مفتي لبنان يحذر من فوضى أمنية واجتماعية شاملة

يقترب لبنان يوما بعد يوم من حافة اضطرابات حادة في وقت تعجز فيه الأطراف السياسية عن التوافق، وذلك وسط تحديات داخلية على كافة الأصعدة ووسط مخاوف من عدم القدرة على تسيير دواليب الدولة، ما يدفع البلاد إلى الفوضى.
بيروت - يعكس تحذير مفتي لبنان عبداللطيف دريان الأربعاء من فوضى أمنية واجتماعية شاملة بالبلاد ما تتوقعه أعلى المراجع الأمنية والتقارير الدولية نتيجة تدهور الظروف المعيشية وفشل القادة السياسيين في التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية وتنصيب حكومة، وهما شرطان لفتح الأبواب أمام المساعدات المالية الدولية.
وقال دريان في رسالة بمناسبة حلول شهر رمضان “يا ساسة لبنان، كفى بالله عليكم تضييع الوقت، أصبحنا في المراحل الأخيرة من الانهيار، وحدوا رؤيتكم في مصير بلدكم”.
وأضاف “إما انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة، أو الفوضى التي بدأت معالمها تظهر شيئا فشيئا في الوطن، ويدفع الثمن المواطن”.
وفشل البرلمان اللبناني 11 مرة منذ سبتمبر الماضي في انتخاب خلف للرئيس السابق ميشال عون الذي انتهت ولايته في أكتوبر 2022، فيما تستمر الحكومة الحالية في تصريف الأعمال منذ الانتخابات النيابية في مايو الماضي.
ويبقى حصول لبنان على دعم دولي من عدمه رهين اشتراطات الجهات المانحة بضرورة التوصل إلى سياسة إصلاحات تتماشى مع انتظاراتها وهو ما يزيد من صعوبة الوضع في ظل العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
وشارك مئات من اللبنانيين الأربعاء غالبيتهم عسكريون متقاعدون في تظاهرة في وسط بيروت احتجاجاً على تدهور الأوضاع المعيشية، بينما عملت القوى الأمنية على تفريقهم بإطلاق الغاز المسيل للدموع بعد محاولتهم اقتحام حرم السراي الحكومي.
وأعاد هذا التحرك إلى الأذهان التظاهرات غير المسبوقة التي شهدها لبنان في خريف 2019 احتجاجاً على بدء تدهور الأوضاع الاقتصادية مطالبين برحيل الطبقة السياسية التي لا تزال تمسك حتى اليوم بزمام الأمور من دون أن تقدم أي حلول.
وتجمّع المتظاهرون في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت مقابل السراي الحكومي. ورفع بعضهم الأعلام اللبنانية مرددين هتافات مناهضة للسلطة. وحمل أحد المتظاهرين بينما ارتدى زياً عسكرياً لافتة كتب عليها “نناشد المجتمع العربي والدولي أن يخلصونا من الطبقة الحاكمة الفاسدة”، ممهورة بتوقيع “متقاعدي الجيش اللبناني”.
وتخللت التظاهرة عمليات كر وفر بعد إطلاق قوات الأمن الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين من أجل تفريقهم، بعد تمكن مجموعة منهم من إزالة الأسلاك الشائكة والتقدّم باتجاه حرم السراي الحكومي.
وقال العميد المتقاعد خالد نعوس (70 عاماً) “كان راتبي حوالي أربعة آلاف دولار قبل الأزمة، وهو يعادل 150 دولاراً اليوم”. وأضاف “نشعر بالذل بينما نحاول أن نعيش حياة كريمة لأننا غير قادرين على تأمين مستلزمات منزلنا (…) بلغنا مرحلة اليأس، إذ أخذت المصارف تعويضات تقاعدنا ولم تبق لنا رواتب، ولهذا ننزل اليوم إلى الشارع”.
ويشهد لبنان منذ صيف 2019 أزمة اقتصادية صنّفها البنك الدولي بين الأسوأ منذ العام 1850، وتُعتبر الأسوأ في تاريخ لبنان. ويتزامن ذلك مع أزمة سيولة حادة وقيود مصرفية مشددة، لم يعد بإمكان المودعين معها الوصول إلى مدّخراتهم العالقة.
