"مفتاح القتل" مهمة مستقبلية في عالم افتراضي

المهمة المجهولة، تبدو عنوانا عريضا ينطوي على خوض في آفاق غير محددة تنعش ذلك النوع من الإبداع في مجال الخيال العلمي الأدبي كما السينمائي على حد السواء، هذه الثيمة تشكل في حقيقتها نواة سرديّة مشجّعة للمضي بالأحداث إلى مسارات غير متوقّعة ولا تخلو من المفاجآت والغرائب، ولهذا صار اتخاذ المهام المجهولة محورا في بناء الفيلم دافعا نحو الاكتشاف، فضلا عن أن الأفق المفتوح لهذا النوع من المعالجات يتيح المزيد من الحلول الإخراجية.
الاثنين 2017/07/03
كل الاحتمالات واردة

عرفت سينما الخيال العلمي العديد من الأفلام التي نحتت عميقا في ثيمة المهام المجهولة، نذكر من بينها: “أوديسا الفضاء” (إنتاج 1968)، “أبولو 13” (1995)، “الغرباء” (1996)، “القمر” (1998) وسلسلة “ستار تريك”، وصولا إلى “إيليسيوم” (2013) و”الماشون على القمر” (2017) وغيرها.

وفي فيلم “مفتاح القتل” للمخرج الهولندي تيم سميت تحظر ثيمة المهام المجهولة مقترنة بنزعة القراءة المستقبلية للحياة البشرية وما يشغلها من شواغل، حيث تبرز قضايا الطاقة النافدة أو الطاقة النظيفة والمستدامة في مقدمة ما يشغل علماء المستقبليات، لغرض أن تستمر الحياة البشرية على سطح الكوكب إلى أمد بعيد.

هنا سوف تولد شركات عملاقة مهمتها إيجاد البدائل العملية التي تخدم البشر في العقود المقبلة، هذا ما يفترضه الفيلم من خلال قيام إحدى تلك الشركات بالمهمة، وهي شركة “التربليكس” التي تكون قد توصلت إلى طاقة بديلة من خلال مشروع عملاق يقود إلى إيجاد كوكب يدعى “إيكو” مقابل الأرض، يجري من خلاله التخلص من أي نفايات ويتمتع البشر بطاقة لا نهائية نظيفة، لكن احتكار الشركة العملاقة للمهمة سيقود إلى صراعات مع قوى هي أقرب إلى الميليشيات وكل له أهدافه، بينما الشركة العملاقة تكون قد امتلكت طائراتها المسيّرة المسلّحة التي تلاحق الخصوم بلا هوادة.

في المقابل يكلّف رائد الفضاء السابق في وكالة “ناسا” ويل بورتر (الممثل الصاعد دان ستيفنس) للقيام بمهمة باتجاه كوكب “إيكو” في رحلة تحفّها المخاطر، لكنه يرتضي خوضها بسبب حاجة مادية لشقيقته وابنها المريض.

المبالغة في استخدام ما يشبه ألعاب الفيديو التي عج بها الفيلم، أضعفت التماسك الدرامي والسردي فيه

الفيلم هو في الأصل تطوير لفيلم قصير سابق للمخرج الهولندي تيم سميت الذي زجّ في هذا الفيلم الكثير من العناصر البصرية، ولم يكن معنيا كثيرا بالتتابع السردي خلال القيام بتلك المهمة، فهو يتنقل بين الأزمنة ومشاهد الاسترجاع (فلاش باك) بكل راحة إلى درجة تجعل المشاهد منجذبا إلى عناصر الحركة والمستجدّات أكثر من تتبعه للخط الحكائي.

أما على صعيد التصوير فقد غصّ الفيلم باللقطات والمشاهد التي تم تصويرها من شتى الزوايا والمستويات، فكاميرا مدير التصوير جاكو فان ري لم تتوقف أبدا في لقطات ساكنة، وغالبا ما كانت هنالك حركة ولقطات غير مستقرة في المنظور، فضلا عن أن التصوير تم في الكثير من المشاهد بواسطة كاميرا محمولة على الكتف أو كاميرا مثبتة على خوذة، وهي جرأة عمد إليها المخرج في مضيه قدما لتصوير التصاعد في الأحداث.

العنصران المتقابلان في هذه الدراما، هما ويل وإبيغيل الفاتنة (الممثلة الفرنسية بيرنيس مارلو) التي تخوض مع ويل تلك المهمة وتشجعه عليها، وتتحول إلى طرف في الصراع في مواجهة الميليشيا الرافضة لمهمة الشركة العملاقة، وهو ما يدخل ويل في دوامة لا نهاية لها من المفاجآت والتحوّلات، وهو يمضي في مهمته.

من الملاحظ أن الفيلم حظي باهتمام نقاد صحيفة “نيويورك تايمز” ومجلة “فيراييتي” و”هوليوود ريبورتر”، إلاّ أنها جميعا تؤشر على تلك المبالغة في استخدام ما يشبه ألعاب الفيديو التي عج بها الفيلم، مما أضعف التماسك الدرامي والسردي فيه.

في المقابل هنالك تميّز واضح في رسم المكان الافتراضي وتكوينه واكتشافه، فقد كانت تلك الأماكن الافتراضية كافية إلى حدّ ما لإقناعنا بجدوى تلك الرحلة التي يقوم بها ويل، ومدى النتائج التي سيتوصل إليها؟ حيث حفل الفيلم بتنوّع ملفت للنظر في المكان زاده عنصر الحركة تشويقا وثراء بصريا.

ولعل ما يلفت النظر أنه في وسط تلك الغزارة الصورية، كان هنالك ضعف في تماسك السرد الفيلمي والمضي بالصراع المفترض إلى نهاياته، هنا سنلاحظ أن مهمة ويل ستتشتت في وسط تلك الدوّامة من المتغيرات التي تم حشد الغرافيك الصوري بكثافة لكي تتحقق، وهي معالجة فيلمية أضعفت إلى حد ما من بنية السرد الفيلمي.

المهمة المتشعّبة والمتنوّعة جعلت المخرج يسرف في الحلول البصرية كبديل موضوعي لإقناع المشاهد بما هو مستقبلي افتراضي من الصراعات التي سوف تقع بين قوى المصالح المتعددة، مع المحافظة على الشخصية الرئيسية أو البطل الفرد الذي يقود الأحداث ببراعة إلى نهاياتها، محققا متعة بصرية وتنوّعا تعبيريا ملفتا في شكل مختلف من أشكال الخيال العلمي.

16