويت كانت قبل اكتشاف النفط في العام 1938 مركزا ثقافيا نشطا في الخليج العربي، وتميزت بوجود مدارس تقليدية

كما عرفت تلك المرحلة التاريخية بازدهار الشعر النبطي وشعر البحّارة والغوص، حيث كان وسيلة للتعبير عن مشاعر الناس وتجاربهم. كما انتشرت القصص الشعبية والحكايات التي كانت تُروى في المجالس والدواوين.

الحرفيون أيضا كانوا يحملون معارف تراثية تُنقل شفهيا من جيل إلى جيل، كما كانت تقام حفلات السمر، والألعاب الشعبية مثل “الدرباحة” و”خروف مسلسل”.

بالرغم من القيود الاجتماعية، كانت المرأة تشارك في التعليم داخل الكتاتيب، وتلعب دورا مهما في حفظ التراث من خلال الأغاني والمرويات الشفهية.

كان للعلماء ورجال الدين دور كبير في توجيه المجتمع، وكانت المساجد مراكز للعلم والخطابة والتعليم.

وقال أمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور محمد الجاسر، في كلمته خلال افتتاح أعمال الندوة، إن “اختيار موضوع المؤتمر ينبع من إيماننا الراسخ بأن فهم حاضرنا الثقافي لا يتم إلا بالعودة إلى جذوره الأصيلة التي تشكلت في مرحلة بالغة الأهمية من تاريخنا الوطني.”

وأكد أن “تسليط الضوء على حقبة ما قبل النفط جاء لأهميتها حيث تمثل المرحلة التأسيسية التي شهدت ولادة الملامح الأولى للهوية الثقافية الكويتية بكل أبعادها، إضافة إلى كونها العصر الذهبي للتفاعل المجتمعي الذي أبدع أشكالا ثقافية أصيلة من ديوانيات ومجالس وأندية علمية وأدبية.”

وأوضح أن “تلك الفترة جسدت قدرة الإنسان الكويتي على الإبداع رغم شح الموارد مما يؤكد أن الثقافة كانت ولا تزال ثروتنا الحقيقية”، مبينا أن دراسة هذه الحقبة التاريخية تكتسب أهمية مضاعفة اليوم لأنها توثق الذاكرة الثقافية الوطنية وتقدم نموذجا للتواصل الحضاري وتسهم في تعزيز الانتماء لدى الأجيال الجديدة، وتثري الحوار حول دور الثقافة في التنمية المستدامة.

وأضاف “إننا في المجلس نؤمن بأن الثقافة هي الضامن الحقيقي لاستمرارية التنمية المستدامة وأن الاهتمام بتراثنا ما قبل النفط ليس اجترارا للماضي بل هو استشراف للمستقبل من خلال فهم أسس نهضتنا الحديثة.”

وأكد الجسار أن احتفال الكويت هذا العام بلقب عاصمة الثقافة العربية ليس مجرد حدث عابر بل هو اعتراف بدورها الريادي في المشهد الثقافي العربي، مبينا أن هذه الندوة تأتي لتؤكد أن اختيار الكويت لم يأت من فراغ بل هو تتويج لمسار ثقافي عريق بدأ قبل عقود من اكتشاف النفط.

12