وسجّلت الليرة الثلاثاء انهياراً تاريخياً مع تجاوز سعر الصرف عتبة 140 ألفا مقابل الدولار، ما تسبّب بارتفاع أسعار السلع كافة خصوصاً المحروقات والسلع والمواد الغذائية التي باتت تسعّر بالدولار بعد رفع الدعم عنها. وتوقّفت عدة محطات بنزين عن بيع المحروقات.
وانخفض سعر الصرف الأربعاء إلى قرابة 110 آلاف ليرة مقابل الدولار غداة إصدار مصرف لبنان تعميماً للحد من انهيار الليرة التي خسرت قرابة 98 في المئة من قيمتها.
ويرى مراقبون أنّ حالة الشلل التي يمرّ بها لبنان نتيجة متوقعة لتراكمات صعبة في الساحة السياسية وما تبعها من ركود اقتصادي امتد لعقود طويلة في غياب رؤية إصلاحية من الحكومات المتعاقبة.
ولعلّ العجز عن تشكيل حكومة متوازنة تمسك بدواليب الدولة في هذه الفترة قد ساهم بشكل مباشر في انفجار الوضع الاجتماعي وسط مخاوف من مظاهرات واشتباكات بين الأمن والمواطنين المطالبين بأبسط حقوقهم في غياب للاحتياجات الأساسية وارتفاع الأسعار وتفشي البطالة وغيرها من المعضلات التي ستساهم وفق مراقبين في ثورة اجتماعية.
ويقول محللون إنه لا يمكن تبني إصلاحات هيكلية في لبنان ما لم يكن هناك استقرار سياسي ومؤسسات منتخبة، وهو ما فشل فيه لبنان حتى الآن مع تواجد حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحيات وشغور في مؤسسة رئاسة الجمهورية.
وحذر المدير العام السابق لجهاز الأمن العام في لبنان اللواء عباس إبراهيم من أن “المجد الموروث استبيح وأوشك أن يتهدم”، في إشارة إلى لبنان، وذلك نتيجة فقدان “اكتمال الإطار الدستوري والمؤسساتي وانتظامه تحت قبة القانون الذي يضمن العدالة والمساواة لجميع اللبنانيين”.
ومن المتوقع أن يزداد الضغط المعيشي على سكان البلاد نتيجة حزمة ضرائب تستعد السلطات لإقرارها بدأت من رفع تعرفة الاتصالات الخليوية، وستمتد إلى قطاع الكهرباء الذي لا يؤمن أكثر من تغذية ساعتين في اليوم، كما من المتوقع أن ترتفع أسعار السلع والمواد الغذائية والبضائع المستوردة ما بين 20 و50 في المئة خلال الأشهر المقبلة.
وأفادت تقارير أممية بأن “غالبية سكان لبنان عاجزون عن تأمين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية وسط أزمة اقتصادية متفاقمة، حيث تتحمل الأسر ذات الدخل المحدود العبء الأكبر”.
وحضت منظمات دولية الحكومة اللبنانية والبنك الدولي على اتخاذ إجراءات عاجلة للاستثمار في نظام حماية اجتماعية قائم على الحقوق ويضمن مستوى معيشيا لائقا للجميع، مشيرة إلى أن أكثر من نصف اللبنانيين منذ ما قبل الأزمة المالية لم يحصلوا على أي نوع من الحماية الاجتماعية، فيما النسبة اليوم أكبر بكثير.
ويقول محللون إن الحل الرئيسي في البلاد ينتج سياسيا وأن التأثيرات الاجتماعية هي المحرك الأكبر لهذه الفوضى التي يشهدها لبنان، لكنهم يشددون على أن أصل المشكلة في البلاد سياسي.
ويرزح اللبنانيون تحت وطأة أزمة اقتصادية مستفحلة تآكلت معها مقدرتهم الشرائية وسط تدهور قيمة العملة وارتفاع نسبة التضخم وشح في السيولة لدى المؤسسات الخدمية.
وأعلن الاتحاد الأوروبي في وقت سابق عن إطلاق مبادرتين جديدتين بقيمة 25 مليون يورو (27 مليون دولار) لدعم الفئات الفقيرة في لبنان، ومكافحة انعدام الأمن الغذائي.
وستوفر الأموال مساعدات مباشرة لـ7245 عائلة لبنانية فقيرة مؤلفة من 41257 فردا مسجلة في البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا الذي يمثل شبكة الأمان الاجتماعي في البلاد، وتنفذه الحكومة بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي.